عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

الرئيس «الشقيان»

عمرو الخياط

الجمعة، 20 نوفمبر 2020 - 07:56 م

منذ اللحظة الأولى كان الرجل واضحا، أعلنها المرشح آنذاك عبدالفتاح السيسى قبل مجيئه رئيساً أنه لا يملك سوى العمل، ربما كان وقتها أغرب شعار انتخابى لمرشح رئاسى «لا أملك سوى العمل»، بينما اعتدنا من المرشحين ان يتحدثوا عما يملكون من وعود انتخابية حتى لو لم يصحبها حديث عن كيفية تحقيق هذه الوعود.
السيسى الذى جاء رئيساً منتخباً لدورتين متتاليتين يواجه نفسه يومياً بهذا الالتزام ويترجمه ترجمة يومية كثيفة وظاهرة من خلال حركة دؤوبة لمتابعة وإنجاز المشروعات التى انتشرت فى ربوع المحافظات فى نفس التوقيت.

 

الرجل  ملتزم بهذا الأداء طوال السنوات الست ليثبت أن ثقافة الكدح والعمل الجاد هى جزء أصيل من تكوينه الشخصى الذى ربما يصطدم أحيانا بثقافة استرخاء قومى عانت منها البلاد لسنوات طويلة فأفقدت المواطن شعوره بدور الدولة فى حياته فظن أنه يمكن الاستغناء عنها أو الإعراض عن الاتصال بها.


السيسى مصرى شقيان، ليس شقاء عادياً من أجل كسب العيش أو تحصيل القوت اليومى بل من أجل تكريس منهج تفرضه جدية الحياة التى لا تعرف سوى العمل ولا تعير انتباها لمن قرر أن يستكين أو أن يقبل بالدنية فى حياته معتقدا أنه يمكن أن يحقق جودة الحياة بالأمنيات وأحلام اليقظة التى لا يدعمها عمل جاد متواصل، فيرفع سقف طموحاته دون أى تغيير فى حركة أدائه فإذا به يتحول إلى كائن محبط يلعن الدولة ويصدر الطاقة السلبية لمن حوله، لا لشىء سوى أنه قرر أن يستغرق فى الأحلام ثم قرر ألا يعمل.

على مدار السنوات الست ظل السيسى محافظاً على معدلات متصاعدة من العمل الرئاسى الدؤوب ليقدم النموذج والقدوة العملية على أن المنصب الرئاسى محمل بأعباء وأثقال عملية واجبة النفاذ، وأنه ليس إضافة لأمجاد شخصية أو فرصة من أجل إضافة شعارات جديدة لقاموس الشعبوية التى أثبتت التجارب أنها لم تنجح ولم تحقق إنجازاً ولم تجد فرصة لتسويقها إلا مصحوبة بقدرة على خداع الشعوب من خلال أداء تمثيلى ربما يلهب حماسهم لبعض الوقت، لكنه لن يستطيع السيطرة على ألسنة اللهب التى ستمسك بأحلامهم المحبطة عندما يكتشفون الحقيقة.


عبدالفتاح السيسى أصر على أن يتجاوز الدور السياسى التقليدى للرئيس المنتخب ليمارس دوراً معلناً للرئيس التنفيذى الذى يسابق الزمن من أجل جودة حياة المصريين وليس جودة أحلامهم المعلقة فى حالة تمنٍ قومى دون عمل جاد.


ليس مدهشا أن تواجه حركة السيسى بحملة هجوم بدأت من خلف خطوط المنطق بالتساؤل المفتوح غير المنتظر لإجابات، «هو بيجيب الفلوس منين ؟»، لتكشف عن اعتراف بحقيقتين بأن هناك أموالاً تتدفق وتنفقها الدولة، وبأن هناك مشروعات قائمة على أرض الواقع، دون أن يتساءل أحد أين كانت تنفق هذه الأموال من قبل، ودون أن يشغل بال أحد كيف خطط السيسى من أجل عملية استثمار مستدامة فى الدولة المصرية ؟.


ما فعله السيسى أحدث كشفاً مهولاً للفجوة ما بين النظرية والتطبيق، فسبقت حركته العملية جماعات التنظير السياسى والاجتماعى فأحدث دون أن يقصد عملية انكشاف لشخصيات لا تملك سوى الثقافات والخبرات المكتبية غير المدعومة بتجارب عملية أثقلتها الإخفاقات والنجاحات، إنما حملتها للأجيال جيلاً بعد جيل على ظهر الشعارات والقدرة على الصياغات الرنانة لعبارات جاذبة تصلح للروايات ولكنها لا تبنى أوطاناً.


 لقد كشفت حركة السيسى عن حقيقة مذهلة، وثراء الدولة التى لازالت قابلة للتطور والتطوير الذى لم يكن يحتاج إلا للعمل الجاد وللإرادة القادرة على إنفاذ هذا العمل.
ليس ذلك فحسب بل كشفت عن عقيدة راسخة لدى الرجل وإدراك لقيمة هذا الوطن، ولحقيقة تاريخية بأن مصر قادرة على تجديد شبابها وأن جذورها الضاربة فى قلب التاريخ ليست إلا دليلا على الإعجاز وليس العجز.

من قبل وقف السيسى مجاهراً بعبارة «أنا مش سياسى»، ساعتها ربما أذهلت العبارة كثيرين وراحوا يفسرونها بأن الرجل أفرغ منصبه من مكونه السياسى، لكن الحقيقة أنه كان يقول «أنا مش بتاع كلام»، ليفرغ بذلك منصبه من المكون الكلامى، ثم اتجه إلى العمل الشاق الذى كلما تسارعت وتيرته كلما زاد انكشاف جماعات التنظير وكلما زادت حملاتهم من أجل استدراج الرجل إلى مساحات النظرية التى لازال يسيطر عليها شخوص من النخبة لم تتغير وجوههم أو آداءاتهم منذ سبعينات القرن الماضى.
هنا بدأ الأمر كما لو أن هناك صراعاً غير منطقى ما بين الإصرار على استاتيكية النخبة وديناميكية الأداء الرئاسى.

لقد نقل السيسى معيار تقييم الأداء الرئاسى من شرعية الشعارات إلى شرعية الإنجازات، كما نقل مفهوم المنصب الرئاسى إلى مرتبة التكليف الشعبى ومنح الجميع صلاحية الرقابة العامة على الأداء الرئاسى من خلال حركته المعلنة.


اختار السيسى بإرادته أن يتحرك من مكانة البطل الشعبى فى ٣٠ يونيو إلى مكانة المسئولية الدستورية للمنصب الرئاسى المستمد شرعيته من إرادة الناخب وليس من البطولة الشخصية مهما كان حجمها.


منذ اللحظة الأولى رفض السيسى أن يشترى البطولة بالذى هو وهم.

اختار السيسى أن يخضع المنصب الرئاسى لمعايير التقييم العملية لرئيس مكلف ومسئول عن إنجاز ملفات محددة فى توقيتات محددة لتحقيق نتائج محددة.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة