في رثاء الشاعر الأخير .. مصر وسعدى يوسف
الأحد، 20 يونيو 2021 - 10:35 ص
أخبار الأدب
د.أحمد مجاهد
كانت هذه هى المرة الأولى التى ألتقى فيها سعدى يوسف فى ليلة من تلك الليالى التى يقول عنها فى قصيدته "العواصم تتداعى":
تلك البلاد لنا
والعواصم فيها عواصمنا
نحن أشرارها
نحن أخيارها
نحن عشاقها المنتهون إلى القتل
كنا كذلك فعلا فى تلك الليلة، الشاعر سعدى يوسف، والشاعر الصديق عبد المنعم رمضان، والناشرة الصديقة سوسن بشير، حيث كنا نحتفى بصدور مختاراته الشعرية عن دار آفاق.
وإذا كان سعدى لا يرى فروقا جوهرية بين العواصم العربية، حيث بدأ قصيدته السابقة قائلا:
كلما جئت واحدة من عواصمنا العربية صليت ... ها أنت ذى!
حتى يصل إلى قوله:
ولتكونى حلب لتكونى المعرة، والقاهرة
لتكونى الرباط دمشق طرابلس الغرب والقيروان
فقد كان تيار المحبة والثقافة أيضا يدور فى هذه الأجواء، حيث تطرق الحديث إلى ما نشرته حينها بهيئة قصور الثقافة فى طبعات شعبية من مؤلفات لأدونيس مثل ديوان الشعر العربى وبعض دواوينه الشعرية، والأعمال الكاملة لأنسى الحاجبواسطة صديقى الشاعر عبد المنعم رمضان، وقد كانت هذه الطبعات مهداة من مؤلفيها مجانا لمصر.
وقد أبدى سعدى إعجابه الشديد بهذه التجربة، ولما بلغ الود بيننا منتهاه فى منتصف السهرة تقريبا قطع عبد المنعم رمضان الكلام موجها حديثه لى: إيه رأيك لو تنشر الأعمال الكاملة لسعدى يوسف؟
فأجبته قبل أن يكمل جملته: يشرفنى بكل تأكيد.
فقد كان لمصر فى نفس سعدى يوسف مكانة خاصة له أكبر منها عندى بوصفه شاعرا كبيرا. وقد اختص سعدى مصر بقصيدة "عوامة النيل"، التى كتبها بلندن عام 2005، ونشرها فى ديوانه "حفيد امرئ القيس"، ويقول فيها":
"أدخل مصر. إذا! حجر رملى وجرانيت، وأصباغ من نبت منقرض، وتماثيل لآلهة بشر، وطيور، وتهاليل إلى قطط، وتماسيح، وصحن من ألسنة العصفور".
بعد يوم أو يومين على الأكثر كان بيننا موعد آخر، جاء سعدى إليه حاملا خمسة مجلدات من أعماله الكاملة مطبوعة بدار المدى، بالإضافة إلى ديوان "حفيد امرئ القيس" المطبوع بها أيضا، وديوان "الشيوعى الأخير يدخل الجنة"، المطبوع فى دار توبقال.
وقد تعهد سعدى بالحصول على موافقة الناشرين على طبعة مصرية شعبية مجانية، وقد فعل، بالإضافة إلى تنازله شخصيا عن حقوق التأليف.
لكن الهدية الأكبر كان قد كتبها للتو بخط يده، على ورقة صغيرة أخرجها بمحبة بالغة من وسط صفحات أحد المجلدات قائلا، هذا إهدائى الخاص للقارئ المصرى:
يا صديقاتى وأصدقائى
طلقة هذه الروح ..
مجنونة.
هى لا تشترى بالفداحة غير عذاباتها.
تستجير بـ "رامبو" لتأخذ من شحنات
بنادقه الحبشيات واحدة.
تهبط الليل فى الماء،
مأخوذة بارتعاشات بشار المحتضر.
أيتها الصديقات
أيها الأصدقاء
لكم
منى
تحية
وسلام ...
هذه القصيدة لم يرها أحد من قبل أو من بعد، وقد اتفقت معه على أن تنشر بخط يديه على ظهر الغلاف الأخير لكافة أجزاء الأعمال الكاملة. ولأسباب ليس هذا موضعها لم أتمكن من نشر طبعة مصرية لهذه الأعمال حتى الآن كما تمنى المبدع الكبير.
فقط أحببت أن أقول له نحن نحبك كما أحببتنا، ونقدرك كما قدرتنا، ونتمنى صدور هذه الطبعة المصرية أكثر منك بكثير.