أهمها جرائم «نمبر وان».. لماذا انتشرت ظاهرة «البلطجة» في مصر؟
أهمها جرائم «نمبر وان».. لماذا انتشرت ظاهرة «البلطجة» في مصر؟


أهمها جرائم «نمبر وان».. لماذا انتشرت ظاهرة «البلطجة» في مصر؟

أسامة حمدي

الأحد، 27 أكتوبر 2019 - 06:07 م

 

- «أبو شهبة»: المخدرات والبطالة وانشغال الأسرة عن التربية والزيادة السكانية.. أهم الأسباب

- «المرسي»: الأعمال الفنية تسوق للعنف والأسلحة.. وتقديم المجرم كنموذج وبطل «أزمة»

- «عبد الله»: تعزيز العنف بالأسرة والمدرسة والإعلام وتقليد الفنانين وغياب الرادع الاجتماعي

- خبير قانوني: تخفيض سن الطفولة وإنشاء شرطة مخصصة والرقابة على الفن والعدالة الناجزة

- خبير إعلامي: المعالجة السليمة للجريمة وعودة دور المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية

- خبير اجتماعي: التربية السليمة من الأسرة وإنتاج فن راقي واستيعاب الشباب «الحل»
 

كشفت واقعة مقتل الشاب محمود البنا «شهيد الشهامة» في المنوفية على يد 3 متهمين أبرزهم «راجح»، وتبعها جريمة شبرا التي راح ضحيتها الشاب «أحمد سودة» على يد بلطجية بسبب دفاعه عن صديقه؛ عن تفشي جرائم البلطجة في مصر بشكل كبير.

وبحسب تقرير أصدرته وزارة الداخلية، مؤخرًا، لمعدلات الجريمة في مصر خلال 2018، متضمن ترتيب محافظات الجمهورية بحسب معدلات الجريمة، تصدرت القاهرة والجيزة والقليوبية والغربية والدقهلية التقرير كأكثر المحافظات ارتفاعًا لمعدلات ارتكاب الجرائم، وجاءت مدن الرحاب و6 أكتوبر والبساتين والمعادي والشيخ زايد والمرج والسلام على رأس القائمة.

وأرجع التقرير أسباب ارتفاع معدلات الجرائم إلى انتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي، والتأثيرات الناجمة عن الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات وانعكاسها على تقليد المواطنين لها، والظروف الاقتصادية والمتغيرات المحيطة بالدولة، وظهور أنماط جديدة للجريمة، وتكوين تشكيلات عصابية جديدة من الشباب العاطلين، وسهولة تنفيذ البعض لجرائم السرقات بسبب قصور المواطنين في وسائل تأمين ممتلكاتهم، وغياب الوعي الاجتماعي والثقافي، واستغلال البعض للحرب التي تخوضها الدولة على الإرهاب.

كما تطرق التقرير أيضًا إلى ارتفاع معدلات الجريمة خلال الـ3 سنوات الماضية، حيث احتلت مصر المركز الثالث عربيا في عام 2016، والمرتبة الخامسة وفقا لموقع موسوعة قاعدة البيانات «نامبيو»، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال 2017.

كما أكد التقرير الصادر عن قطاع الأمن العام في الحصاد السنوي للجهود الأمنية، ارتفاع مستوى الجرائم بنسبة 5% في 2015، وبنسبة 7% في 2016، و10% مطلع 2017، بالإضافة إلى زيادة ملحوظة في عام 2018، حيث زادت 5٪ عن العام الماضي مع القبض على مرتكبي الجرائم والبحث عن آخرين هاربين.

«بوابة أخبار اليوم» تناقش أسباب ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع خصوصا بين فئات المراهقين والشباب، وكيفية مواجهتها على مختلف الأصعدة سواء قانونيًا وقضائيًا أو تربويًا ونفسيًا واجتماعيًا وفنيًا وإعلاميًا.

المخدرات والبطالة

تقول الدكتورة فادية أبو شهبة، أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن ظاهرة ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار جرائم البلطجة مرتبطة بتعاطي المخدرات والبطالة وعدم التربية الدينية والأخلاقية بداية من الأسرة، ولاسيما أفلام ومسلسلات البلطجة والعنف التي تدخل كل بيت مصري، وتظهر فيها استخدام الأسلحة البيضاء "السنج والمطاوي"، مؤكدة أن كل ذلك يؤثر على الشباب، فمثلا المتهم "راجح" له صور يقلد الفنان محمد رمضان، وذلك يدل على مدى تأثير الإعلام على الشباب.

انشغال الأسرة عن التربية

وتابعت د. «أبو شهبة» حديثها، بأنه لابد من وجود رقابة على الإعلام والسينما، والقضاء على المخدرات، والاهتمام بفئة الشباب لأن الأسر لا تقوم بواجبها الأسري في التنشئة الاجتماعية للأبناء بسبب انشغالها بالعمل وجمع المال لسد احتياجات الأسرة أو بسبب التطور الحاصل في وسائل التواصل المعلوماتي كالإنترنت و"السوشيال ميديا"، وبالتالي لا تقوم الأسرة وحدها بتنشئة الأبناء، وأصبحت مؤسسات التنشئة الاجتماعية للأبناء كثيرة، منوهة بأن أصدقاء السوء يلعبون دورا في انحراف الشباب، موضحة أن المسئولية الأكبر في تربية الأبناء تقع على الأسرة ولابد أن تكون الرقابة الأسرية في المقام الأول، ولكن نتيجة جهل الأسرة بأساليب التنشئة أو سفر الأب للعمل بالخارج أو إيداع أحد أفراد الأسرة السجون فلا توجد أسرة كاملة سوية فينحرف الأبناء.       

ضعف التواجد الشرطي

وأشارت إلى أن التواجد الشرطي في المناطق الشعبية يعد ضعيفا مقارنة بالزيادة السكانية كل عام، ما يسهل سيطرة البلطجية على مناطق كثيرة، وانشغال الجهاز الأمني بالحرب على الإرهاب، مشددة على ضرورة إنشاء شرطة من نفس أبناء تلك المناطق أو الأحياء متفرغين وعلى معرفة بالأهالي مثل "شيخ الحارة" أو "المخبر" أو "اللجان الشعبية"، تقوم بإرساء الانضباط ومساعدة جهاز الشرطة، وتكون عين للشرطة في تلك المناطق ويبلغ بالمخالفات بها.

ولفتت إلى أن الدولة لا يمكنها نشر ضباط وأفراد شرطة في كل شارع وحارة، مؤكدة ضرورة تقنين هذا الأمر والترخيص لهم بشروط ومراقبتهم حتى لا تتحول الشرطة الجديدة للفساد واستغلال النفوذ على الأهالي باسم الشرطة، مثل فيلم "هي فوضى" الذي كان يفرض فيه "حاتم" إتاوات على المواطنين.

بطء إجراءات التقاضي.. وتأخر تنفيذ الأحكام

وأكدت أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن بطء إجراءات التقاضي وضعف تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة يلعب دورًا كبيرًا في زيادة أعمال البلطجة والجريمة، فمثلا السيدات المطلقات تعانين من بطء إجراءات التقاضي فتلجأن لبلطجية لاقتحام شقة الزوجية والحصول على "العفش" أو لجوء ورثة أراضي زراعية للبلطجة عند تقسيم الأرض عوضا عن القضاء، منوهة إلى أهمية السرعة في إجراءات التقاضي.

وأشارت الدكتورة فادية أبو شهبة، إلى أن صاحب الحق بعد سنوات من إجراءات التقاضي والحصول على الحكم يقطع مدة طويلة أيضا في تنفيذ الحكم القضائي الذي حصل عليه، وهذا يعزز من لجوء أفراد المجتمع للبلطجة، وذلك سلبيات في المجتمع لو تم القضاء عليها لن يكون هناك مظاهر بلطجة ويعم السلام الاجتماعي.

أزمة قانون البلطجة

وأوضحت أن قانون البلطجة تم إيقافه لمدة سنة، وبه مشكلات كونه لم يضع تعريفا للبلطجة، ويضع كل الأفعال التي بها عنف تحت مُسمى "بلطجة" فتداخلت جميعها، وأصبح هناك فوضى في التعريفات، وأصبح الفعل الواحد يقع تحت مُسميات كثيرة في قانون العقوبات، فمثلا فعل عنف قد يقع تحت "جنحة ضرب"، ومن وضع قانون البلطجة لم يعرفها تعريفًا جامعًا مانعًا، وبعدما صدر تم إيقافه.

وذكرت أن العنف يقع تحت مسمى "البلطجة" وكذلك استعراض القوة وفرض السطوة وترويع وتخويف الآمنين مع استخدام الأسلحة ، فكلها تعتبر أفعال بلطجة، وقد تتطور إلى القتل العمد مع سبق الإصرار، مطالبة بضرورة إعادة تعريف مفهوم البلطجة.

هل القوانين رادعة؟

وأكدت أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أنها لا توافق على تطبيق قانون العقوبات على جرائم البلطجة، منوهة أن قانون العقوبات رادع بما يكفي والعقوبات تصل فيه للإعدام، فالبلطجة شيء والإرهاب شيء مختلف ولا علاقة بينهما.    

تخفيض سن الطفولة لـ16

ودعت «أبو شهبة»، إلى تخفيض سن الطفولة في القانون من 18 سنة إلى 16 سنة لأن الشاب في هذا السن مدرك لكل شيء، ولا يكون طفلا، وكونه يرتكب أعمال بلطجة وقتل لا يمكن أن يكون طفلا، فلابد من اعتبار الأطفال من هم دون الـ16 سنة.

 أزمات الفن والسينما

أما الدكتور محمد المرسي، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فيقول إنه بالنظر لحالة المجتمع والنسق القيمي نجده تغير كثيرًا عن فترات عشنا فيها غلبت عليها قيم الشهامة والرجولة ومساعدة الغير والأخلاقيات كانت أعلى بكثير من الوقت الحالي، وذلك نتيجة عوامل كثيرة من ضمنها الأعمال الفنية والسينمائية.

وتابع «المرسي»، حديثه قائلا: «إذا كان لدينا فن راقٍ يقدم رسالة ومضمون وأعمال تتحدث عن القيم الجميلة، والناس تتمنى وجود أعمال فنية تتحدث عن قيم جميلة وراقية، لكن الواقع أن الأعمال الفنية الحالية تدعو إلى العنف والقتل والدم وتسويق للأسلحة البيضاء كالخناجر والسواطير، وعدم احترام الغير والعصبية وتجارة المخدرات والأعمال غير المشروعة، التي تتنافى مع نسق القيم الموجودة في المجتمع».

وأضاف أن من يتأثر بهذه الأعمال بشكل كبير هم الأطفال والشباب، ولذلك نجد غالبية الجرائم التي تتم بشكل بشع من الشباب وصغار السن، مثل واقعة راجح ومحمود البنا، لافتا إلى أن الناس تتشوق لأعمال فنية راقية تجسد الشهامة في المجتمع والدليل هو التعاطف الكبير من الجمهور مع محمود البنا كونه يدافع عن الشهامة وشرف الفتاة.

وأوضح الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الأعمال الفنية تؤدي إلى وعي زائف واستخدام العنف بدلا من القانون عند المطالبة بالحقوق، فضلا عن الهبوط بالذوق العام في الأغاني السوقية والمهرجانات، وبالتالي الفن لم يعد يؤثر في وجدان ورقي المجتمع، ولابد أن ننتبه إلى هذه الأمور جيدا.

ولفت إلى أن الأعمال الفنية ترتقي بالوعي العام والنسق القيمي والاجتماعي والأخلاقيات وكيفية التعامل مع الغير وفي العمل والأسرة، وما يقدم من أعمال لا يؤدي إلى هذا الوعي العام.

برامج الجريمة

وأشار الدكتور محمد المرسي، إلى أن برامج الجريمة إذا ما تم معالجتها بشكل جيد وإيضاح أن المجرم ينال عقابه، من الممكن أن تكافح الجريمة وتحذر منها، والأمر يحتاج إلى احترافية في معالجة وتناول الجرائم، وذلك مثل الدراما وتناولها للجريمة، فلا يجب أن تحبب الناس في الجريمة وتقدمه كبطل وقدوة ونموذج وهذا أمر خطير للغاية.

مؤسسات الدولة والتوعية

وشدد على ضرورة أن يقوم الإعلام بالتوعية وبناء وعي الإنسان بالتصرف السليم وبناء الثقافة، منوها على الدور الهام للتنوير والتثقيف والتوعية، وهو ما يبني عقل ووجدان المواطن بالشكل الجيد، وهذا ينعكس على سلوكياته في الشارع المصري، مؤكدا أن غياب الدور الفاعل لوزارة الثقافة والمؤسسات الدينية ومراكز الشباب والمؤسسة التعليمية، يؤدي إلى الفوضى والانفلات الذي نعيشه في الشارع، مشددًا على ضرورة تضافر جهود هذه المؤسسات لبناء الإنسان.

التربية الخاطئة

من جانبها، أوضحت الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري علم النفس والعلاج الأسري، أن الأسرة هي من تزرع بذرة العنف لدى الطفل، والمدرسة تعزز وتغذي هذا العنف سواء من المدرس الذي يهين الطالب أو الطلاب ذوي البيئات المختلفة التي تمارس العنف، والطرف الثالث في تعزيز العنف هو الإعلام.

وتابعت «عبد الله» حديثها قائلة: «لدينا نظرية شهيرة في علم النفس هي التعلم الاجتماعي والتي تقول إن الإنسان يتعلم العنف كما يتعلم أي سلوك في حياته»، مضيفة أن ما زاد من معدلات الجريمة هو الإنترنت الذي لا يخضع للرقابة كما كانت السينما من قبل يتم حذف مشاهد منها، فمثلا الجرائم حاليا يتم تصويرها «live» وهذا يدل على أن ثقافة الناس تغيرت فبدلا من استخدام الهاتف المحمول في الاتصال بالإسعاف أو النجدة يستخدمها الناس لتصوير الجريمة، موضحة أن هذا يعتبر تلذذًا واستمتاعًا بمشاهدة العنف خصوصا في فئة المراهقين نظرا للتغيرات الهرمونية لديهم وإحساسهم بالطاقة الزائدة.

تقليد الفنانين

وأشارت استشاري علم النفس والعلاج الأسري، إلى أن السبب هم أصدقاء السوء ومشاهد الفن والسينما والرغبة في تقليد فنانين واتخاذهم قدوة لهم، منوهة بأن التدليل الزائد والحرمان الزائد قد يؤدي أيضا للعنف، مضيفة أن انتشار المشاهد الفنية السلبية تشبع الشباب بالعنف، ولابد أن تتضمن مشاهد عقاب للمجرم للحد من انتشار الجرائم وخلق الرادع والانضباط الاجتماعي.

تركيز الأسرة على التربية

وذكرت الدكتورة إيمان عبد الله، أن مشاهدة "التلوث الفني" والابتعاد عن الفن الراقي يزيد من العنف في المجتمع، مشددة على ضرورة التركيز على الأفلام والمشاهد الهادفة، وانتباه الأسرة لأبنائها وتربية أولادها جيدا.   

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة