صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


حكايات من دفتر «الأحياء الأموات»

نزيف الأسفلت.. «موت وخراب ديار» !

محمد قنديل- ياسمين سامي

الإثنين، 26 أغسطس 2019 - 03:23 ص

 

على طريق كوم اوشيم بمحافظة الفيوم تحديدًا عام 2014 انقلبت سيارة «ميكروباص» تحمل 15 راكبا ماتوا جميعًا إثر الحادث ولم ينجُ منهم سوى السائق الذي أدرك عدم قدرته على التحكم في القيادة فقرر الإفلات بحياته ليدفع الركاب ثمن أغلى «أُجرة» على الإطلاق، فيعيش ذووهم يتجرعون مرارة الحرمان من أحبابهم، حتى ماتت أرواحهم ودفنت مع من دفنوا تحت الثرى.

 

رغم أنهم على قيد الحياة بسبب التهور وعدم فحص السيارات قبل القيادة والتأكد من وجود عوامل الأمان والحماية فأصبحوا كالأحياء الأموات.

 

يعيشون على ذكرى أحبابهم، ويتحسرون على فقدانهم لأعز الناس لديهم بسبب «طيش وتهور سائق» آو بسبب أخطاء قاتلة على الطرق السريعة..

 

«بوابة أخبار اليوم» استمعت لأهالي ضحايا حوادث الطرق والمصابين الذين انقلبت حياتهم بعد فقدانهم لقرة أعينهم وكيف أثر الفقدان على شكل حياتهم الأسرية، وتدق ناقوس الخطر لكل من لا يلتزم بتعليمات الحماية والأمان في القيادة واحترام القوانين، وسط مناشدات برفع قيمة التعويضات لضحايا الطرق.

خلف كل حادث يوجد أسر قتلها آلام الفراق، ومصابون فقدوا إطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة منعتهم من مواصلة الحياة بشكل طبيعي، تواصلنا مع عدد من عائلات الضحايا ومصابين تأثرت حياتهم جراء حوادث الطرق.

حلم ضائع

كانت السيدة آمال صالح تحلم بأن يصبح ابنها الأصغر وكيلًا بالنيابة، تحلم أيضًا بأن تزوج فتياتها الثلاث، إلا أن القدر تدخل ليحول بينها وبين أحلامها التى لم تكتمل، حيث استقلت السيارة التى انقلبت بكوم أوشيم بصحبة ابنها محمد رمضان ابراهيم الذى كان يعانى من ألمًا بأوتار القدم لتذهب به إلى الطبيب الذى أخبرها بدوره أنه لن يحتاج إلى عملية جراحية وسط فرحة عارمة من الأسرة التى سارعت آمال بإخبارهم عن طريق الهاتف، لتفاجأ بفتح باب الميكروباص وقفز السائق لتفارق الحياة هى وابنها بعد ساعتين من حادث الانقلاب.

رنا رمضان ابنة السيدة آمال صالح، فتاة عشرينية مر على حادث فقدان والدتها وأخيها أكثر من 15 عامًا لا تنسى أبدًا تلك الذكرى الأليمة التى تسببت فى فقدان ما لا يعوض، فهى ما زالت تذكر يوم أن اخبرها والدها بوفاة والدتها وبعدها شقيقها الأصغر الذى كانت هى بئر اسراره.

«أنا مش مسامحة السواق اللى عمل كده.. معدوم الضمير اللى متممش على العربية قبل ما يطلع ونط وساب الناس ماتت وهو مسئول عن ارواحهم» بصوت يعتريه الشجن أكدت رنا أن السائق حاول استرضاء أهالى الضحايا بالمال حتى يحصل على البراءة والبعض تمسك بعدم التنازل والبعض الآخر قبل التعويض الا انها لن تسامح ابدًا فيمن تسبب فى قتل أخيها وأمها، على الرغم من ايمانها بالقضاء والقدر، إلا أنها لا تتقبل الاستهتار بأرواح الناس.

عروس الجنة

وفى حالة ثانية استقلت أسرة آية محسن، الفتاة العشرينية، سيارة أجرة تنقلهم من مركز سنورس محافظة الفيوم حيث مسقط رأسهم إلى دمياط لشراء أثاث عش الزوجية لابنتهم بصحبة خطيبها وبعض افراد أسرته بطريق الإسماعيلية - القاهرة الصحراوي، إلا أن العرس تحول إلى مأتم بعد تعرضهم لحادث مأساوى وبدلا من أن ترتدى آية الفستان الأبيض ارتدت الكفن بدلًا منه لتشيع وسط أهاليها، بعدما سرق الطريق فرحتها، وتفحم جثمانها وجثمان عريسها، بالإضافة إلى 7 آخرين، كانوا جميعًا فى سيارة بيجو، وذلك بعد أن اصطدمت سيارة ميكروباص بأخرى، كانت تعمل بالغاز الطبيعي، مما تسبب فى الانفجار سريعًا.

تقول احدى صديقات آية - رفضت ذكر اسمها - أن الحادث سبق عرسها بشهر واحد، وعلى الرغم من مرور عام على الحادث الا أنها يوميًا تتذكر تفاصيل اليوم الذى تم ابلاغها فيه بالخبر وانها لم تصدق وهرعت إلى منزل آية تبحث عنها فى كل ركن من أركان المنزل، تبكى وتحاول ان تستيقظ من هذا الكابوس الذى لم تستوعبه.

«انا كل يوم بفكر انى فى كابوس وهصحى منه وهلاقى آية معايا عروسة واتجوزت وبشيل ولادها اللى هيقولولى يا خالتو زى ما حلمنا سوا.. انا مش بصدق انها خلاص مش موجودة معانا» .

كفاح أم

قصة ثالثة رصدتها «بوابة أخبار اليوم» كانت بفقد وليد شاهين والده فى حادث مأساوى فى سيارته التى انقلبت بعدما لم يستطع التحكم فى قيادتها أثناء عودته من عمله إلى منزله بالقاهرة، فقد كان عمره بضعة أشهر فقط وهو الأصغر بين إخوته، حينما اصيب والده بنزيف حاد فى المخ نقل إثره إلى غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات الحكومية والتى توفى بعدها بثلاثة أيام فقط.

مر على الحادث أكثر من 28 عامًا، تولت والدة وليد تربية أبنائها الخمس فقد كان له معاش خاص تنفق منه على احتياجات منزلها وحاجات أبنائها، ورغم تزايد الأعباء إلا أنها ظلت تكافح حتى تخرج أحدهم فى كلية الهندسة والآخر فى كلية الطب حتى إن الأصغر يعمل اداريًا بإحدى الوزارات الحكومية وأصبحوا جميعًا رجالا تفتخر بهم ويشهد لهم بالأخلاق والكفاءة.

«أمى كانت اب وام فى نفس الوقت ومتخلتش عنا لحظة ولحد النهاردة منقدرش نستغنى عنها ومنتخيلش حياتنا من غيرها.. دى اللى تعبت فينا لحد ما علمتنا وجوزتنا ووقفتنا على رجلينا» هكذا أكد وليد شاهين بنبرة الفخر والاعتزاز بوالدته التى ضحت بعمرها لأجلهم، على الرغم من افتقاده لوالده ونفسه التى تطوق لمعانقة الأب الراحل الذى لم يره «مفيش حاجة تعوض وجود الأب وحنانه وسنده وضهره لينا فى الحياة واحيانا بتخيل انه موجود معانا وبشوف حياتنا كانت هيبقى شكلها ايه.. لكن الحمد لله».

إصابة شديدة

وفى واقعة اخرى بدأت بيوم هادئ يتسم بأجواء فصل الشتاء، وأثناء استقلال سيارة فى طريقه إلى عمله، كان محمود عبد الله، 45 عاماً، يجلس ليفكر فى تفاصيل حياته اليومية ويخطط لما سيفعله فى باقى اليوم من عمل وزيارة لوالدته المسنة، قاطع تفكيره صوت احتكاك إطارات السيارات بالأسفلت اعقبه اصطدام عنيف ليفقد وعيه فى لحظات معدودة.. استيقظ محمود ليجد نفسه مستلقيا على الأسفلت والأصوات تتعالى ما بين الصراخ أو طلب الاستغاثات، الجميع يهرول بالمكان ودماء المصابين فى كل مكان والبعض يقوم بإضفاء النيران بين حطام السيارات، شعر بالدوار الشديد وعدم القدرة على الحركة حينها أدرك ان نهايته قد حلت وان الموت يطرق بابه، لم يفكر سوى فى أولاده ومستقبلهم ولحظات فقط حتى فقد الوعى مجددا ولا يتذكر من بعد هذه الفترة إلا وهو ممد على سرير المستشفى والآلام تحيط به.

يسترجع محمود الذكريات الأليمة لهذا اليوم فيقول إن القدر انقذه من الموت، فقد خلف الحادث قتلى وعددا من المصابين بدرجات متفاوتة، اما اصابته فكانت عبارة عن ارتجاج شديد بالمخ، وكسور متفرقة فى الجسد مما استلزم تركيب عدد كبير من الشرائح خاصة فى قدمه التى لم يعد يقدر على السير عليها بشكل طبيعى بعد هذا الحادث.

ويتابع أن الحادث يظل ذكرى سيئة تمثل له كابوسا، ولا يرغب على الاطلاق فى استرجاع هذه الذكريات المؤلمة، فقد كان بينه وبين الموت خطوات قليلة، ومشاهد الحطام والدماء لايمكن نسيانها.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة