الدستورية: لايجوز حرمان المهندس المحكوم عليه من مستحقاته المالية

المحكمة الدستورية العليا

السبت، 01 ديسمبر 2018 - 12:57 م

محمد زهير

قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي ببطلان  المادة (85) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، فيما نصت عليه من جواز حرمان العضو من كل أو بعض ما تقرر له من معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف.  وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن المادة (85) المطعون فيها نصت على أنه "يجوز لمجلس النقابة حرمان العضو من كل أو بعض ما تقرر له من معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا، أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف، ويجب أن يصدر القرار، في هذه الحالة، بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النقابة".   وأوضحت المحكمة، أن الحق في المعاش - إذا توافر أصـل استحقاقـه وفقًا للقانون - إنما ينهض التزامًا على الجهة التي تقـرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعي، على تعاقبها، إذ يتبين منها أن المعاش الذي تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقًا للنظم المعمول بها، يعتبر التزامًا مترتبًا بنص القانون في ذمة الجهة المدينة، وإذ كان الدستور قد خطا بمادته (17) خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعي حين ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية، الاجتماعية منها والصحية، بما في ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهـم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم في الحدود التي يبينها القانون، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي، التي يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم روافدها، وللحقوق التي يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التي يعيش في محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها، وتلك هي الأسس الجوهرية التي لا يقوم المجتمع بدونها، والتي تعتبر المادة (8) من الدستور مدخــلا إليها.    وأضافت المحكمة، أن تنظيم المهن الحرة، ومنها الهندسة، وهى مرافق عامة، مما يدخل في صميم اختصاص الدولة، بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة، فإذا رأت الدولة أن تتخلى عن هذا الأمر، لأعضاء المهنة أنفسهم، لأنهم أقدر عليه، مع تخويلهم نصيبًا من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم، مع الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقًا للصالح العام، فإن مؤدى ذلك أن تقوم الهيئات التمثيلية لهذه المهن بما تلتزم به الدولة تجاه أصحابها.   وتابعت المحكمة، إنه لما كان ذلك ، وكان المشرع قد أنشأ صندوقًا للمعاشات والإعانات، يقوم بترتيب معاشات، وإعانات وقتية ودورية، لأعضاء نقابة المهندسين، ولورثتهم، تحقيقًا للتكافل بين سائر أعضاء النقابة، لمواجهة الأخطار الاجتماعية، التي قد يتعرض لها أي منهم، محددًا إياهــــــا بالتقاعــــــد، أو الوفاة، أو العجز الصحي، وذلك لضمان دخل بديل للمهندس، أو ورثته، بحسب الأحوال، إذا ما تحقق أي من هذه الأخطار، فلا يترك، أو يتركـــون فريسة في مواجهتها. فلهذا التأمين، بهذه المثابة، وظيفة اجتماعية، تتمثل في درء الخطر عن المهندسين أو ورثتهم، ويقوم على اعتبار اجتماعي، مبناه التضامن بين المهندسين الذين تجمعهم ظروف متشابهة، ويتعرضون للأخطار ذاتها. والاشتراك فيه يشمل جميع المهندسين، ويتم تغطيته عن طريق ثلثي الاشتراكات التي يؤديها المستفيدون منه سنويًا، على النحو المتبع في الغالبية العظمى من نظم التأمين، وعن طريق موارد أخرى، نصت عليها المادة (76) من قانون نقابة المهندسين المشار إليه، من أهمها رسوم قيد الأعضاء، والدمغة الهندسية، ورسوم تقدير الأتعاب، وبعض الرسوم التي تحصل عند توافر موجباتها. وهى موارد ارتأى المشرع توجيهها لتحقيق الوظيفة الاجتماعية سالفة البيان، بإدراجها كموارد رئيسية للصندوق القائم على تحقيقها ، محددًا حالات الخطر التي يضطلع الصندوق، تحقيقًا لوظيفته الاجتماعية، بدرئها. وإذ أجاز النص المطعون عليه لمجلس نقابة المهندسين بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس حرمان العضو من كل أو بعض ما تقـرر له مــــــن معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا، أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف، فإنه يكون قد أهدر حق المهندس، في التأمين الاجتماعي، الذي أنشئ صندوق معاشات وإعانات النقابة لتحقيقه، ضمانًا لحيـــــــــاة كريمة للمهندس المحـــــــــال إلى المعاش وأسرتـــــــه، مما يتمخض معه هذا النص حرمانًا من التأمين الاجتماعي وإهدارًا لمبدأ التضامن الاجتماعي، ومن ثم عدوانًا على حقوق هذه الفئة من المواطنين، أعضاء نقابة المهندسين، يجاوز سلطة المشرع العادي في تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، والتي أخضعها الدستور بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (92) منه، لقيد عام، بموجبه لا يجوز للتنظيم الذي يقرره أن ينال من أصل هذه الحقوق والحريات وجوهرها، سواء كان مصدرها الدستور ذاته أو القانون، الأمر الذي يقع معه النص المطعون فيه مصادمًا بذلك لنصوص المواد (8، 92/2، 128) من الدستور. وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن ما تضمنه النص المطعون فيه من جواز حرمان العضو من كل أو بعض ما تقرر له من معاش، إذا حكم عليه تأديبيًّا أو قضائيًّا، لأمور ماسة بالشرف، يضحى مخالفًا لنصوص المواد (8، 33، 35، 92/2، 128) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.