عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

ارتفاع مهول فى ثراء الأثرياء..أهم أسرار كورونا

الأخبار

السبت، 10 أبريل 2021 - 07:05 م

من المفارقات المثيرة أن ينبه بيان صادر من منظمة الأمم المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية، إلى مواجهة، على الأقل، عشرين دولة فى العالم لنقص حاد فى الغذاء مما يضعها على حافة مجاعة حقيقية، جراء تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية والسياسية، الناتجة بدورها عن التشدد فى التدابير الاحترازية التى حاول العالم مواجهة الوباء بها، من خلال الإغلاق الشامل والعزل التام والاختفاء القسرى فى المنازل، وجراء النزاعات، خصوصا المسلحة منها، التى لم تنفع معها شراسة الوباء فى الحد من وطأتها ولا توقيفها إلى حين. وأكد بيان الأمم المتحدة أن معظم البلدان التى تواجه هذه المشكلة تقع فى إفريقيا، لكن النقص الحاد فى الغذاء يهدد أيضا الكثير من بلدان آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي. وكشفت منظمة الأمم المتحدة عن رقم مهول من البشر الذين تتربص بهم مجاعة حقيقية، حيث أوضحت «أن هناك اليوم 34 مليون شخص انحدروا إلى العيش فى مستوى شديد من انعدام الأمن الغذائى الحاد، أى على بعد خطوة واحدة من الجوع» وأرجع التنظيم الأممى الزيادة المرتقبة فى معدلات انعدام الأمن الغذائى إلى ما سمته (بؤر الجوع الساخنة) فى العالم فى الفترة الممتدة إلى غاية منتصف السنة الخارجية، إلى تأثير عوامل مثل النزاعات السياسية وتداعيات وباء كورونا والتغيرات المناخية.
المفارقة الجديرة بالانتباه والاهتمام أنه فى نفس الوقت الذى تقر فيه الأمم المتحدة بوجود كارثة إنسانية عالمية، وتنبه إلى الخطورة البالغة التى تكتسيها، فقد خلصت دراسة أنجزها البنك السويسرى وشبكة (بى دبليو سي) للخدمات المهنية الموجود مقرها فى عاصمة الضباب لندن، ونشرت بدورها قبل أيام قليلة من اليوم، إلى الكشف عن حقيقة مذهلة جدا، حيث تؤكد هذه الوثيقة أن ثروات أغنياء العالم زادت وارتفعت بأكثر من الربع خلال ذروة تفشى فيروس كورونا. كما تشير الدراسة إلى أن عدد الأثرياء فى العالم من أصحاب الملايير من الدولارات ارتفع بدوره ليقارب ما مجموعه 2200 ثرى فى عالم ما بعد الطفرات الأولى لجائحة خبيثة لم تكشف بعد عن أسرارها كافة، والذين وصلت ثروتهم الإجمالية إلى ما يفوق 10.2 تريليون دولار أمريكى، محطمة بذلك الرقم القياسى السابق الذى سجل سنة 2019 وكان فى حدود 8.9 تريليون دولار. وتكشف الدراسة أن حجم ثروة أثرياء العالم ارتفعت خلال سنة الجائحة بنسبة تراوحت ما بين خمسة وعشرة أضعاف مقارنة مع الخمسة والعشرين سنة الماضية. وأكد التقرير أن أصحاب الملايير الذين استفادوا من هذا الارتفاع المهول فى حجم ثرواتهم تفوقوا فى استثمار زمن الأزمة الطارئة التى هزت أركان العالم، وأبدعوا فى استغلال الظروف القاسية والخطيرة التى يمر بها العالم من خلال استثماراتهم فى قطاعات الاتصالات والمضاربة فى أسواق المال والأسهم والبورصات العالمية وفى التكنولوجيا والعناية الصحية والصناعة الدوائية، وهى القطاعات التى كانت على تماس مباشر، واحتكاك قوى مع الانتشار السريع والمهول لفيروس لا يزال العالم يجهل عنه كثيرا من التفاصيل. ويستعرض التقرير بعض الأمثلة فى هذا الصدد، إذ يشير إلى أنه وخلال المدة الفاصلة ما بين سنتى 2018 و2020 عرفت ثروات المليارديرات فى التكنولوجيا ارتفاعا بنسبة وصلت إلى 42.5 بالمائة بقيمة 1.8 تريليون دولار، بيد أن ثروات المليارديرات الذين جنوا أرباحا من الاستثمار فى قطاع العناية الصحية بنسبة زيادة وصلت إلى 50.3 بالمائة بقيمة قاربت 660 مليار دولار.
هكذا إذن هى المفارقة التى تكشف عن الوجه الحقيقى والطبيعى للنظام العالمى الجديد الذى بدأ يطل على الوجود من رحم جائحة شرسة وخطيرة، إذ فى الوقت الذى يدفع الضعفاء ضريبة غالية جدا جراء الظروف القاسية والصعبة التى فرضها انتشار فيروس غير مرئي، وتمثلت هذه الضريبة فى فقدان مكونات العيش الكريم، خصوصا ما يتعلق بمصادر الرزق، مما أضحى يهدد بتفاقم مذهل لكارثة المجاعة التى كانت منتشرة، ولكن ظروف وشروط الجائحة وفرت لها ركاما هائلا من الحطب لتزداد اشتعالا والتهابا، فإن هناك فئة قليلة من الأشخاص، لا يتجاوز عددهم مجموع سكان حى واحد فى أصغر مدن العالم، راكموا فى نفس الظروف ثروات مالية طائلة ومذهلة تكشف بعض المصادر خصوصا منظمة (أوكسفام) أن 26 فقط من هؤلاء الأثرياء تفوق ثرواتهم ما يملكه أفقر نصف سكان العالم مجتمعين، بمعنى أن هذا العدد القليل من الأشخاص يحوزون ما كان يجب أن يكون بين أيادى مئات الملايين من سكان كوكب الأرض، أو بمعنى آخر إن مايدخره 26 شخصا فــــى العالـــم من أموال وثروات، يستطيــــع القضاء على الفقر بنسبـــة النصف، أو بالأحرى بمقدوره تخفيض معدل الفقر فى العالم إلى ما دون النصف.
قد يكون صحيحا أن جائحة كورونا ليست مسؤولة عن كل ما حدث، بل إن هناك عوامل أخرى كانت موجودة قبلها، تتحمل مسؤولية هذا الاختلال الكبير والفظيع فى توزيع الثراء العالمي، بما يضمن العدالة والمساواة، خصوصا ما يتعلق بفساد النظام الاقتصادى العالمى وزيادة انتشار بؤر المجاعة بسبب النزاعات المسلحة والتغيرات المناخية، ولكن الحقيقة تؤكدأن كل هذه الأسباب كانت سائدة ومنتشرة قبل الجائحة، لكن ثروات أكثر الأشخاص ثراء فى العالم زادت وارتفعت بمستويات لافتة فى زمن الجائحة، وقد تساعدنا على فهم حقيقة هذا الوباء وأسباب خروجه المفاجئ إلى الكون، وقد يتعلق الأمر بأحد أهم الأسرار التى قد يكشف عنها المستقبل.
إنه سر من الأسرار التى ستساعدنا، حال انفلاتها من التعتيم، على فهم جزء مما حدث إلى اليوم.
< نقيب الصحفيين المغاربة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة