التفاصيل الكاملة لمذبحة "أبو حـــــــــزام" بقنا
التفاصيل الكاملة لمذبحة "أبو حـــــــــزام" بقنا
الثلاثاء، 08 يونيو 2021 - 02:42 م
أخبار الحوادث
كتب :أبو المعارف الحفناوي
..قرية صغيرة في حضن الجبل، لا يتعدى سكانها ثلاثة آلاف نسمة، تبعد عن مدينة نجع حمادي كيلو مترات قليلة، تقع شرق النيل، عُرفت منذ القدم بأنها قرية الدم والنار، بعدما أنجبت أكثر من مجرم شديد الخطورة، تعارف عليه الناس باسم خط الصعيد، منهم من حُكم عليه بالإعدام، ومنهم من قتل أثناء مداهمة قوات الأمن الجبل بحثًا عنه، ومنهم ما زال سجينا يقضي مدته خلف الأسوار، كل ذلك جعل من القرية ملاذًا للمجرمين، وأصبح الجبل مقصدًا للهاربين، لعقود طويلة، أفقر القرية من الخدمات الصحية والتعليمية والتثقفية والبنية التحتية، وجعل المسئولون يتباطئون في تقديم الخدمات للقرية خشية السرقة أو التعدي على المنفذين لهذه الخدمات.
عاشت أبو حزام، سنوات طوال بين الحزن والإجرام والخلافات الثأرية، وانتشار الأسلحة، وبالرغم من ذلك أنجبت القرية مهندسين وصيادلة وأطباء، حاولوا تغيير المفهوم المتوارث عند بعض العائلات، والذي كان يتسم بالقتل وحيازة السلاح، خاصة بعد 25 يناير 2011، وما اعقبها من فوضى من انتشار الجرائم مع دخول كميات كبيرة من الأسلحة للقرية وأصبح شعار أي مشاجرة بين أي شخص من القرية استخدام السلاح، والذي يولد خصومة ثأرية يروح ضحيتها شباب وشيوخ سواء من العائلتين المتخاصمتين أو من خارجهما مما ساعد في اتساع دائرة الدم بين العائلات، في الوقت الذي طالب فيه كثيرون من أبناء القرية بضرورة وجود تمركز أمني بالقرية، فضلًا عن توفير كافة الخدمات لهم، معللين بذلك بأنه لا يوجد تنمية حقيقية تساعد الأهالي في الابتعاد عن الخلافات، إلا مع وجود فكر واعي وأيضَا توفير الخدمات في كافة الاحتياجات الضرورية.
وخلال الثلاث سنوات الماضية، شنت الأجهزة الأمنية بقنا، حملات موسعة للقضاء على السلاح في أبو حزام وحمرة الدوم وهي القرية الملاصقة لمكان المجزرة الأخيرة، وضبط الخارجين عن القانون، ونجحت في ذلك بشكل كبير، بعدما ضبطت أكثر من 10 أسلحة ثقيلة، وقرابة 400 قطعة سلاح تنوعت ما بين البنادق الآلية الطبنجات، وعشرات الآلاف من الطلقات النارية، وساعدهم في ذلك الأهالي أنفسهم، بتسليم الأسلحة حتى تعود القرية لطبيعتها، والتي كانت معروف عنها قبل انتشار السلاح، التآخي والوقوف بجانب بعضهم البعض، فأهل القرية يتميزون بكرم الضيافة، إلا أن وجود بعض العناصر شديدة الخطورة بها، جعل الكثيرون ينظرون إليها نظرة عدائية.
خلال السنوات الماضية، هدأت القرية، وبدأ شبابها، يدشنون حملات فيما بينهم، وطالب المسئولون بالنظر إلى احتياجاتهم الضرورية، وبدأوا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في عرض مشاكلهم المتمثلة في عدم وجود طبيب مقيم بالوحدة الصحية، وعدم وجود تعليم كاف، وطرق متهالكة وأسلاك كهربائية ما زالت مكشوفة تصعق كل من يمر بجوارها، ومياه شرب غير صالحة، ومياه ري غير كافية لسد احتياجات الأراضي الزراعية هناك، وسط وعود من المسئولين بتلبية احتياجات المواطنين.
يوم المجزرة
في يوم خيم الحزن على القرية، وصف باليوم الحزين الدامي، بعد الأمل المرجو من الانتهاء من كافة المشاكل والخلافات الثأرية، لقي 11 من أبناء القرية بينهم سيدات وأطفال مصرعهم، بعد الهجوم على سيارة ميكروباص كانت قادمة من نجع حمادي، إلى القرية، بعدما أطلق مسلحون النيران عليها، والتي لم ترحم رصاصاتهم الانتقامية صغيرًا أو كبيرًا، وسالت دماء الضحايا على الطريق الغير مرصوف، واختلطت دماؤهم بالتراب، ذلك الطريق الذي طالما طالب أهالي القرية برصفه من قبل، وظلت جثثهم ومصابيهم لمدة ساعتين، حتى أتت سيارات الإسعاف لنقل الضحايا إلى المستشفى.
فور سماع الطلقات النارية، التي دوت في أرجاء القرية، لم يخيل لأبنائها، أن تكون هذه الطلقات تسببت في إصابة أحد، وهرع كثيرون إلى مكان إطلاق النيران، وهم يمنون أنفسهم بأن لا تعود القرية إلى الثأرمرة أخرى، وقتها الأمر كان صعبًا على الجميع، فالمناظر كانت مؤلمة للغاية، والمشاهد الحزينة ما زالت وستزال عالقة في أذهان الجميع، لم يتحمل أحد وقتها رؤية المشهد الدموي الذي لم تشهد القرية مثله من قبل.
وقف الأهالي وقتها حائرون ماذا سيفعلون؟
فهم عاجزون عن تقديم اسعافات أولية للمصابين، بادر البعض بالاتصال بالإسعاف والنجدة، التي أتت فور تلقيها البلاغ بعد ساعتين، فالجثث كانت متناثرة على الطريق، والدماء التي تنزف لم يستطع أحد أن يوقفها، وسط صراخ وبكاء الجميع سواء سيدات أو حتى رجال.
أسفر الحادث عن مصرع كل من، هدى سعيد نور، 8 سنوات، ومحمد سيد محمد،22 سنة، وحنان حمادة شاكر، 20 سنة، ويوسف مسعود نور، 15 سنة، وعادل حسين أحمد، 45 سنة، وسامي عبد الشكور محمد، 43 سنة، وفتحي عمر محمد حسين، 30 سنة، ونور الدين عبد الشافي محمد 65 سنة، وسعدات عبد الواحد محمد، 55 سنة ونجمية إسماعيل محمد، 45، وعلاء عبدالصبور سائق السيارة، وإصابة هدية شحات، وجمال عبد اللطيف، وصابرين أحمد، وأيوب وليد، 5 سنوات وثناء محمد، وناجح مسعد، 15 سنة.
شهود عيان
يروي شهود عيان للحادث الأليم، قائلين: انطلقنا على الفور إلى مكان الحادث، كانت النيران اخترقت السيارة التي كان يستقلها الأبرياء، حاولنا اخراجهم من السيارة، وبعدها شاهدنا دماءهم تسيل في كل مكان، فهناك أطفال ونساء وشباب وشيوخ، أصبحت أجسادهم ملطخة بالدماء نتيجة إصابتهم بطلقات نارية.
ويوضح شهود العيان: هنا في الحادث فقدت الأسرة عائلها الوحيد، وفقدت أسرة أخرى أطفالا ونساء، فمن بين الحادث مات يوسف وأمه وابنة عمه، ومات السائق، هنا 5 نساء قتلن، و 3 أطفال ما بين قتيلين ومصاب، فهو الارث المر الذي ابتلي به الصعيد الذي يتميز أهله بالشهامة والكرم.
ويتابع شهود العيان: أن المجزرة كانت صعبة للغاية، فعويل السيدات على فراق أقاربهن في الحادث كان سيد الموقف، وحضنهن للضحايا وتلطخهن بدمائهم كان حاضرًا، حاولنا انقاذ المصابين لكن دون جدوى، فأرواحهم فارقت الحياة، فبكاء الأطفال وصراخ السيدات وقت الحادث لم يشفع لهم من الموت بهذه الطريقة البشعة.
مشاهد
مشاهد مؤلمة عاشتها القرية، منذ وقوع الحادث ولاتزال مستمرة، بعد أن خيم الحزن على الجميع، روايات رواها البعض عن الحادث تبحث الأجهزة الأمنية في مدى صحتها، للوصول إلى الأسباب الحقيقية وراء ارتكاب المجزرة.
ووفقًا لروايات الأهالي لأخبار الحوادث، فإن سامي.ع، وهو المجني عليه الأول في الواقعة، وهو من عائلة السعدية، كان جالسًا مع سيف.ا، من عائلة العوامر، في منزل الأخير، وبعدها انتشر خبر مقتل الأول على يد الثاني بطلقات نارية، مما دفع أهل المجني عليه للانتقام من العائلة الأخرى، فخرج أبناؤه وأقاربه، في حالة من الجنون، حاملين أسلحتهم، قاصدين العائلة الأخرى للانتقام من قتلة المجني عليه، فرأوا سيارة تدخل إلى منطقة المتهمين، فأطلقوا النيران على كل من فيها، انتقامًا من قتلة المجني عليه، فلقي 11 مصرعهم وأصيب 6 آخرين، فالرصاص لم يرحم أحدا، بالرغم من أن من في السيارة هم ضحايا من خارج العائلتين، وهذا ربما يسهم في اتساع دائرة الدم مرة أخرى.
أهالي القرية، لا يعلمون حتى الآن ما هي الأسباب الحقيقية، وراء مقتل المجني عليه الأول، ولكن رجح البعض، أن سبب الواقعة، أن نجل شقيقة المتهم الرئيسي في مقتل المجني عليه الأول، كانت بينه وعائلة المتهم خلافات ثأرية، بعدما قتل نجل شقيقته منذ قرابة 4 أعوام، وطالبت والدته وشقيقة المتهم من أخيها ، النيل من أسرة القاتل، أخذًا بثأر ابنها، وبالرغم من أن المتهم كانت تربطه علاقة وطيدة مع المجني عليه، يودان بعضهما البعض، ودائمًا يجلسان سويًا، إلا أن يوم الحادث، طلب المتهم من المجني عليه، عدم الحضور إلى المنطقة حاملًا سلاحه، وذهب المجني عليه حاملًا سلاحه، ونشبت بينهما مشادة كلامية، تطورت إلى قيام المتهم بقتل المجني عليه، داخل منزل المتهم.
والبعض أوضح أن سبب المشادة بين المتهم والمجني عليه، خلافات بسبب لعب الكوتشينة، داخل منزل المتهم، بدأت بمشادات كلامية، تطورت إلى قتل المجني عليه، ومكثت جثته قرابة ساعتين في منزل المتهم، وفورعلم أسرته بالواقعة، بادروا بحمل أسلحتهم، للتخلص من قاتل المجني عليه، إلا أن حدة الغضب زادت، وأطلقوا النيران على السيارة المنكوبة، وقتلوا من بداخلها، ورصاص الغدر لم يرحم ضحايا من خارج العائلتين، وفروا هاربين، إلى الجبل المتاخم للقرية.
حاول أهل المجني عليهم إنقاذ ذويهم من الموت، لكن القدر كان أسرع، وانتقلت جثث الضحايا والمصابين إلى المستشفى، ومعها انتقل الأهالي والأقارب، وسط بكاء ونحيب السيدات على فراق ذويهن، وكسا الحزن والدموع جميع شوارعها، بعد سقوط ضحايا من سيدات وأطفال في الحادث.
نقل الجثث
مشاهد الحزن باتت واضحة في مستشفي نجع حمادي العام، التي امتلأت مشرحتها بـ 7 جثث من ضحايا الحادث، وتم نقل 3 جثث آخرين إلى مستشفى قنا الجامعي، وأصبح هناك 7 مصابين في الحادث، نقلوا إلى مستشفى قنا الجامعي لتلقي العلاج، وتم نقل 6 منهم إلى مستشفى سوهاج الجامعي لخطورة حالتهم، وبقى الطفل أيوب الذي أبكى الأطباء نظرًا لصغر سنه، داخل مستشفى قنا الجامعي، وبعد يومين توفي السائق علاء عبد الصبور، داخل مستشفى سوهاج متأثرا بإصابته ليرفع عدد ضحايا المجزرة إلى 11 قتيلًا.
مكث أقارب المتهمين أمام المشرحة ينتظرون الطب الشرعي، لتشريح الجثث، في مشهد تقشعر له الأبدان، فالحزن على الفراق كان قاسيًا للغاية، الدموع لم تجف في العيون، حتى الانتهاء من الإجراءات اللازمة، واستخراج تصاريح الدفن، وسط تعزيزات أمنية مكثفة، صاحبت الجثامين من المستشفى، وحتى مدافن القرية.
حكاية يوسف
يوسف مسعود، صاحب الأربعة عشرة عامًا، كان حديث أهل القرية، بعد أن قتل هو ووالدته وجده من أبيه، وابنة عمه اصغر ضحية في المجزرة وهي هدى مسعد، صاحبة الثمانية عشرة عامًا، أربعة من منزل واحد قتلوا، المنزل الذي كان عنوانه الفرحة رغم بساطته، يسكنه الحزن والدموع الأن أسرة كاملة في غمضة عين كانت ضحية الغدر باسم الثأر، المشاهد المؤلمة الأخرى، التي سجلتها مجزرة الدم في حضن الجبل، كانت عبارة عن جثتين لسيدتين مجهولتي الهوية، وقتها سادت حالة من الخوف معظم منازل القرية، فربما يكون الضحايا ضمن أبنائها، وبعد ساعات من البحث، كان الخوف سيد الموقف، تم التوصل إلى هوية الجثتين، وتبين أنهما من أبناء القرية، راحتا ضحية هذا الحادث المؤلم.
الهروب إلى الجبل
كشفت تحريات المباحث، أن المتهمين في الواقعة، هربوا إلى الجبل المتاخم للقرية، وهو جبل داهمته القوات أكثر من مرة ، وكان ملاذا لاختباء الهاربين من القانون، والمسجلين خطر، وتعد الأجهزة المنية خطة لاقتحام الجبل وضبط المتهين، لصعوبة تضاريسه ومدقاته الوعرة، التي ساعدت في انتشارالأسلحة وقدومها من السودان وليبيا عقب ثورة يناير.
الجبل المتاخم للقرية، وفقًا لمصادر أمنية، فقد كان مقصدًا لتجار الأسلحة، عقب أحداث 25 يناير، إذ أنه ساعد في جلب كميات من الأسلحة عبر مدقات صعبة، تصل إلى ادفو في اسوان، وأيضا مدقات جبلية تصل إلى سوهاج، وتم ضبط عدد كبير من المتهمين يختبئون فيه من قبل، كما تم إحباط تهريب شحن أسلحة، كانت تباع للعائلات المتخاصمة، وهذا ساعد في انتشار الثأر والجريمة.
والآن بعد وقوع المجزرة، انتقلت قوات أمنية إلى القرية، برئاسة اللواء محمد أبو المجد، مدير أمن قنا، ومسؤولين من وزارة الداخلية، للوصول إلى ملابسات الواقعة، وضبط المتهمين، واصطحبت عددًا كبيرًا من الأهالي وشهود العيان، إلى ديوان مركز شرطة نجع حمادي، للتحقيق معهم وسماع أقوالهم في الحادث.
وفرضت الأجهزة الأمنية كردونًا أمنيًا، بين العائلتين، للحد من تجدد الخلافات، ووقوع ضحايا ومصابين جدد، واستمعت لشهود العيان، في الوقت الذي بدأت فيه النيابة العامة، تحقيقاتها الموسعة لكشف ملابسات الواقعة.
وسيطرت حالة من الهدوء، على القرية وحل الهدوء ساكنًا، وإن الحزن ضيف ثقيل أيضا على أسر الضحايا والمصابين وجميع أهالي القرية، وأصبحت الشوارع شبه خالية من المارة، في الوقت الذي أدى فيه أهالي القرية صلاة الجمعة، بعد يومين من المجزرة، وتناولت خطبة الجمعة، الظلم بشتى أنواعه، وقتل الأبرياء بغير حق، وضبط النفس، والابتعاد عن الفتن، وردد الأئمة والمصلون الدعاء «ربنا يبعد عنا الفتن».
ودشن أهالي قرية أبو حزام، التابعة لقرى شرق النيل حملة على فيسبوك تحت عنوان «انقذونا» للمطالبة بتدخل المسئولين، لحل الخلافات الثأرية بالقرية.
وطالب الأهالي، بتوفير الأمن والأمان داخل القرية، فضلا عن الاهتمام بالقرية وتحقيق كافة احتياجات المواطنين من خدمات صحية وتثقيفية وتعليم ورصف طرق وتوفير مياه الشرب والصرف الصحي، وغيرها من الاحتياجات الضرورية للمواطنين لتحقيق تنمية حقيقية لهم والابتعاد عن الخلافات بين العائلات.
كما طالب أهالي قرى شرق النيل بنجع حمادي، وزارة الداخلية، بضرورة إنشاء مركز شرطة يخدم أهالي قرى شرق النيل، بعد انتشار الخلافات والأسلحة بالقرى.
وفي اليوم الثاني للمجزرة، شكلت الإدارة التعليمية بنجع حمادي، لجنة لمتابعة الأحداث الناتجة عن المجزرة، ومدى تأثيرها على امتحانات الشهادة الإعدادية، حيث أدى 130 طالبًا وطالبة امتحان الشهادة الإعدادية في هدوء بلجان أبو حزام الإعدادية، في جو يسوده الأمن والأمان والهدوء، رغم الأحداث الدامية التي شهدتها القرية وترتب عليها سقوط قتلى ومصابين خلال اشتباكات مُسلحة.