سلمى قاسم جودة
سلمى قاسم جودة


لحظة وعى

سلمى قاسم جودة تكتب : تنهيدة البحر

آخر ساعة

الأحد، 01 أغسطس 2021 - 02:51 م

مملكة البحر تغزو الحواس باللون.. النغم.. الرائحة والمذاق.. ترنيمة سحرية يزفها البحر تحاكى المناجاة يأنس  لها الجميع، فلا أحد ينجو من الغواية البحرية، وشوشة الأمواج الصاعدة، الهابطة الثائرة، الهاجعة أقرب إلى أنفاس عاشق أنهكه الغياب والغموض.. البحر هو تاج الوجود وأروع أسراره، فى أغواره الكنوز المرصودة، فى كل لحظة يلفظ النفيس والزهيد، فى حضرته تتجمل الفصول، الخريف، الشتاء، الربيع والصيف، وبحر الإسكندرية يحظى بالروعة الاستثنائية، فهى تبدو مدينة خيالية تصدح بالتاريخ والذكريات العامرة بروح الأمكنة.. سطر نجيب محفوظ فى السمان والخريف ونظر إلى السماء المتوارية وراء ظلمات السحب وقال إن الخريف  فى الإسكندرية  روح من أرواح الجنة وهو مغسل لجميع الأحزان.. وأن جميع الأحزان ما هى إلا أوهام.

أول نظرة من الشرفة البحرية تكون دوما لمعرفة مزاج البحر.. الراية بيضاء، حمراء أم سوداء فمزاج الكائن الأزرق المطلسم يحاكى النفس البشرية فى تقلباتها، فدوام الحال من المحال.

الأصيل البحرى جدارية فاتنة تسكن مخيلتي، تكتنز لحظات مصطفاه. نحن الآن فى فندق سان ستيفانو، هو بمثابة الفردوس المفقود، سينما سان ستيفانو والحديقة الشاسعة حيث شاى الخامسة مع الإنجليش كيك بحبات الفاكهة المجففة حمراء، خضراء، صفراء أشبه بالياقوت، الزمرد  والزبرجد.. أذكر هناك مع جدتى مذاق الآيس كريم دائما فى كئوس فضية مع بسكويت اللونج دى شا أو ما يعنى  لسان القطة، فى أى مكان فى مصر كان يقدم الجيلاتى مع هذا النوع من البسكويت.

سان ستيفانو العريق يسكن صفحات الأدب الخالدة فى رد قلبي ليوسف السباعي، البنات والصيف لإحسان عبدالقدوس، وكانت تقام من خلاله مسابقات الجمال، أقتفى دوما أثر الأمكنة فى تلك المدينة البحرية، الأسطورية التى إليها العالم بأسره كان يأتى، يقيم، يعمل، يحلم ويستمتع، هى أشبه بالمحارة الحبلى بالدر والجوهر. الرواية تحاكى مرآة تطوف الشوارع هذا ما سطره الأديب الفرنسى ستندال وهو ما أنهل  منه عندما  ألوذ بعالم إحسان عبدالقدوس، هو يتوغل فى غياهب المجتمع، يعرى النفس البشرية، يشرحها، ينقل أدق تفاصيلها من الظلمة إلى النور، يخلد الزمان والمكان، ينقل النشوة إلى كل من يدلف إلى عالمه الشاهق الجاذبية والسلاسة، كتب فى البنات والصيف لأ.. فى المعمورة.. أنا ما بقدرش أروح ميامى بيتهيأ لى إن كل حاجة هناك بترقص روك آند رول.. البنات والأولاد والشماسى والكباين والكلام والأفكار، والجرسونات والغطاسين.. كل حاجة هناك بترقص روك آند رول.. البنات ماشيين يقولوا روك.. والأولاد ماشيين يقولوا رول وأنا مابحبش الروك ولا الرول؟ قالت وابتسامتها تملأ وجهها   المعمورة بترقص تانجو.. مش كده؟

الهواء البحرى المشبع بالملح، اليود، الشوق والخيال ينعش الذاكرة أنا الآن أرتد إلى مراهقتى، نجوب بسيارة قمر فى لوران، رشدى وجليم الكلاكس يصدح بنغمة: يا واد يادقدق يا ابن الإيه مادام تحب بتنكر ليه.. نقف لحظات أسفل كل بناية وكل فتاة تنزل حاملة حقيبة من القش الزاهية الألوان لزوم الذهاب إلى البلاج، الكابينة فى سميراميس بالمنتزه نحن الآن فى هجير النهار، الرطوبة فى ذروتها والشمس فى قمتها، ونسعى جميعا لاكتساب اللون النحاسى، البرونزى الفاتن، أصداف بائرة بلون الفضة والورد تتناثر على الرمال الذهبية الساخنة، أمينة صديقتى الحميمة لا يفارق يدها الكتاب، ضياء الشمس ولون الرمال المذهبة والشاى بلون الكهرمان فى عينيها، الآن يظهر المجد والوهج، رشدى أباظة يأتى للاطمئنان علينا وكأن السينما المصرية بأسرها أجدها تضوى أمام عينىّ، مبهورة  أتأمله، أسترجع أفلامه بطعم الإسكندرية: لقاء فى الغروب، لا أنام، رد قلبي، طريق الأمل، الطريق، الحياة حلوة كأس وردية الفوران، بهجة أينعت فى مواجهة الأمواج أكاد أتخيلها مرصعة ببنات بحرى لمحمود سعيد قال: آه⊃ مدينتى التى أعشقها.. البحر الممتد فى رحلة بلا نهاية.. رحلة عاصفة تارة وهادئة تارة أخرى، كورنيش الإسكندرية بتعرجاته وتنوعاته. لقد كتب د.نعيم عطية عن علاقتى الحميمة بالبحر قائلا: إن جوهر فن محمود سعيد هو الزواج بين الحسية والروحانية والتوحد المتوازى بين الثابت والحركة.. وليست كل هذه الصفات بمنأى  عن مفهوم البحر والإحساس الجوهرى  به والاستحواذ على كنه وجوهر البحر، من أروع لوحات سعيد عاصفة على كورنيش الإسكندرية، وهى تمثل أجمل لحظات الشتاء وشراع يقاوم الأمواج وهواة الصيد يقاومون العاصفة، تنهيدة البحر وهمساته الساحرة استدعيها كلما عصف بى السأم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة