انتخابات الرئاسة الإيرانية.. معادلة تساوي صفر! 

صورة أرشيفية

الخميس، 17 يونيو 2021 - 02:53 م

محمد عبدالفتاح

يمكننا الحديث عن انتخابات الرئاسة في إيران ويمكننا تجاهل الأمر برمته، يمكننا  أن نتذكر موعدها ونتبع أخبارها أو لا نلقي لها بالا، بل يمكننا مخالفة المثل الروسي الشهير "لا تبع جلد الدب قبل صيده"، فمحصلة ما قبل الإستحقاق الرئاسي لا يختلف عما بعده، اللهم في اسم الرئيس الذي قد يتغير أو يبقى كما هو، أما عن السياسات و الرؤى و التخطيط و التنفيذ و التنظير، فكل ذلك في يد رجل واحد تقسم له كل مؤسسات الدولة بطاعة العمياء و ولاء غير مشروط.   اقرأ أيضًا: المرشحون لرئاسة إيران يتبادلون الاتهامات بالخيانة   هذا الرجل هو المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي صاحب ال82 عامل, و  ثاني مرشد في تاريخ إيران منذ قيام ثورتها الإسلامية عام 1979,ويشغل منصبه منذ 31 عاما,خلفا لمؤسس الجمهورية الإسلامية و قائد ثورتها "أية الله الخوميني".   لا أحد يمكنه أن ينازع الرجل فيما يملكه من سلطات و صلاحيات, فقوات "الباسيج" (ميليشا أمن  داخلي) وكذلك قوات "الباسدران"(الحرس الثوري الإيراني) لا تقسم بالولاء إلا للمرشد, و الشيئ ذاته يفعله القضاء و البرلمان و مجلس حراس الثورة و جمعية الخبراء, و قبل كل هؤلاء مؤسسة الرئاسة و السيد رئيس الجمهورية أيا كان شخصه أو توجهه. ويتكون الحرس الثوري الإيراني"الباسدران" من 150ألف مقاتل,و يتلقى قادته التعليمات من مكتب المرشد مباشرة,و يتمتعون بإمتيازات و أسلحة أكثر تطورا عن تلك التي يمتلكها الجيش النظامي نفسه,و يتحكم "الباسدران" في ثلث الإقتصاد الإيراني, و يضم جناح للعمليات الخارجيه معروف بإسم"فيلق القدس". إذا , من يحكم إيران ؟ ذلك السؤال ,الذي يحمله عنوان كتاب للباحث "ويلفريد بوشتا", الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى, يسأله كل الدبلوماسيين الغربيين و قادة أركان جيوش أوروبا، الذين يتفاوضون منذ سنوات ,مع نظراؤهم الإيرانيين,  حول برنامج طهران النووي, و تبدو الإجابة على هذا السؤال في غاية البساطه: إنه الله . فطبقا للمادة الثانية من  الدستور الإيراني :" الله يمارس السياده المطلقه في إيران و يشرف على إعداد القوانين". بالنسبة للسلطة على الأرض فإن من يمارسها,طبقا للمسلمين الشيعه, فهم الأئمة المنحدرين من نسل الإمام علي بن أبي طالب ,ابن عم النبي محمد (ص),و أخرهم الإمام المهدي المنتظر الملقب ب"الحي الغائب" أو"معلم  الزمان" الذي اختفى حينما كان عمره خمس سنوات,و يقول الشيعه أنه سيظهر أخر الزمان ليخلص البشريه مما هي فيه من تخبط و ضلال,و على مدار قرون كان كل أئمة الشيعه يحرمون على رجال الدين ممارسة السياسة لأن ذلك من وجهة نظرهم بمثابة اغتصاب لسلطة الإمام المهدي المنتظر,غير أن الإمام الخميني استطاع تغيير هذه الفكرة بعد ألاف السنوات,و أفتى,خلال فترة نفيه بفرنسا و قبيل سقوط نظام الشاه مباشرة,بأنه يتعين على رجال الدين المتفقهين فيه ممارسة دور الإمام المهدي المنتظر حتى يظهر ذلك الأخير, و من هنا أنشأ الخميني مذهبه الشهير المعروف بإسم "ولاية الفقيه",الذي يمنح رجال الحوزه العلمية الدينية سلطات غير محدوده في التنظير لرجال السياسه و إملاء عليهم ما يجي و مالا يجب فعله,و بالمخالفة لإعتقادات ظلت راسخه عند المسلمين الشيعه لعقود من الزمان ,جاءت الماده الخامسه من الدستور الإيراني لتنص على:" في ظل غياب معلم الزمان-عجل الله بظهوره-فإن السلطة تؤول لإمام عالم, عادل, زاهد, فقيه ,و لديه قدرات إداريه".   من هو الإمام الفقيه في إيران حاليا ؟ هو بلا شك علي خامنئي ,الذي يتمتع بصلاحيات شبه إلهيه,ذلك الرجل الذي وضعته مجلة "فوربس",عام 2012, في المرتبة الحادية و العشرين في قائمة أقوى و أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم.  عند توليه منصبه كمرشد أعلى عام 1989 لم يكن سوى"حجة الإسلام"(إحدى الدرجات الدينية فوق متوسطه عند أئمة الشيعه),و لكنه بين عشية و ضحاها حصل على لقب "أية الله" و هي درجة عليا,كان من المفترض ألا يحصل عليها قبل عشر سنوات من التعمق في الدراسات القرأنيه,و خلال فترة توليه منصبه تعاقب عليه أربعة رؤساء هم : هاشمي رفسنجاني و محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد و الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني, و بالرغم مما شهدته عقودهم الثلاثة من تغيرات و أحداث دراماتيكيه,فلا أحد يحمله مسئولية أي شيئ مما حدث: تضاعف سعر الخبز ثلاث مرات و اللحم سبع مرات ؟ فالمسئول عن ذلك هو رئيس الجمهورية ووزراءه و سياساته. سياسيون يتمتعون بشعبية كبيره(مثل الرئيس السابق أحمدي نجاد ومن قبله هاشمي رفنسنجاني) تم منعهم من الترشح للإنتخابات؟ المسئول عن ذلك هو مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يعتمد أوراق المرشحين . مظاهرات تم قمعها بعنف و سالت دماء المتظاهرين؟ يسئل عن ذلك ميلشيا "الباسيج" الشعبيه التابعه للحرس الثوري الإيراني(الحرس الثوري المعروف بإسم الباسدران غير الجيش النظامي التابع للدولة). في يونيو 2009,بينما كانت الغالبية العظمى من الشارع الإيراني محتقنه ضد خامنئي بعد الانتخاب المثير للجدل للرئيس محمود أحمدي نجاد,الذي تلقى دعما ماديا و معنويا غير محدود من مكتب الإرشاد في مواجة منافسه "مير حسين موسوي", وما أعقب ذلك من احتجاجات واسعه عمت المدن الإيرانيه و سقط فيها مئات  القتلى و المصابين , ظهر خامنئي لأول مرة علنا عقب انتخاب نجاد بأسبوع, في صلاة الجمعه و صلى بالجماهير إماما ,رغم تقارير أمنيه حذرته من مغبة ذلك, وعلق باقتضاب على فوز نجاد في ذلك الوقت بالقول:" لا يمكن إنكار أن فوزه أمر إلهي,و من اعترضواعليه يتحملون وحدهم مسئولية الدماء التي سالت",و خرجت بعد تلك التصريحات موجه احتجاجيه أخرى و لكنها محدوده و تغير فيها الهتاف من " أين صوتي الإنتخابي" إلى "الموت للمرشد". وانتهى الأمر بعودة المتظاهرين إلى منازلهم,التي لاتشبه بأي حال من الأحوال منزل المرشد الأعلى, ذلك القصر المنيف الذي يعمل به ألاف الموظفين,و به وحدات مراقبه سياسية تتبع أداء الوزراء و المحافظين و البنوك  و مسئولي المؤسسات الدينيه, فضلا عن وجود مبعوث خاص من قبل المرشد الأعلى في كل مؤسسه من مؤسسات الدوله , يرسل تقاريره أولا بأول عن كل كبيره و صغيره,حتى يكون المرشد الأعلى على دراية بكل ما يحدث. "خامنئي" لا يجري أي مقابلات صحفيه و لا يغادر إيران لأي سبب من الأسباب, و لم يلتق في منزله سوى بعدد محدود من رؤساء العالم ,كان أبرزهم الروسي فلاديمير بوتين و الرئيس البرازيلي السابق لولا دي سلفا,و في ظهوره العلني أثناء صلاة الجمعه أو أي مناسبة دينية, يحظر على الحضور توجيه أي سؤال للرجل, المعروف عنه قليل من المعلومات أبرزها متابعته للصحف الأمريكيه و إعجابه بالمفكر الفرنسي"جان بول سارتر", و أنه دائم التفكر في تجربة الحكم الشيوعي و انهيار الإتحاد السوفيتي عقب قيام أخر رؤسائه"ميخائيل جورباتشوف" بإتباع سياستي "البروسترويكا" و "الجلاسنوست". و بخلاف ذلك فإن الكلمات الطاغيه على خطاب الرجل هي  تحذير لا يتوفغ من أعداء الخارج المتآمرين على إيران و غالبا ما يخص بالذكر إسرائيل و الولايات المتحده,و دائما ما يصفهما "بقوى العجرفه الشيطانية السرطانيه الرجعيه القمعيه الإمبرياليه التآمريه السامه". منذ توليه منصبه ,لا يكاد يمر على خامنئي إلا و اتخذ فيه إجراء يعزز من سلطته ووضعه المهيمن على كل أجهزة الدولة,  من خلال خلق حالة من المركزية الشديدة في كل المؤسسات ,لا سيما الحساس منها,بحيث يكون هو المصدر المتحكم في كل شيئ, فطبقا للمادة 110 من الدستور الإيراني,التي تمت إضافتها في عهده, فإن المرشد الأعلى هو من يعين مدير عام التلفزيون و الراديو الملحيين و كل قادة أسلحة الجيش "!. و لكن المعضلة لا تكمن هنا فقط و لكن في النصوص الدستورية المعقده و المتشابكه لدرجة تجعل من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانيه, رجل بحصانة و  بصلاحيات لم يعرفهما أي حاكم في تاريخ البشريه,فمن الناحية النظريه فإن جمعية خبراء النظام التي تضم 86 من رجال الدين يمكنها عزل المرشد واختيار خليفة له,و لكن الأعضاء ال86 يتم اختيارهم بمعرفة مجلس الحرس الثوري البالغ عدد أعضاؤه 12 فرد,يقوم المرشد بتعيين نصفهم فيما يتم اختيار النصف الأخر بأصوات أعضاء البرلمان بناء على توصية من وزير العدل الذي يعينه المرشد!.