محبة النبى

د. محمد إبراهيم العشماوى أستاذ الحديث الشريف وعلومه فى جامعة الأزهر

السبت، 17 أبريل 2021 - 05:49 م

الأخبار

إنَّ محبَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ مالم تنبِضْ بها القلوبُ نبْضَاً، وتنتَفِضْ لها الجوارحُ نَفْضَاً؛ فهى محبَّةٌ جافَّةٌ باردةٌ، لا تنطوى عليها إلَّا قلوبٌ جامدةٌ،لم تعرِفْ من الحُبِّ إلا اسْمَهُ، ومن المحبوبِ إلَّا رسْمَهُ، ومثلُ هذه المحبَّةِ يكون فى أصحابها جفاءُ خُلقٍ، وقسوةُ طبْعٍ،والمحبَّةُ التى نعْنِيْهَاْ هنا هى مِنَّةٌ من الله يمُنُّ بها على من يشاء من عباده، دون سببٍ منه، إلا محْضُ الاصطفاء الإلهي، ومع ذلك فهى قابلةٌ للكسْبِ، حصولاً وزوالاً، وزيادةً ونقصاً، بحسب الاجتهاد فى الأسباب،ولقد رأيتُ خَلْقَاً من العوَامِّ، ممَّنْ كنتُ أحسبُهم جُفاةَ الطَّبْعِ؛ يَبْكُون عند سماع اسْمِ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويتحرَّقون شوقاً إليه، ويَفْدِيه أحدُهم بنفسه وماله، ولا يُطيق أن يسمع عنه ما يُؤذيه، ورأيتُ نفراً من أهل العلم، كنتُ أحسبُ أن العلم ليَّنَ من طبْعِهِ، فإذا بهِ لم يَزِدْهُ إلا قساوةً.. ورأيتُ أحدَهم وهو يتبجَّحُ بالقولِ بأنَّ والدى المصطفى صلى الله عليه وسلم فى النار،فقلتُ له: يا أخي، أقلُّ ما قيل فى المسألة التوقُّفُ، فلْنَتَوَقَّفْ، ولْنَتْرُكْ علْمَها إلى الله، ولا نؤذى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالخَوْضِ فيها؛ فإن ذلك يؤذيه وإن كان حقَّاً،فقال: نعَمْ، هو حقٌّ، وهُما فى النَّار، لأنهما كفَّارٌ، والحديثُ صحيحٌ، رواه مسلمٌ، وأيُّ حيلةٍ لتأويلِه فباطلةٌ.. فقلتُ: سبحان الله لو كانا قَتَلَاْ أبوَيْكَ ما فعلْتَ ذلك، ولسْتُ أجرِّدُ مثل هذا المنسوبِ إلى أهل العلمِ من محبَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم؛ فإنه لا يخلو مسلمٌ منها، ولكنِّيْ أقول: أعماه العلمُ ـ بِزَعْمِهِ ـ عن حقيقة المحبَّةِ، وأوقعَهُ حبُّ التقليدِ فى براثنِ الوعيدِ؛ لأنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلمَّ من حيث لا يدرى، لكثافةٍ فى طَبْعِهِ لم تُلَطِّفْهَاْ المحبَّةُ، بل زاده العلمُ المجرَّدُ منها، فسبحانَ مَنْ أعطى قوماً، وحَرم آخرين.