آمال عثمان تكتب: وخمسون عاماً من الكوميديا والفن الهادف

الفنان محمد صبحى خلال حواره مع الكاتبة الصحفية آمال عثمان

الجمعة، 18 ديسمبر 2020 - 06:35 م

بوابة أخبار اليوم

فنان صاحب وجوه متعددة وبصمة متفردة، فارس نبيل شق لنفسه طريقاً مختلفاً وصنع مدرسة مغايرة، بعيداً عن كوميديا الإسفاف والابتذال والتفاهة، أَثرى المسرح بأعمال تخاطب عقل الجمهور، وتمنحه الابتسامة والبهجة والمتعة، وقدم للشاشة الصغيرة أعمالاً تساهم في بناء قيم المجتمع وسلوكياته، وتحقق له السعادة والقيمة البصرية والفكرية، وخلال مشواره الفني  الممتد لنصف قرن، ظل الارتقاء بوعى وثقافة الإنسان، الهدف الأهم فى كل أعماله المسرحية والتليفزيونية، والقضية التى تستحوذ على أفكاره وإبداعاته الفنية، لذا أصبح محمد صبحى فناناً صاحب وجهة نظر، ومبدعاً حراً شديد الانضباط والاحترام لفنه وجمهوره، وفارس المسرح الذي  احتفظ  بجواده على مدى خمسين عاماً. ثروت عكاشة شكَّلَ عقلي في طفولتي تربيت في أسرة فقيرة لكنى لم أشعر بالظلم يوماً إلهام شاهين تصدت لطيور الظلام حين كنا جميعاً صامتين تكريم إيناس عبدالدايم لما فعلته في التمهيد لثورة 30 يونيو لم أندم على وضع مدخراتي في مدينة سنبل لأن لدي قناعة العيش باحتياجات قليلة داخل مدينة سنبل بطريق مصر الاسكندرية الصحراوي كان موعدنا.. قطعنا الطريق الذي يبعد 50 كيلومتراً عن قلب القاهرة، لنصل إلى المدينة التي كانت حلماً أضحى حقيقة تحتضن إبداعات مسرحية، ومواهب فنية تشق طريقها في سماء الفن المصري، مثل غيرهم من المواهب الذين تخرجوا في هذه الفرقة، وصاروا نجوماً لامعة تملأ الساحة إبداعاً، عبرنا القاعة الخارجية للمسرح التي تزدان جدرانها بصور فنانين وفنانات مصر العظام الراحلين، ليستقبلنا محمد صبحي في مكتبه بابتسامته المعهودة التي لا تفارق وجهه. - قال: هذا تقليد جديد بالفعل، وقد بحثت فى أمريكا وأوروبا والدول الأخرى شرقاً وغرباً، لم أجد مثل هذا الحدث، لذلك حين طرحت الفكرة، وجمعت فريق العمل من كتاب وشعراء وموسيقيين لوضع سيناريو الاحتفال، فوجئت بمن يقدم تصوراً يمتدحنى، ومن يمجد تاريخى ويحتفى بأعمالى، فاعترضت وأبلغتهم بأن الهدف ليس الاحتفال بعيد ميلادى أو مسيرتى، تلك مهمة الآخرين الذين من حقهم تقييم تلك المسيرة، لكن الاحتفالية لتكريم من ساهم فى نجاح تلك المسيرة، لأنها ليست عملاً فردياً، وإنما مجهود جماعى، صحيح وقتها لم أكن واعياً بمساهمة ممثلة أو ممثل عظيم رفع من شأن العمل، إنما حين أنظر خلفى وأستعيد رحلة عمرها 50 عاماً، أيقنت أننى لم أكن أنجز ما حققته من نجاح دون هؤلاء. - حين بحثت فى أعمالى وجدت 260 شخصاً يستحق التكريم، وهذا بالطبع صعب جدا، لذا قررت تشكيل لجنة لتحديد الأكثر استحقاقاً، سواء الذين شاركونى أعمالاً كثيرة على مدى سنوات طويلة، أو من ساهم بعمل واحد ولكنه كان مؤثراً فى مسيرتى الفنية، فالعبرة ليست بحجم المساهمة، ولكن بمدى تأثيره فى مشوارى، وأذكر أيضاً أننى تمنيت العمل مع الفنانة سوسن بدر منذ شاهدت فيلمها «موت أميرة»، وتولدت بيننا علاقة جميلة بعد زواجها من صديقى بالمعهد د. أسامة أبو طالب، لكن لم يحدث أن عملنا معاً، وحين بدأت فيلماً عن «قبائل الشروك»، تمنيت العمل معها لأننى أعشق أداءها، لكننى لم أتمكن من التواصل معها فى ذلك الوقت، وفى مسلسل «أنا وهؤلاء» وجدت دوراً لا تزيد مدته على 3 دقائق، لا يمكن أن تؤديه ممثلة غير سوسن بدر، وحين شرحت لها الدور أبدت موافقتها على الفور، وحدث هذا أيضاً مع الفنانة وفاء عامر، وذلك يؤكد أن الفنان ليس بحجم دوره وإنما بتأثيره فى العمل. - التكريم لا يشمل المشاركة فى الأعمال الفنية فقط، وإنما لتأثير هؤلاء فى المناخ الفنى أيضاً، ويأتى تكريم الفنانة القديرة سميحة أيوب، لأنها قامة عظيمة حلمت أن أقف أمامها على خشبة المسرح،  وحين أتحدث عن النجمة إلهام شاهين، وتصديها لطيور الظلام، وصمودها فترة حكم الإخوان، والقضايا التى رفعتها، فى وقت كنا جميعاً صامتين، نفتخر بموقفها دفاعاً عن الفن، وكذلك د.إيناس عبد الدايم تكريمها ليس كوزيرة للثقافة، ولكن لما فعلته فى التمهيد لثورة 30 يونيو، وخروج فرق الموسيقى والباليه، وتحريك فنانى مصر كلهم للاعتصام داخل وزارة الثقافة، وقد اكتشفت أن كل عقد من الزمن نواجه ضربة شديدة القسوة، فى الستينيات واجهنا انسحاب الأمريكان من بناء السد العالى ونكسة 67، والسبعينيات وفاة جمال عبد الناصر، فى الثمانينيات اغتيال السادات، والتسعينيات بداية «الفن الحرام» وظهور جماعات الإرهاب، ثم اغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ ، ومحاكمة د. نصر حامد أبو زيد، وإذا تأملنا ماذا قدم الفن لتنبيه الوطن كله للهجوم القادم من جماعات الإرهاب السياسى المتأسلم، ندرك أن الفن كان له دور كبير لا يمكن تجاهله. - عرضت الوزيرة د. إيناس عبد الدايم تقديم الاحتفالية على المسرح الكبير بالأوبرا، وتسلمنا المسرح صباح يوم الاحتفال، لكننى لم أوافق لأن الاحتفال يحتاج أياماً للإعداد والتنسيق، كما أننى فضلت أن تكون تلك المناسبة فى المسرح الذى انشأته، وصنع كيانه جمهور يقطع كل تلك المسافة ليشاهد أعمالى المسرحية. - عملت لوحة لكل حقبة تاريخية من الستينيات إلى يومنا هذا، ومن خلال 4 لوحات نرى سريعاً كيف كان المناخ الثقافى والنقدى والفنى والانتاجى فى تلك الأزمنة، وملامح مسيرتى فى ذلك الوقت، وتكريم شخصيات لها تأثير على حياتى فى كل مرحلة، فى الستينيات كسرت القاعدة وكرمت زوجتى الراحلة نيفين رامز، التى كانت وقوداً دافعاً فى مسيرتى على مدى 45 عاماً، وأساتذتى سعد أردش وهانى مطاوع، وصانع الثقافة والخريطة الثقافية فى مصر، د.ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق، فقد تشكل عقلى ووجدانى منذ كان عمرى 12 سنة على هذه الخريطة والمفكرين والنقاد والأدباء الذين كانوا جزءاً منها، والعرض إعداد الكاتب محمد بغدادى، وأشعار عبد الله حسن، وتلحين شريف حمدان، وموسيقى هشام حزمة. - بالتأكيد التأثير على مر العصور، ولكن للأسف هناك تباين كبير، لأن الثقافة تتأثر بالحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يظهر فى العرض الذى يعكس المنحنى المؤلم الذى مرت به الحالة الثقافية والفنية، وحين نتذكر أسماء مثل عبد الرحمن الشرقاوى، صلاح عبد الصبور، ميخائيل رومان، لطفى الخولى، سعد الدين وهبة، ومخرجين مثل سعد أردش، جلال الشرقاوى، أحمد زكى عبد الحليم، عبد الرحيم الزرقانى، فتوح نشاطى، كرم مطاوع، وغيرهم مما تواجدوا على الساحة فى الستينيات والسبعينيات، ونضع تلك الأسماء فى مقارنة بما نملك اليوم نشعر بالخجل، فالمعدل يقل بصورة مخيفة كل 10 سنوات، لا شك لدينا اليوم مخرجون وكتاب، لكن ليس بنفس المكانة المؤثرة فى المناخ الثقافى العام، فالمناخ العام هو الذى يفرز العبقريات، والحركة النقدية هى التى تطور الفن وتمنحه قوة التأثير، فالناقد معلم للمبدع وللجمهور، وفى رأيى الثقافة ليست كتاباً وموسيقى ومسرحية ولكنها سلوك، والدولة المتوجهة لبناء الإنسان، عليها أن تدرك أن  بناء الإنسان يعتمد على تضافر ثلاث جهات، الثقافة والإعلام والتعليم. - هذه الفترة كانت بداية عصر الحريات، قدمنا : «أنت حر» و»المهزوز» و»الهمجي» وأعمالاً كثيرة، وفى عصر مبارك كان سقف الحرية عالياً جداً، والأعمال الجيدة كثيرة، وبالطبع لا يخلو من إسفاف مثل كل العصور، الإنتاج السينمائى كان يتجاوز 95 فيلماً، وكنا نترك أى أعمال تعرض علينا بالملايين، لنشارك فى أعمال درامية لتليفزيون بلدنا، قدمت وقتها «رحلة المليون» و»سنبل بعد المليون»، و»فارس بلا جواد»، الفن فى فترة الستينيات و السبعينيات والثمانينيات كان قائماً على فكر أدباء و مفكرين أمثال إحسان عبد القدوس وأسامة  أنور عكاشة الذى قدم الدراما التليفزيونية. - تمتعت بحرية فى فترة حكم مبارك لم يكن لها سقف، كان يحدث صدام مع الرقابة، لكن بالنقاش نصل إلى ما نريد، وأذكر حينما قمت بتقليد الرئيس مبارك على المسرح واجهت اعتراضات، لكن الدولة وقفت بجانبى وظللت أقلد مبارك 5 أعوام، ومع ذلك حين قدمت المسرحية فى ليبيا والعراق وقطر، حذفت تلك المشاهد لأنها لن تفهم بمنظورها السياسى، بل بمنظور السخرية، وأنا لا أسخر من رئيس بلدى، لأنه يمثل صورة مصر. - هذا الفضل يعود للشيخ صالح كامل حين إنشاء ART وطلب تقديم عمل تليفزيونى للأسرة العربية، ورشحتنى سامية صادق لهذا العمل، وقدمنا 5 أجزاء من «أيام ونيس» التى تعد أيقونة فنية للأسرة العربية، واتجاهاً اجتماعياً لا يخلو من الأحداث السياسية و الوضع الاقتصادى و التربية والسلوك، وبعد رحيل سعاد نصر قررت تصوير حياة الزوج بعد رحيل رفيقة عمره، وتأثير ذلك على الأسرة، ثم قدمت فى الجزءين السابع والثامن انتقاداً لفكرة التوريث فى الحكم، وإرهاصة لثورات الربيع العربى، من انهيار أخلاقى وانفلات، وقد أدهشتنى مطالبات الجمهور باستكمال أجزاء أخرى، وكنت اعتقد أن ذلك غير ممكن لأن هذا الجيل لا يشاهد التليفزيون، واكتشفت خطأ تقديراتى حين قامت DMC بعرض الجزء الأول، ولكن بعد أن ظهر الاهتمام والتفاعل الكبير من الجمهور عرضت الأجزاء الأخرى. - كنا زملاء فى المعهد، وحياتنا مليئة بالأحلام بعد تخرجنا، قدمنا أعمالاً صغيرة كهواة، وكنت أقول دائماً إننا «أحادي» ولسنا ثنائياً، وفى منتصف السبعينيات جاءتنى فكرة بعد مشاهدة الفيلم الأمريكى «تشارلى»، وقررت تقديم مسرحية شبيهة لهذا العمل، فأضاف عليها لينين الرملى فكرياً وثقافياً، وكانت « مسرحية «انتهى الدرس يا غبي» أول بطولة فى المسرح، وفى نفس العام شاركت فى فيلم «الكرنك»، وفى سنة 80 أنشأنا استوديو 80 وقدمنا أعمالاً مثل «المهزوز» ،»الهمجي»، «تخارف»، «وجهة نظر»، ثم «بالعربى الفصيح» التى نجحت نجاحاً كبيراً، وفى عام94 حدث انفصال بيننا ليس إنسانياً ولكن فنياً وإنتاجياً، وفاز الجمهور بكلانا، لكن مؤكد أن أعمالنا معاً سيظل لها مذاق خاص، واستكملت بعدها مسيرتى بمسرحية «على بلاطة» مع صابرين، وهى أول إرهاصة للإرهاب فى مصر، وبعدها «الزيارة» لجميل راتب وثناء جميل على دار الأوبرا، و«ماما أمريكا»، وسيتم تكريم لينين الرملى ضمن لوحة التسعينيات. - تربيت فى أسرة فقيرة ، لكن منذ طفولتى لم أشعر بالظلم يوماً، كنت قنوعاً، لم أحزن من جوعى، ولم أنظر لما يملكه غيرى من مال، ومؤمن دائماً بأن الصعاب تجعل الإنسان أقوى، تعودت على البناء فى كل مسيرتى، أتقبل الصعوبات والصدمات، وأتعلم وأستفيد من الانتقادات الصحيحة التى لا تهدف للهدم، وما يحزننى أن أرى بعض  تلاميذى الذين نجحوا معى، يقدمون أعمالاً لا تتناسب مع الموهبة والطاقة الإبداعية التى أعرفها جيداً، وأعتبر أزمة مسلسل «فارس بلا جواد»، وما حدث للعمل من تشويه وحذف، أكبر الصدمات التى وقعت فى مسيرتى، ولكننى سعيد بعرضه كاملاً بعد الثورة، وإعادة 74 مشهداً كان قد تم حذفها ليعاد النظر فيه بالشكل الكامل. - أنفقت كل ما ادخرت على مدار 10 سنوات فى أرض المسرح، ولم أندم لأن لدى قناعة العيش باحتياجات قليلة، وأنا حياتى ليست صاخبة مثل غيرى من الفنانين، وسعدت بأولادى لأنهم اقترحوا ترك هذا البناء للدولة، وأذكر أننى وقتها كنت أتفق على قطعة أرض بميدان سفنكس، لكننى تراجعت حين فكرت فى نصائح سنبل للشباب لكى يعمروا الصحراء، وأفكر الآن فيمن هم أكثر منى احتياجاً، لذلك اتجهت لمشروع العشوائيات، وأنشأنا فى المكان 3 دور عرض سينمائى استوديوهات، و3 مدارس «ابتدائى وإعدادى وثانوي»، ومنطقة حرفية، حيث نقدم لكل شخص وظيفة ومنزلاً ومكاناً نظيفاً به مدارس وفنون وثقافة ورياضة ودار للمسنين، والشرط الوحيد فى العقد حصول الأسرة على دورة للتنمية البشرية لمدة 6 شهور، حتى لا تتحول إلى عشوائيات مرة أخرى، ولدينا أشخاص متخصصون فى ذلك، كذلك من يتوقف عن تعليم أولاده فى المدرسة، يترك المكان فوراً كنوع من العقاب.