جلال عارف
جلال عارف


فى الصميم

«فاصل» ولا نعود.. للثرثرة التليفزيونية!!

جلال عارف

الأربعاء، 24 فبراير 2021 - 07:35 م

كان صديقنا الإعلامى الكبير مرهقا للغاية وهو يروى لنا تفاصيل ما واجهه من متاعب فى البرنامج الذى انتهى منه قبل قليل. وكان طبيعيا أن يتذكر الجميع أنهم عرفوه مثابرا فى عمله لدرجة ترهق طاقم العمل حين تمتد ساعات التسجيل فى الاستوديو أضعاف ما هو مقرر.
وكان لافتا أن يكون رد الإعلامى الكبير: إن الأمر يختلف كثيرا بين التسجيل «براحتك» داخل الاستوديو، وبين الظهور على الهواء الذى يمثل اختبارا صعبا ودائما، ويتطلب تحملا للمسئولية ويستلزم أقصى الجهد لمواجهة أى طارئ ولتوصيل الرسالة الإعلامية للمستمع أو المشاهد.
وفى التفاصيل قال الإعلامى الكبير إن المذيع ليس مسئولا فقط عن كل كلمة يقولها وكل إيماءة يقوم بها. وإنما هو مسئول أيضا عن المتابعة الدقيقة لما يقوله من يحاوره، أو ما تحتويه تقارير المراسلين فى برنامجه، حتى لا يترك معلومة خاطئة دون تصحيح، أو فكرة شاردة دون نقاش. ثم هو مسئول عن الإمساك بكل التفاصيل مع الوعى بألا يقدم إلا ما يحترم  عقل المشاهد أو المستمع لكى يبادله التقدير والاحترام.
كان هذا قبل سنوات بعيدة، قبل أن نستبدل بهذا كله برامج الثرثرة التليفزيونية التى أهدرت - باستثناءات قليلة مازالت تحافظ على القواعد المهنية - خبرات سنوات طويلة من الإبداع ومن العلم. وليصبح الإعلام أسير برامج «التوك شو»، والمذيع الذى يقاس نجاحه بعدد «الإفيهات» التى يطلقها والذى يبحث عن أى شىء يقطع الملل من الثرثرة الفردية التى يقوم فيها بكل الأدوار.. فهو الذى يسأل ويجيب، وهو الذى يفتى فى كل القضايا ويترك دوره كمذيع لكى يكون المفكر السياسى والعالم الاقتصادى والناقد الرياضى والخبير فى الأزياء وساندوتشات الحواوشى.. كل هذا بلا إعداد حقيقى، أو علم بأصول المهنة أو زاد ثقافى يتجدد(!!) والنتيجة هى ما نراه على الشاشات الصغيرة، وما يقع من أخطاء فادحة ومن تراجع هائل فى المستوى وفى المتابعة وفى التأثير الإعلامى.
الاستثناءات - كما قلنا - موجودة، لكن المناخ العام فى الإعلام يحاصرها. لم تعد المشكلة فقط هى خزعبلات بعض القنوات التى تتاجر بالدين أو تحتال باسم الطب. الخلل أصبح عاما، والوقوف عند خطأ لمذيع أو مذيعة أمر واجب لكنه لن ينهى الأزمة، وإنما ينهيها أن نعود لاحترام القواعد المهنية، وأن ندرك أن برامج «التوك شو» حتى بصورتها الجيدة بدأت تتراجع فى العالم، فما بالك بالوضع عندنا؟!
نحتاج إلى «فاصل» نفكر فيه فى مستقبل آخر يعود فيه الإعلام للتنافس فى متابعة الأخبار، وتقديم ثقافة التنوير ومتعة الترفيه الراقى، فلنعاقب المخطئ بكل شدة، لكن الأهم أن نستأصل أسباب الخطأ.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة