جميل چورچ
جميل چورچ


رؤية شخصية

زيارة لقصر العينى

د.جميل جورجي

الأحد، 25 أغسطس 2019 - 09:35 م

منذ سنوات لم أزر مستشفى قصر العينى التعليمى القديم ذلك الصرح الذى يرجع تاريخه إلى عهد محمد على عام ١٧٢٨.. إنه القصر الذى تبرع به أحمد العينى ليتحول إلى أول مدرسة طبية فى مصر والآن أصبح نموذجاً للتعليم والتدريب الراقى الذى تعترف به مختلف الجامعات فى الدول المتقدمة خاصة فى أوروبا وأمريكا.. ودفعنى الفضول منذ أيام للقيام بزيارة لذلك المستشفى الذى اصبح ملاذاً لابناء الصعيد من القرى الأكثر فقراً الذين يدبرون قيمة تذكرة السفر للقاهرة بصعوبة بالغة لانهم لن يتحملوا اكثر من خمسة جنيهات ليحجزوا مكاناً أمام اكبر الاساتذة لتشخيص أمراضهم، وهرباً من أباطرة الطب الخاص.
ذهبت الى المستشفى العريق لأجد كما هائلاً من البشر يتدفقون على الباب، ومع كل مريض مرافق أو اكثر جاء معه للاطمئنان عليه.. المسافة بين المدخل والعنابر طويلة جداً واللافتات الارشادية قليلة لذلك تجد المرضى وذويهم اشبه بالتائهين يسألون كل من يقابلهم على التخصص الذى يرغبون العرض عليه.. وفجأة تتعلق آمالهم بمن يرتدى بالطو أبيض لأنه أكثر معرفة بكل أقسام المستشفى.
إن المشهد يكاد يدفعك للبكاء بسبب حيرة هؤلاء الوافدين خاصة من يجهلون القراءة، ومعهم المرأة الحامل، والمريض الذى يتعثر فى المشى الى ان يلحق به احد العاملين بالمستشفى بكرسى متحرك.. وسألت بعض الموظفين الذين تواجدوا بالقرب منى.. لماذا لاتخصص ادارة المستشفى مكتباً أو اكثر فى مدخل المستشفى لاستقبال هؤلاء الوافدين للتعرف على حالتهم وتوجيههم إلى العيادة المختصة حسب حالتهم.
نعم ان المستشفى يقدم خدماته مجانا ولايتحمل المريض مليماً اكثر من الخمسة جنيهات التى يدفعها فى تذكرة الدخول وأمام القصور الشديد فى الموارد وعجز الموازنة ظهرت معاناة العيادات من القصور فى الأجهزة التشخيصية مثل جهاز الـ M.I.R الذى يوجد منه جهازان، وإذا تعطل احدهما تراكم  المرضى بالمئات انتظارا لتشخيص أمراضهم ليبدأوا رحلة العلاج.. ورصدت امام حجرة احد النواب جلوس نحو ٣٠٠ مريض.. وقال أحد المواطنين انا ذاهب للصيدلية لشراء خيوط لزوم جراحة لوالده.
وسألت أحد الاطباء الذى استوقفته مصادفة دون ان يعرف مهنتى كيف يواجهون هذا الطوفان فى ظل قصور الامكانيات؟.. قال نحن مستعدون للعمل طوال النهار والليل لنرد الجميل لبلدنا ولهؤلاء المواطنين، واستطرد قائلاً هل تصدق ان الدكتور النائب مرتبه ٢٢٠٠ جنيه دون ان يصل لادنى مرتب فى الدولة وطبيب الامتياز يحصل على ٦٥٠ جنيها فى الشهر!.. ماذا يفعل بها وهو الذى يمضى طوال الوقت فى المستشفى.. وايضا بدل عدوى الدكتور ١٩ جنيها فى الشهر!!
ان هذه الارقام الهزيلة وسط الغلاء وشباب يدفعهم الطموح لاستكمال دراساتهم العليا لأن الطب كل يوم فيه الجديد.. ومتى وكيف يكون أسرة؟.. ولاتنس أن المستشفى الكبير يعانى من القصور فى عدد الممرضين والممرضات ويقوم اطباء الامتياز بأعمالهم فى بعض الأحيان!
ان هذا الصرح الهائل ملاذ الملايين يحتاج الى زيارة عاجلة من الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان لتستمع إلى أنين المرضى فى هذا المستشفى للعمل على تدبير الاعتمادات المالية التى نص عليها الدستور واستثمار الدعم ومساندة الرئيس عبدالفتاح السيسى صاحب المبادرات الصحية التى شهد بها العالم.. وفى الوقت نفسه اناشد رجال الاعمال واصحاب القلوب الرحيمة التبرع لهذا المستشفى الذى لم يفكر يوما فى نشر الاعلانات التى تؤكد حاجته الى الدعم، وعليهم زيارة هذا المستشفى للوقوف على حقيقة احواله واحتياجاته، وعلى الادارة تسجيل اسماؤهم ومساهماتهم فى كل تخصص وعلى باب كل قسم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة