محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

الفجـوة بيـن الأجيـال

محمد بركات

الثلاثاء، 07 يناير 2020 - 06:50 م

 

الضرورة والواجب يحتمان علينا، العمل بإصرار وحب لتضييق الفجوة مع جيل الأبناء، بالسعى الجاد لتفهم واقعهم والتواصل مع أفكارهم ومقومات ثقافتهم.

أعتقد أننا لا نتعدى الواقع أو الحقيقة فى قليل أو كثير إذا ما قلنا، إن لكل زمان قواعده ومفاهيمه، التى يتعامل بها ويتوافق عليها أهله وأصحابه، وفقا لما يرونه مناسبا لهم ومتماشيا مع طبيعة عصرهم ومتطلبات حياتهم، ومحققا لغاياتهم وميسرا لاحتياجاتهم المادية والمعنوية.
وفى هذا الاطار أصبح من المألوف لدى بعض الأبناء من الشـباب، إن لم يكن الغالبية العظمى منهم، النظر إلى كثير من المفاهيم والقواعد الحاكمة لسـلوكيات وتعاملات الآباء، على أنها قاصرة عن التعبيـر عنهم وغير صالحة للأخذ بها من جانبهـم، باعتبارهـا قواعد جامدة ينقصهـا المرونة، وأنها مفاهيـم فـات أوانها وانقضى زمانها، وأصبحت «دقة قديمة» ومن «كلاسـيكيات» الماضى التى يتوجـب حفظهـا فى المتاحـف، وسـحبها من الحياة المعاصـرة التى لا تتوافـق معها ولا تصلح لها.
صحيح جزئيا
وفى تقديرى أن ذلك ليس صحيحا بكليته ومجموعه، وليس مؤكدا فى مضمونه وعلى شموله،..، ولكنه فى ذات الوقت ليس خاطئا فى كليته وشموله أيضا،..، بل هو فى يقينى صحيح جزئيا وكذلك خاطىء جزئيا أيضا، أى انه يحمل فى طياته قدرا من الصحة والصواب، وقدرا آخر من عدم الصواب والخطأ.
والمدقق فى هذا الشأن بالفحص والتمحيص، يضع يده على الحقائق التى تؤكد، ان هناك قدرا كبيرا من المستجدات جرت وتجرى على أرض الواقع، الذى نعيش  فيه، وقد امتد تأثير هذه المستجدات وتغلغل فى الواقع الاجتماعى على المستويين المادى والمعنوي، بما أحدث فيه بالفعل متغيرات وتحولات لا يمكن أغفالها أو إهمالها.
وفى هذا الخصوص لا اتصور ولا اعتقد، أن أحدا يمكن أن يتغافل أو يتجاهل أو ينكر، القدر الهائل من المتغيرات التى أصابت المجتمع كله، فى جميع فئاته ومستوياته العمرية على وجه العموم، والأطفال والصبية والشباب على وجه الخصوص، نتيجة الطفرة الهائلة التى طرأت على وسائل الاتصال الحديثة، والتى جعلت من العالم كله مجالا متاحا ومفتوحا أمام كل انسان، كبيرا أو صغيرا، بضغطة واحدة من اصبعه على «زر» أو رقم فى جهاز صغير بحجم كف اليد، فى متناول كل من يريد ومتاح للكل، بحيث يمكنه ان يتواصل مع من يشاء فى أى مكان بالعالم أو يتابع أو يشاهد رؤية العين ما يجرى فى أى مكان من العالم فى لحظة حدوثه.
ثورة الاتصالات
هذه الثورة التكنولوجية الهائلة فى وسائل الاتصال، وذلك التطور الكبير فى الاخبار، وانتقال الأحداث والوقائع فورا وفى لحظة وقوعها فى أى مكان، إلى من يريد فى أى مكان آخر فى دنيانا الواسعة،..، وسواء كان هذا الشخص فى الشارع أو البيت أو حجرة نومه، فى قرية أو مدينة مصرية، يمكنه ان يشاهد ويتابع ما يحدث فى امريكا أو روسيا أو اوروبا. أو أى مكان آخر، فى ذات الوقت وذات اللحظة التى يشاهد ويتابع غيره من سكان العالم نفس الأحداث ونفس الوقائع.
وفى ظل هذا المتغير الجسيم الذى حدث فى كل العالم وعندنا ايضا كان لابد ان ينتج عنه اثر بالغ فى كل البشر بصفة عامة، وفى الابناء الصغار وجيل الشباب على وجه الخصوص، وكان الأثر أقوى على أبناء المجتمعات والشعوب والدول، التى لم تكن على نفس القدر من الالمام بجسامة حجم التقدم العلمي، وما جرى فيه من تطور وتحديث، جعل العالم بالفعل بكل دوله وشعوبه، يعيش فى قرية واحدة بدون فواصل أو حواجز.
وقد كان... وحدث بالفعل... ووقعت نتيجة لذلك آثار ومتغيرات اجتماعية وثقافية كثيرة وبالغة فى المجتمع بصفة عامة... والأسرة والأفراد على وجه الخصوص.
وسواء شئنا أو لم نشأ لابد ان نعترف بأن الأجيال الشابة والأبناء الصغار، الذين كانوا اطفالا وصبية لحظة وقوع وحدوث هذه الثورة التكنولوجية فى وسائل الاتصال، كانوا هم الاكثر استيعابا وتفهما وتأقلما معها، والاكثر قدرة على التعامل بها والأكثر تأثرا ايضا بها، بينما كان جيل الأباء هو الأقل تفهما واستيعابا والأقل حماسا وقدرة على التعامل معها، وقد نتج عن ذلك نوع من الانفصال النسبي، ومساحة من الإختلاف النوعى فى طريقة التفكير وزاوية النظر، بين جيل الآباء وجيل الابناء.
واقع مختلف
وقد أدى ذلك إلى وجود واقع مختلف نسبيا فى ثقافته وأفكاره للشباب والصبية وصغار السن، عن الواقع الذى كان سائدا لجيل الآباء والذى مازال بصورة ما معمولا به وقائما فى كثير من الاسر،..، وهو ما خلف نوعاً من عدم التواصل المرن بين جيل الآباء وجيل الابناء الذى أصبح أكثر انفتاحا على الثقافات الأخرى، وذلك فى تصورى راجع إلى فارق السرعة بين الجيلين فى التأقلم مع المتغيرات الناشئة نتيجة الثورة التكنولوجية وتطور وسائل الاتصال، فى ذات الوقت الذى تزايدت فيه الاعباء على الآباء والأسرة بوجه عام، وانهماكهم فى تدبير احتياجات المعيشة، وضيق الوقت المتاح أمامهم للتواجد الفعال داخل الأسرة، وما نتج عنه من قلة الزمن المتاح للتواصل، ومتابعة التطور الذى طرأ على أحوال وأفكار الابناء من الشباب والصبية.
وفى ظل ذلك وبالرغم منه.. احسب ان الضرورة القومية والواجب الأبوى والمصلحة الخاصة والعامة ايضا، تحتم على جيل الأباء، الإدراك الواعى بضرورة العمل بكل الحب والجدية والإصرار، على تضييق الفجوة مع الشباب بل والسعى لإزالتها، وذلك عن طريق محاولة التفهم لواقعهم وافكارهم ومقومات ثقافتهم، وبناء ودعم التفاهمات المشتركة ونقاط الالتقاء مع جيل الابناء، بكافة السبل المتاحة والممكنة.
وفى تصورى ان ذلك لن يكون سهلا ولا ميسورا بمجرد الإرادة والرغبة، ولكنه ايضا ليس مستحيلا، بل ممكن التحقق شريطة ان ندرك ونقتنع بالحقيقة القائمة على أرض الواقع، والتى تقول ان اولادنا الصغار والابناء الشباب هم ابناء جيلهم، والتعبير الطبيعى عن افكاره ومعاييره وثقافته،..، كما كنا نحن ايضا وفى نفس الفترة السنية، ابناء جيلنا،..، وعلينا ان ندرك فى ذات الوقت ان اولادنا ليسوا ملكا لنا نصنع منهم وبهم ما نشاء، ونحركهم كيفما نريد،.. ويجب ان نستوعب حقيقة ان الابناء لو أصبحوا نسخا مطابقة لنا، فى الفكر والثقافة والسلوك وطريقة التفكير واسلوب الأداء.. لما كان هناك تقدم أو تطور فى هذا العالم.
سنة جديدة
مع كل النهايات للأحداث أو الأزمنة على اختلاف وتعدد وقعها بطول الحياة، وسريانها السرمدى على الأرض وفى عموم الكون، تكون هناك دائما بدايات جديدة،..، تلك هى الحكمة الخالدة والباقية على مر السنين والأيام منذ فجر التاريخ ونشأة الحياة على الأرض.
ودائما ابدا تشرق البدايات بما هو قادم، فى نفس لحظة الأفول والغروب لما كان قائما، وما كان حاضرا بالوجود والفعل والتأثير،..، تلك هى سنة التواصل والتمازج، فى ظل التعاقب الأبدى بين الماضى والحاضر والمستقبل،..، بين ما كان وما أصبح وما سيكون.
وهكذا ودعنا فجر الأربعاء الماضى دون حماسة ودون اسف كبير أو ضئيل، ذلك العام الذى كان مرصودا فى سجل الزمن تحت رقم «٢٠١٩» بكل احداثه ووقائعه، وبكل ما كان فيه من أفراح للبعض واتراح للبعض الآخر.
وفى لحظة وداعنا للعام الذى مضى وانقضى، كنا ومازلنا نتطلع للعام الجديد بعيون يراودها أمل كبير، فى أن يكون عامنا هذا اكثر تعاطفا وحنواً على مصر وشعبها من كل الأعوام السابقة،..، ونحن فى أملنا هذا نتطلع إلى ان يكون عاما لتحقيق الطموحات المشروعة للشعب المصرى فى الحياة الكريمة فى ظل دولة عصرية حديثة قوية، وقادرة على البناء والتقدم، تتمتع بالديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية.
ونحن فى تطلعنا لما ستأتى به المقادير فى عامنا الجديد هذا، نسأل الله العلى القدير ان يشمل وطننا برعايته، وأن يكون عام «٢٠٢٠» عاما للبناء والتقدم والرخاء والسلام والاستقرار والأمن، وان يكتب الله لمصر وشعبها فيه القضاء على فلول الارهاب والانتصار على قوى الشر وما تبيته لمصر وشعبها من مؤامرات.
المنجمون!
أصبح لافتا للانتباه ذلك الكم الهائل من التوقعات والتنبؤات التى خرجت بها علينا مجموعة كبيرة من المنجمين والمتنبئين مع نهاية العام الماضى ومطلع العام الجديد، يزفون الينا رؤاهم وتوقعاتهم لما هو منتظر من أحداث ووقائع تحملها الينا حقيبة وأيام واسابيع العام الجديد.
ورغم ما تحمله هذه التوقعات فى مجملها وما تشتمل عليه تلك التنبؤات فى طياتها، من بشائر خير فى بعضها أو نذير سوء فى بعضها الاخر، بالنسبة للأفراد أو الجماعات أو حتى الدول والشعوب،..، وهو ما يجعلنا نتوقع عزوف الناس عنها وانصرافهم عن متابعتها أو الاهتمام بها،..، إلا اننا نجد ان لها انتشارا واضحا وانصاتا متزايدا بين كل الفضائيات وغالبية البرامج.
وفى تصورى ان ذلك الإقبال وهذا الانتشار لا يعود فى جوهره إلى تصديق عموم الناس لهذه التوقعات وتلك التنبؤات، ولكنه يرجع فى جزء كبير منه إلى طبيعة البشر، وما جبل عليه الناس من فضول لمعرفة ما هو مخفى من الأمور وما يمتلكونه من رغبة عارمة للكشف عن المستور.
ورغم احترامى لما يقول به هؤلاء المتنبئون من انهم لا يهرفون بما لا يعلمون، وما يؤكدونه من ان هذه التنبؤات هى نتاج دراسة طويلة، ومعرفة واسعة لعلوم الفلك والأبراج وحركة الشمس ومواقع النجوم والكواكب، وعلاقة كل ذلك بما يجرى على الأرض وما يقع للناس وما تجرى به المقادير، إلا اننى ممن يؤمنون بأن ما يقع لنا هو نتاج عملنا، وان الأفراد والجماعات والشعوب هم الذين يصنعون واقعهم ويبنون مستقبلهم بعقولهم وجهدهم وأيديهم.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة