مش مهم الحدوتة

أمنية طلعت

الأربعاء، 29 يناير 2020 - 07:24 م

أمنية طلعت

يوميًا ومنذ أن وعيت على الحياة، أسمع بكائيات المثقفين على انهيار الكتاب وغيابه عن البيوت وابتعاد الأجيال الجديدة عن القراءة والمعرفة. يسمون عناوين الكتب التى يجب أن نقرأها وأننا بدونها لن نكون سوى جهلاء سطحيين رعاع! كنت أستمع إلى كل هذه المحاورات، وأشعر بالخوف فأبحث عن الكتب التى يسمونها وعندما أشرع فى قراءتها، يصيبنى الصداع ويتثاقل جفناى حتى النوم. ما هذه الكتب المملة؟ عشت فترة طويلة، أصارع فكرة الثقافة وفقًا لقائمة الكتب التى يفرضونها علينا، حتى تحررت ووجدت نفسى أذهب نحو العناوين التى تشتهيها روحى فعلاً، فانتعش عقلى وتحولت الكتب التى قرأتها إلى فعل فى حياتى، وبدأت شخصيتى فى التطور والإنتاج الحيوى المفيد لى ولمن حولى، وتأكدت أن الثقافة ليست بالإكراه! تذكرت هذا وأنا بين الأطفال فى الجزء الخاص بهم فى معرض الكتاب، فلقد ذهبت لأحكى لهم روايتى الأولى للأطفال «القط مسروع مرشد سياحى». كانوا يرسمون ويلونون فى الأوراق عندما بدأت فقرتى فى البرنامج المخصص لهم، ووجدت المشرفين على البرنامج يجمعون الأوراق والألوان منهم، كى يستمعوا إلى الحدوتة. صرخ طفل صغير وقال «أنا عايز أرسم مش عايز حدوتة»، بينما نظرت طفلة جواره إليّ فى حزن شديد، فطلبت من المشرفة أن تترك لهم أوراقهم وألوانهم، وتدع الأمر برمته لى، فإن كانوا لا يرغبون فى الحدوتة، فلنلون ونرسم، ولو لزم الأمر نرقص ونغنى (مش مهم الحدوتة). بينما يرسمون، انطلقت أنا فى سرد قصة القط مسروع. لم ينظر نحوى أحد فى البداية، لكن الطفل «عبد الله» الذى رفض الحدوتة فى البداية، ترك ألوانه وبدأ ينظر نحوى ويتساءل عن مصير مسروع وهو يمضى فى مغامراته داخل مدينة «دهب»، لتحلق به الطفلة الصغيرة «ملك»، وتبعهم باقى الأطفال، الذين استمعوا للحدوتة وتفاعلوا معها وهم يرسمون ويرفعون رسوماتهم لأعلى كى أبدى رأيى فيها. تحولت ساعة «الحكى» إلى حكايات وأوراق ملونة وبهجة لم أحصل عليها منذ سنين، فلقد طالب «عبد الله وملك وجنى» بالحصول على رواية «القط مسروع مرشد سياحى» كى يعرفوا باقى الحكاية وما آل إليه مصير «مسروع»، ووافقت ملك الصغيرة على طلبى بأن ألتقط صورة معها، بعد أن كانت رافضة للأمر قائلة: «هتصور معاكى بس بعد شوية». الثقافة ليست بالتهديد والوعيد، وليست بفرض عناوين كتب بعينها على القارئ، فالكتاب سلعة مهما تحدثتم عن عمقه الكونى، وعلى كل سلعة أن تجد طريقها للمستهلكين، وعلى الكُتَّاب أن يعثروا على طريقهم بين القراء ليصلوا إليهم ويحصلوا على إعجابهم، لكن أن تتهم القارئ بالجهل فهذا هو العجب العجاب.