د.مني حمدي استشاري الصحة النفسية
د.مني حمدي استشاري الصحة النفسية


الغش في امتحانات الثانوية آفة مجتمعية أم اضطراب نفسي؟ استشاري صحة نفسية تجيب

فاتن زكريا

الإثنين، 12 يوليه 2021 - 07:52 م

"ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة آفة مجتمعية أم مرض نفسي أم مخالفة أخلاقية ودينية؟!"، فعلى الرغم من تطبيق وزارة التربية والتعليم لنظام امتحانات جديد في الثانوية العامة تعتمد أسئلته على قياس مهارات الطلاب، إلا أن هذا لم يمنع حدوث ظاهرة الغش في الامتحانات، ولم يقضي عليه، حيث نجحت وزارة التربية والتعليم منذ بدء الامتحانات أول أمس السبت، في ضبط 46 حالة غش جميعها تستخدم أدوات حديثة في الغش.

وقالت الدكتورة منى حمدي، استشاري الصحة النفسية، في تصريح خاص لـ"بوابة أخبار اليوم"، إن ممارسة الغش بالامتحانات تحولت إلى سلوك معتمد بحكم العادة والاعتياد والممارسة والميل للاستسهال لضعاف الطموح وفقيري العقل والباحثين عن الوجاهة التعليمية السطحية المزيفة واعتماد وتصديق المجتمع لهذا الميل والممارسة.

وأضافت أن الخلل القيمي والأخلاقي الذي أصاب الشخصية المصرية والمجتمع المدني جعل البعض لا يرى أدنى غضاضة في الغش والنجاح بل والتفوق دون استحقاق بل الأكثر يرونه حق أصيل وليس حتى مكتسب لمجرد ما دفعوه من مال بالدروس الخصوصية والكتب الخارجية، وما استهلكوه من قلق وتوتر نابع من ذاتهم الكسولة غير القادرة على التفكير والمسلك الصحيح وللرؤية الواضحة وما رأوه من ممارسات سابقة للغش على مدى سنوات طويلة ونتائجه بدخول الغشاشين كليات القمة رغم تدني مستواهم الذي لا يَخفى عن أحد بل وتبجح البعض بالتباهي بالغش كنوع من أنواع الشطارة والفهلوة التي أصبحت أحد ملامح الشخصية المصرية المستجدة لدى غالبية لا يستهان بها.


وأوضحت د. منى، أنه وفقًا لعلم النفس فإن غشاشي الثانوية العامة وأولياء أمورهم يمارسون بعض أنواع حيل الدفاع النفسي حتى لا يشعروا باحتقار الذات والشعور بالدونية فهم يمارسون الإنكار لحقيقة ضعف عقولهم وانخفاض ذكاء ومستوى قدرات أبناءهم ويلصقون العيب بالمناهج، أساليب ومستوى الامتحانات، القلق والتوتر، ضعف البنية وقلة التغذية، أو عدم التركيز، فحالة الإنكار هذه تحتفظ لهم بالصورة المرغوب فيها لأبنائهم ولنتاج نسلهم بعيدا عن الاعتراف بغباء أو ضعف قدرات أبناءهم والموروث في الغالب منهم، ويعضده عزوف عن التعليم وعدم المذاكرة تحت شعار "أنا ابني شاطر وذكي لكن...."، ثم يمارسون حيلة أخرى من حيل الدفاع النفسي وهي التبرير لمزيد من تجميل القبيح وتمرير السلوك المشين، فالأسباب والمبررات جاهزة ومرتبة ومقنعة "فالكل يغش أو هو مذاكر بس متوتر أو الامتحانات صعبة أو الوزارة ظالمة أو ابني تعب السنة دي أو دفعنا دم قلبنا في الدروس، أنا عايزة ابني دكتور اشمعنى فلان وفلان هما برده غشوا ابني لازم يبقى دكتور أو مهندس".

وتابعت استشاري الصحة النفسية: "ثم يأتي دور الحيلة الكبرى التي تسوق أفراد ومجتمعات كاملة وهي عقلية القطيع والانسياق خلف الشائع والمستصاغ والمعتاد"، مشيرة إلى أن اعتياد السلوكيات السلبية يكسبها قوة وتكرارية ومرور آمن كأن لا شيء غريب يحدث ويعطيها تصديق وتوثيق بالممارسة والتداول.. ثم تأتي شخصية مراهق وشاب اليوم الذي يرى في نفسه استحقاق وهمي خلقته التكنولوجيا ووسائلها بأنهم فريدو العصور والمحظين بالذكاء الخارق والقدرات غير المسبوقة، "فلما لا أغش وأنا فريد القدرات سأذاكر واجتهد بالكلية"، المهم أن ينال الوجاهة التعليمية والاجتماعية التى يهبها له مجموع الثانوية العامة.

واستطردت: "ثم المدرس الضلع الشريك في الزور والغش عندما جعل رزقه من جيب الطالب وأهله فأصبح كسير العين ومطالب باعتماد الغش في كل مكان وكل لجنة، ليستمر في محلبة الدروس الخصوصية وإن كانت الوزارة شريكة في انحداره لهذا المنحدر بتدني راتبه، وعدم توفير وضع لائق به ماديا واجتماعيا، لتجتمع كل هذه الأسباب مع انحراف التعليم عن هدفه ومساره الأساسي في تطوير المعارف وتكوين بنية عقلية مثقفة مفكرة قابلة للنمو والتطور والإبداع وتنمية القدرات الذهنية والمهارية أكاديمية وعملية وترسيخ خلفية أخلاقية وقيمية يقظة، سواء كان عن سوء تخطيط أو فشل في التنفيذ أو ضبابية الأهداف، ليتحول إلى سباق لحصد درجات ونيل شهادات دون استحقاق للاستعراض والتباهي الأجوف ودون أهلية لمستوى معين من الدراسة والتخصص وممارسة مهن لا تناسب قدراتهم العقلية ليكون التنبأ والتطور الطبيعي لمستوى المهن بعد ما يقرب من عشر سنوات قلت أو زادت سوق عمل دون المستوى منعدم العلم والحرفية والمهنية بأهم قطاعات العمل الطب والصيدلة والهندسة والتعليم التي تتعامل بعمق بحياة المواطن".

وأشارت د. منى حمدي، إلى أنه مما لا شك فيه أن غشاش الثانوية العامة مضطرب وهو جاني ومجني عليه فهو ضحية مجتمع اعتمد الغش وضحية والديه الذين يمارسون عليه أقسى أنواع الضغوط منذ سنوات التعليم الأولى استعدادا لتلك السنة، وذلك نتيجة شعورهم بالنقص لعدم رضاهم عن وظائفهم مستواهم الاجتماعي والشهادة التي حصلوا عليها ورغبة في تحقيق أحلامهم الخاصة في أبنائهم ليزيلوا بعضا من الغصة بحلوقهم - لم تزول مع الأيام من نتيجتهم بالثانوية العامة، وما لم يحققوه ثم هو ضحية نظام تعليمي غير مستقر وغير محقق ولا ناجز.

ولفتت استشاري الصحة النفسية، إلى أن غشاش الثانوية العامة أحيانا كثيرة هو بذرة المرتشي والفاسد والسيكوباتي والمجرم أو المريض النفسى الذي يعجز عن الاستمرار ف كلية فوق قدراته دخلها بالغش والمنهار مهنيا ونفسيا عن ممارسة مهنة لم تخلق له ولا توازى قدراته.

وقالت د. منى: "يجب أن نفرق بين الطالب المتفوق الذي قد يتاكد من إجابته وبين ذلك الذى ينقل ورقة اجابات كاملة بطريقة او باخرى من طرق الغش وهو لم يذاكر أو لا يرقى لمستوى ما سرقه من مجهود غيره، فالأول والأخير هي سرقة وخيانة أمانة وخداع للذات وتحميل النفس ما يفوق قدراتها أنها ممارسة مريضة ومُمْرضة ناهيك عن الحنق والغصة والإحباط الذي يصيب صفوة المجتمع من الطلبة المتفوقين بمساواتهم بضعاف المستوى والجهد، عسانا نتخلص منها فعواقبها جد وخيمة علي الفرد الغشاش والمتفوق والمجتمع ومستوى الخدمات والمهن بالمستقبل".

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة