د.أحمد عكاشة
د.أحمد عكاشة


حوار| أحمد عكاشة: الإخوان نشروا فيروس "هشاشة الأخلاق".. و30 يونيو بداية العلاج

حازم بدر

الثلاثاء، 07 يوليه 2020 - 02:48 م

د.أحمد عكاشة يتحدث لـ "الأخبار" عن الشخصية المصرية بين ثلاث مراحل:

 

الإخوان نشروا فيروس "هشاشة الأخلاق".. و30 يونيو بداية العلاج

أردوغان يعاني من "متلازمة السلطة".. وضلاله السياسي يصعب تغييره

"انتفاضة يناير" استهدفت هدم الضمير.. والرئيس السيسي يعيد بناءه

إعداد المنتحر يبدأ من الطفولة.. ومدارس الإخوان جرفت العقول 80 عاما

3 فوارق جوهرية بين البطل المنسي والإرهابي الخائن عشماوي

القرآن ينشر التفاؤل.. وكارهو الحياه يحتفون بـ "آيات العذاب"

فحصت كثير من مشاهير العرب نفسيا.. ولا يمكنني البوح بأسرارهم

الإيمان مفيد للصحة النفسية لكنه ليس علاج لها

قاوموا كورونا بالتفاؤل.. وابتعدوا عن متابعة أخبار انتشاره

 

قديما قالوا "الجواب باين من عنوانه"، في إشاره إلى أنك تستطيع أن تقرأ تفاصيل شخصية ما قبل أن تخوض في الحديث معها.

 

وقبل حواري مع العالم الكبير د.أحمد عكاشة، استاذ الطب النفسي ومستشار رئيس الجمهورية للصحة النفسية والتوافق المجتمعي، كان الإنطباع الذي ترسخ عندي خلال مكالمة هاتفية للإتفاق على موعد الحوار، أنه شخص  يتمتع بقدر عال من الثقة بالذات، الممتزجه مع روح الدعابة، والتي تجعل صاحبها من الشخصيات التي تأنس بجلستها.

وترسخ لدي هذا الإنطباع، قبل بداية حواري معه في مكتبه بمنتجعه للصحة النفسية بالقاهرة الجديدة، والذي يوجد في الشارع الذي يحمل اسمه، فصور الرسوم الكاريكتورية التي تزين الاستراحة التي يجلس فيها من ينتظرون لقاءه، تخبرهم بوضوح أنهم مقبلون على لقاء شخص يتمتع بروح الدعابة، التي يمكن أن تكون وسيلته، كما يفعل رسام الكاريكتير، لتوصيل الرسالة التي يبغي توصيلها.

وداخل مكتبه كانت صور لقاءاته مع الزعماء والجوائز والشهادات التي حصل عليها من كل أنحاء العالم تزين جدارين من جدران مكتبه، مع إعطاء مكانة خاصة لصورة الدكتوراة الفخرية التي حصل عليها من جامعة عين شمس، بما يكشف عن انتماءه للمؤسسة التعليمية التي وضعت لبنة مهمة في شخصيته المهنية.

 وكان يتوسط كل ذلك صورة لوالده محمود باشا عكاشة مدير عام سلاح حرس الحدود وحاكم الصحراء الغربية، وهو يرتدي الزي العسكري،ليكشف ذلك عن إعتزازه الشديد بجذوره.

هذا الإعتزاز بالجذور والإنتماء للمكان، من مقومات الشخصية التي تريد تحقيق الذات، ولا تستطيع أي دولة الإبحار بسفينة المستقبل إذا لم تغرس في أبنائها هذه القيم، وهو الأمر الذي رأي د.عكاشة أن مصر كانت تفتقده قبل 30 يونيو 2013، بسبب الدور الذي لعبه الإخوان ليس فقط خلال السنة التي جثموا فيها على قلب مصر، ولكن منذ ظهور تلك الجماعة.

 وخلال الحوار الذي أمتد قرابة الساعة تحدث بمزيد من التفصيل حول الدور الذي لعبه الإخوان قبل وبعد ما أسماه بـ "انتفاضة يناير" في تجريف هذه القيم، مثنيا على الدور الذي يقوم به الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ نجاح ثورة 30 يونيو في إعادة غرسها من جديد بالنفس المصرية.. وإلى نص الحوار.

* احتفلت مصر منذ أيام بمرور سبع سنوات على ثورة 30 يونيو 2013، فكيف ترى هذا الحدث الهام في التاريخ المصري الحديث؟

**يشير بسباته تمهيدا لحديث هام بدأه بقوله: 30يونيو كان حدثا فارقا، لأنها جاءت لعلاج الأخلاق المصرية من الفيروس المسبب لهشاشة الأخلاق التي كانت منتشرة بين أفراد الشعب المصري، فكما أن هناك هشاشة عضوية في العظام، هناك هشاشة اجتماعية في الأخلاق.

أعراض الهشاشة

*لكل داء أعراض، فماهي أعراض تلك الهشاشة؟

**يلوح بيده طالبا الانتظار حتى يستكمل حديثه شارحا الأعراض بقوله:هناك شيء اسمه رأس المال الإجتماعي، الذي يتشكل من الثقة والمحبة السائدة بين المواطنين، ولكن جماعة الشر الإخوانية عملت منذ نشأتها، وليس فقط خلال السنة التي وصلوا فيها للحكم، على النيل من المخزون الاجتماعي، وحاولوا استبدال الثقة والمحبة بالإنتقام والتكفير، ليسود الحقد بديلا للمحبة،  وتتزعزع الثقة بين أبناء الوطن الواحد.

*آراك تعطيهم قدرةكبيرة على إحداث التأثير في المجتمع؟!

**يتساءل مستنكرا: وهل تستهين بمعاهد أزهرية يدرس بها 2.5 مليون طالب، وكان أغلب معلميهم من الإخوان، الذين كانوا يجتهدون في خلق جيل ينتمي للجماعة وليس الوطن.

*إذن هذا التوجه الذي يتراجع فيه الانتماء للوطن على حساب الجماعة هو السبب فيما أسميته بـ "هشاشة الأخلاق"؟

**يومىء بالموافقة قبل أن يواصل الشرح قائلا:أحد العلماء كتب موضحا الفرق بين أن تعيش في حياتك لكي تملك، وبين أن تعيش في حياتك لتحقق الذات، وقال هذا العالم أن البعض يعيش فقط ليملك ( زوجة – أولاد – نفوذ – مال)، ولكن هناك من يعيش لتحقيق ذاته.

وحتى تحقق ذاتك، وضع هذا العالم خمسة شروط، هي أن يكون لديك  هوية، انتماء، جذور، اهتمام بالآخر وليس الإنكفاء على الذات، وأن يكون لديك هدف مستقبلي.

الإنتماء والهوية

*أرى أن الصور والشهادات التي توجد بمكتبك تعكس أهمية قيم الانتماء والجذور والهوية في شخصيتك؟

**يبتسم وهو يشير إلى صور الشهادات والصور العائلية بمكتبه: بالطبع، فأنا أعتز بشهادة الدكتوراة الفخرية التي حصلت عليها من بيتي الأساسي وهي جامعة عين شمس، وأعتز بجذوري التي تمثلها صورة والدي، وهذه من سمات الشخصيات التي تحقق ذاتها، وفق التعريف السابق الذي قلته لك.

وينطبق ذلك الأمر على شخصية مثلد.أحمد زويل، الذي أظهر اعتزازه بجذوره عندما طلب أن يدفن في مصر، رغم ان كل أسرته تعيش بأمريكا.

وفي المقابل، سترى المنتمين لجماعة الإخوان لا يعيرون الجذور أهمية، وليس لديهم انتماء، بدليل أن أحد مرشديهم وصف الوطن بأنه "حفنة من التراب"، وقال آخر ساخرا من مفهوم الوطن:"ليس لدي مانع أن يحكمنا شخص ماليزي".

ويطلق ضحكة عالية ساخرا من العقلية الإخوانية قائلا: "بالذمة ده كلام"، ثم يلتفت لزميلي المصور، والذي كان يرتدي (الماسك) بسبب الاجراءات الاحترازية الخاصة بفيروس كورونا، مداعبا إياه: "شكلك ماليزي، ارفع الماسك حتى أتأكد أنك مصري"، ويواصل الضحك موجها حديثه لزميلي المصور بعد أن رفع الماسك قائلا: "رجع القناع، شكلك مصري قوي".

*ولكن فيروس الهشاشة الأخلاقية الذي نشره الإخوان، يرى البعض أنه لم يظهر في ثورة 25 يناير، حيث يرى البعض أن هذه الفترة اتسمت بالثقة والمحبة بين المواطنين؟

**يمتعض وجهه قبل أن يقول ساخرا: هي ليست ثورة، لكنها انتفاضة، ومن الجيد أنك أعدتني لهذه الفترة، فقد كانت أحداثها ترجمة حقيقية للسعي الإخواني نحو نشر فيروس هشاشة الأخلاق.

*كيف؟

**لم يحدث في أي مكان بالعالم استهداف 73 قسم شرطة في يوم واحد، بالإضافة إلى المحاكم التي تم اشعال النيران بها، فالهدف كان محو الشرطة والقضاء، وإذا غابت الشرطة والقضاء في بلد تفسخ و انهار الضمير.

ثقوب الضمير

*ولكن الضمير مسألة شخصية؟

**يومىء بالرفض قبل أن يقول: المجتمع يشكل ضمير أفراده، فالطفل يولد بلا أخلاق وضمير نقي أبيض، ثم يبدأ في التعرف على الخطأ والصواب من والديه، وتتأثر نوعية الأخلاق التي يغرسها الأب والأم في الطفل بثقافتهما وحالتهما الاقتصادية وطبيعة عملهما ومستوى تعليمهما ونوعيته، ثم يذهب الطفل للمدرسة فيتعرف على أمور أخرى من المدرس، فإن كان لديه ضمير سيضع لبنة طيبة في بناء ضمير الطفل، وان كان غير كذلك، سيضع لبنة خبيثة، ويلتقط الطفل أيضا من المجتمع، حيث تتأثر نوعية الأخلاق التي يغرسها في الطفل بعوامل مثل التكدس السكاني والبطالة.

*وهل يمكن إعادة بناء الضمير وعلاج هشاشة الأخلاق التي أشرت إليها؟

**تظهر مشاعر الحماس واضحة على وجهه قبل أن يقول بنبره صوت مرتفعة: كل ما يحدث من بعد 30 يونيو هو محاولة من الرئيس للعلاج، فإذا قمت بتحليل مضمون خطبه ستجده يتحدث دوما عن المحبة والأخلاق،  ويظهر احتراما لدور الشرطة والقضاء، كما يقود مشروعات ضخمة لإصلاح التعليم بالتوازي مع مشروعات الطرق والإنفاق والإسكان والعاصمة الإدارية الجديدة، وكل هذا هدفه احياء للضمير المصري وبناء الأخلاق، لأن المجتمعات لا تنهض بالقوة العسكرية أو القوة الاقتصادية والموارد الطبعية، ولكن بأخلاق المواطن.

التوافق المجتمعي

*أراك توجد رابط يبدو غريبا بين مشروعات الطرق وعلاج هشاشة الأخلاق؟

**يبتسم قبل أن يقول: هذه هي الفلسفة التي تعمل بها الدولة، فنحن بحاجة إلى اعطاء كاليسوم  في أكثر من اتجاه لعلاج هشاشة الأخلاق، فكما قلت لك سابقا أن الزحام والتكدس السكاني يؤثر على الأخلاق، وقد رصدت قبل سنوات هذه العلاقة في كتابي " ثقوب في الضمير"، والذي رصدت  في صفحاتهالتحولات التي حدثت بالضمير والتي تجعلنا نعتبر بعض السلوكيات مثل " الواسطة" أمر طبيعي وغير مجرم.

*أتصور أن استحداث  منصب مستشار للرئيس للصحة النفسية والتوافق المجتمعي، هو ترجمة للرغبة في علاج هشاشة الأخلاق؟

**انتصب في جلسته ليقول بنبره واثقة: بالطبع، فالرئيس السيسي يكاد يكون الرئيس الوحيد في العالم الذي عين مستشارا للصحة النفسية والتوافق المجتمعي.

*وما المقصود بالتوافق المجتمعي؟

**يرد على الفور: هو رأس المال الاجتماعي الذي تحدثنا عنه في البداية، والذي يتشكل من المحبة والثقة بين المواطنين.

تنوير الخطاب الديني

*أراك في حوارات صحفية كثيرة تربط بين زيادة رصيد رأس المال الاجتماعي وما تسميه بـ "تنوير الخطاب الديني"؟

**يشبك أصابع يديه ببعضها في إشاره إلى الترابط، ليقول بنبره هادئة: كيف تنشر المحبة في وجود خطاب ديني كاره للحياه، يذكرنا دوما بالعذاب، مع أن القرآن يسود التفاؤل أغلب آياته، فهناك كتاب تحت عنوان " فقه حب الحياه" للدكتور علي جمعة يرصد هذه الفكرة، التي أرى أنها أساس تنوير الخطاب الديني.

*ولماذا تسميه تنوير وليس تجديد؟

**التنوير والتجديد يعبران عن نفس المعنى، وهما عكس التغيير، فالرئيس السيسي عندما يتحدث عن التجديد، يحاول الأشرار في القنوات المعادية خداع الناس بالقول أنهم يريديون تغيير الدين، والأمر ليس كذلك، فالتنوير هو محاولة لفهم حديث للنص، لأنه ليس من المنطقي في عصر الطائرات أن يفهم النص بنفس منطق عصر ما قبل 1500 عام، عندما كانت وسيلة المواصلات هي الجمال.

الأخلاق العلمية

*مع الإنجازات الملموسة على الأرض هناك تحديات تواجه الدولة في حدودها الجنوبية والغربية والشرقية، ويتعجب المراقبون من قدره الرئيس السيسي على ادارة كل هذه التحديات دون أن تتوقف عجلة الإنجازات، فهل كانت القدرات الشخصية لمن يسبقه تعينه على إدارة مثل هذه التحديات، إذا لم يقدر الله نجاح 30 يونيو واستمر الإخوان في الحكم؟

**يبتسم ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: إذا استمروا في الحكم، لم تكن لتظهر هذا التحديات، فظهورها رهن بزوال حكمهم، فهم لا يؤمنون بالأوطان، وجل تفكيرهم ينحصر في "الخلافة" التي تذوب فيها الأوطان، وإذا استمروا في الحكم كانت مصر ستكون تابعة لتركيا، فالمتابع للوضع حاليا يرى أن هناك محاولات لتقسيم العالم العربي لمعسكرين، أحدهما يكون تابع لإيران، والآخر لتركيا.

ولكن جاء الرئيس السيسي، ليحاول إصلاح ما أفسدوه عبر ما ما يمكن أن نسمية  " الأخلاق العلمية".

*وما هي الأخلاق العلمية؟

** يشير بيده انتظارا لاستكمال الحديث، قبل أن يقول شارحا معناها: هي تحمل المسئولية والإنضباط واتقان وحب العمل، والعطاء دون انتظار المقابل، والعمل في فريق، وعدم الانكفاء على الذات والاهتمام بالآخر.. وهذه السمات تميز المؤسسات العسكرية بشكل عام، وتظهر في أداء المؤسسة العسكرية المصرية بشكل واضح، ولذلك يجب أن يتعرف الأطفال على بطولات هذه المؤسسة عبر أفلام ومسلسلات ورسوم متحركة، لزرع الإنتماء في شخصيتهم، بدلا من تركها أرض خصبة لمن يعبئها بالضلال السياسي والديني الذي يصعب تغييره.

*ولماذا يصعب تغييره؟

**يبتسم قبل أن يقول: كل أسبوع يأتيني شخص أو أثنان يرددون أنهم "المهدي المنتظر" وآخرون يرون أنهم مستهدفون سياسيا من أجهزة مخابرات عالمية ومحلية، وهؤلاء مرضى يسهل تغيير هذه الأفكار لديهم، ولكن الضلال السياسي والديني تبدأ عملية بناءه في سن صغيرة، كأنيتم تربية الطفل على الأفكار الإنتحارية والإرهابية في مدارس اخوانية وعلى يد عدد ليس بالقليل من مدرسين في مدارس وزارة التربية والتعليم، ومن أساتذة في جامعات، وكانت الحكومات المتعاقبة في سبات طويل لمدة 80 عاما، ولم تلفت لخطورة ذلك.

ومن الأشياء الخطرة أيضا حاليا، أن الضمير العالمي يتشكل الآن بواسطة التواصل الاجتماعي وما تبثة من ألعاب ومقاطع فيديو، ولذلك يجب أن نوليها اهتماما لأن الطفل الذي تعرض لمشاهد القتل والقصف واطلاق النار، سيجد نفسه لا شعوريا يفعل ذلك، وهذا ما يحدث بأمريكا في بعض الحوادث التي يكون أبطالها أطفال أطلقوا النار في مدارسهم.

البطل والخائن

*بما أنك تولي اهتماما كبيرا بالنشأة منذ الطفولة، كيف يمكن أن نستخدم هذه النظرية لتفسير كيف أصبح البطل العقيد أحمد المنسي أيقونة مصرية في التضحية، بينما زميله المفصول من القوات المسلحة هشام عشماوي إرهابيا؟

** يصمت لوهلة قبل أن يقول: إذا فحصنا الحالتين جيدا، سنجد اختلافات بينهما في طريقة التعليم وسمات الشخصية والنشأة الأسرية، فالبطل المنسي من المؤكد أن تعليمه كان أفضل، ودعمت نشأته الأسرية قبول الآخر، وكانت سماته الشخصية معتدلة.. بينما الإرهابي الخائن تغلب على سماته الشخصية التطرف والرغبة في الإحساس بالذات على حساب الغير، وعدم قبول الآخر، ومن المؤكد أنه تلقى التعليم بشكل خاطىء، وكان الجيش بالنسبة له وسيلة لتعلم القتال ليس من أجل مصر، ولكن من أجل أغراضه الإرهابية.

*أستأذنك في الإنتقال بالحوار إلى ملاحظة رصدتها وأنا انتظرك في مدخل المكتب، حيث يزين الجدار رسوم كاريكتير كلها للفنانين مصطفى حسين وعمرو فهمي، تظهر فيها وكأنك الطبيب النفسي الوحيد بمصر؟

**يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول بلهجة واثقة: أنا أول من نحت مصطلح الطب النفسي في مصر والعالم العربي، فالطبيب النفسي كان في أذهان العامة لا يختلف كثيرا عن الطبيب الذي يظهر في فيلم إسماعيل ياسين، ولكني نجحت في تصدير صورة مختلفة عن الطبيب النفسي لفتت انتباه الكاتب الكبير أنيس منصور الذي كان يعمل معدا لبرنامج الإعلامية الكبيرة ليلى رستم " نجمك المفضل" فتم استضافتي في أحد حلقاته كأحد نجوم المجتمع، حتى أني أذكر وقتها أني قلت لأنيس منصور: من أنا حتى أتساوى مع العمالقة الذين حلوا ضيوفا على البرنامج مثل طه حسين والعقاد وغيرهم، فقال لي: انت أول طبيب نفسي يحصل على شهادات من الخارج، ويعطي صورة مختلفة للطبيب النفسي.

مقعد العقاد وطه حسين

*وكيف كان شعورك وأنت تجلس في مرحلة مبكرة من حياتك المهنية على نفس المقعد الذي جلس عليه العقاد وطه حسين؟

**يرد على الفور: كنت في حالة رعب، ودقات قلبي متسارعة، ولكني عالجت نفسي بنفسي، فمع بداية البرنامج سألتني ليلى رستم عن القلق، فقلت لها: أنا أعيش الآن حالة قلق، فسألتني عن الأسباب، فقلت لها:هذه أول مره أظهر بالتليفزيون، وأنتي إعلامية كبيرة ومعروفة بأسئلتك الصعبة التي أحرجت قامات كبيرة، فطبيعي أن أشعر بالقلق، فردت قائلة: انا مش صعبة ولا حاجة، ثم دارت عجلة الحوار، وتجاوزت الموقف بشكل جيد، وهذه مناسبة لأقول للناس: يمكن أن تعالج نفسك بنفسك، وهذا ما فعلته في هذا الموقف، حيث اعترفت بقلقي وشرحت أسبابه للناس، وهذا كان أفضل علاج.

*بمناسبة هذا الموقف: هل يمكنك مثلا كطبيب نفسي مخضرم النظر إلى شخص لتعرف إن كان يعاني من مرض نفسي أم لا؟

**يرد بحسم: بالطبع لا، يجب أن أفحص الشخص.. فأكثر الناس مرضا نفسيا، يمكن أن تراهمأكثر الناس سلوكا طبيعيا

* كيف؟

**هذا يقودني إلى الحديث عن الحملة التي أتبناها حاليا لإزالة وصمة المرض النفسي، فالمرض النفسي مرض عضوي مكانه الدماغ، ويجب أن يعالج صاحبه كمريض القلب والضغط والسرطان وغيرها من الأمراض.

وبالمناسبة، المريض النفسي يمكن أن يبدع ويبتكر ويحصل على نوبل، وأحيلك إلى فيلم "العقل الجميل"، والذي يجسد قصة أحد الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد، والذي كان يعاني من الفصام.

كما أن 40% من المبدعين لديهم مرض نفسي ثنائي القطب، وهو حدوث موجات من الاكتئاب والابتهاج، فهناك علاقة واضحةبين المرض النفسي والإبداع.

صورة المريض النفسي

*ربما كانت صورة المريض النفسي السلبية مصدرها هؤلاء الأشخاص الذين نراهم هائمين في الشوارع؟

**هؤلاء مرضى نفسيين لم يعالجوا، وبالمناسبة فإن 70 % من المرضى النفسيين في مصر يعالجوا بالخرافات، مثل أن يذهب بهم ذويهم إلى أحد الشيوخ ليعالجهم بالقرآن، تحت وهم أنه مسحور أو محسود.

والمرض النفسي ليس له علاقة بالسحر أو الحسد أو الجن أو الإيمان، فهو مرض يمكن أن يصيب المؤمن والملحد، وقد وافقني على هذا الرأي شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية والبابا تواضرس.

*كيف يكون المؤمن عرضة للمرض النفسي، فالمعروف أن الإيمان يبعث على الراحة النفسية؟!

**يتساءل متعجبا: وهل الإيمان يمكن أن يحمي الشخص من الإصابة بالسرطان؟ فالمؤكد أن الإيمان يمكن أن يخفف الآلام لكنه لا يحمي من الإصابة، وكذلك المرض النفسي، فالإيمان مفيد للصحة النفسية، ولكنه ليس علاج للمرض النفسي.

*أظن أنك ستحتاج لجهد كبير لنشر مثل الأفكار؟

**يومىء بالموافقة قبل أن يقول: بالطبع، ولكننا نحتاج لمساندة من وسائل الإعلام، التي تصور دوما أن أغلب مرتكبي الجرائم مرضى نفسيين، مع أن 85% من الجرائم يرتكبها أفراد طبيعيين، و15% فقط مرضى نفسيين.

سلوك أردوغان

 

*بما أن دفة الحوار اتجهت للحديث عن تفاصيل المرض النفسي، لفت نظري في رسوم الكاريكتير التي تزين مدخل مكتبك، أن كثيرا منها تحمل تعليقاتك على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي مناسبة لأسئلك: هل تراه مريضا نفسيا؟

** يرد على الفور: كما قلت لك سابقا، لا أستطيع أن أقرر ان كان شخص ما مريض أم لا بدون فحصه، وان فحصته فلن أكشف عن تفاصيل حالته، فأنا بحكم مهنتي فحصت الكثير من السياسيين والمبدعين في العالم العربي، لكن لا يمكنني الكشف عن تفاصيل حالتهم النفسية حتى لو فارقوا الحياه.

*لكنك تستطيع أن تعلق على سلوك شخص، وهذا ما يبدو من التعليقات المصاحبة للرسوم الكاريكترية؟

**ان كنت تسأل عن تفسير لسلوكياته، فهو يعاني من حالة تسمى "متلازمة السلطة".

*وما هي مواصفات من يعاني من تلك الحالة؟

** يصبح وجهه متجهما قبل أن يقول: هو شخص منزوع الرحمة، يمكنه أن يقدم على أي شيء في سبيل بقاءه في السلطة، وهو لا يحب النقد، ويشعر بأنه مندوب الله على الأرض، ولا أستطيع القول ان هذه المتلازمة مرض نفسي، ولكنها ضلال سياسي مصحوب بضلال ديني، حيث يصبغها بفكرة دينية وهي تحقيق وهم الخلافة، وكما قلنا سابقا أن الضلال السياسي والديني يصعب تغييره، لأنه ليس مرضا نفسيا.

الخوف من كورونا

* بما أننا مع الدكتور عكاشة، لا يمكن أن نترك أزمة فيروس كورونا دون أن نسأل: كيف يمكننا الحفاظ على الصحة النفسية في ظل هذه الأزمة؟

**يشير بكلتا يديه طالبا أن يكون هذا السؤال هو نهاية الحوار، قبل أن يقول: من المؤكد أن الروح المعنوية منخفضة جدا هذه الأيام، وأصبح لدى الناس وسواس يدفعهم إلى تفسير أي عرض مرضي على أنه كورونا، والسبب في ذلك هو كثرة التعرض لأخبار كورونا بوسائل الإعلام وهذا أكبر خطا، فإذا أردنا تجاوز تلك المرحلة نفسيا يجب ألا نتعرض كثيرا لأخبار الفيروس، ويجب أن نفكر في الأمر بوجه نظر متفائلة، فنحن أمام مرض يشفى 85 % من المصابين به بدون علاج، ويحتاج 15 % للذهاب إلى المستشفى، ومن هذه النسبة لا يدخل سوى من 2 إلى 3 % الرعاية المركزة، فيجب أن نفكر في المرض بهذا الشكل.

 

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة