سلسال الدم بالصعيد.. القتل لأتفه الأسباب
الأمن قي مكان الحادث بقنا
الأحد، 19 سبتمبر 2021 - 02:46 م
أخبار الحوادث
ايمن فاروق ـ أبوالمعارف الحفناوى ـ حمد الترهوني
..حصدت جرائم القتل لأتفه الأسباب أرواح الكثير، سقط ضحايا لا ذنب لهم، لكل جريمة دافع قوي وأسباب كثيرة تؤدي إلى ارتكابها، ولكن حينما نصطدم بالواقع المرير نجد أن جرائم الدم بالصعيد ترتكب لأسباب تافهة، بل وهناك من سالت دماؤه دون ذنب، مما يجعلنا نرصد هذه الجرائم التي وقعت مؤخرا، لنحللها ونرصدها، على سبيل المثال لا الحصر مشاجرة دارت بين عائلتين بسبب خمسين قرشا، والمعركة الأخيرة التي وقعت بقرية عزت حنفي أسفرت عن قتل رجل ونجليه بسبب المرور أمام بيت الخصم، أضف إلى ذلك تلك الواقعة التي حصد الثأر فيها 12 ضحية من عائلتين، بسبب «شوية ميه»، وأخرى راح ضحيتها 12 شخصًا، بسبب بناء طرنش، وغيرها من جرائم القتل لأسباب تافهة، رصدت»أخبار الحوادث» جرائم الإرث المر في الصعيد وحللتها مع أحد الذين يتصدون لهذه الظاهرة المذمومة.
بسبب الإرث المر.. 49 شخصًا فقدوا حياتهم في قنا
..كر وفر، إطلاق أعيرة نارية بصورة عشوائية، رصاصات الثأر لا ترحم أحدا، هنا سيدات ترملت، وأطفال تيتمت، وأم فقدت ابنها وشقيقها، في خلافات ثأرية، بدأت بمشاكل تافهة، وانتهت بحصد الأرواح، بسبب انتشار السلاح في قرى محافظة قنا، تلك التي يسيطر عليها الثأر، والذي بسببه قتل 49 شخصًا بسبب شوية ميه، وطرنش، وخمسين قرشا، وهزار.
عائلات كانت متحابة، يودون بعضهم البعض، يقفون جميعا وقفة رجل واحد في جميع المناسبات، بينهم علاقات قرابة أو نسب أو جيرة، تجمعهم المحبة والأخوة، وفجأة بسبب خلافات تافهة، تبدأ بينهم الصراعات، يُقتل فيها من يُقتل، ويُحبس فيها من يُحبس، ويهجر القرية البعض منها، سواء من العائلات المتخاصمة، أو من غيرها خشية وقوعهم ضحايا رصاصات الثأر.
في مدينة فرشوط، وهي المدينة الأشهر تجاريًا في قنا، حصد الثأر فيها، 12 ضحية من عائلتي السحالوة والمخالفة، في مشاجرة بدأت بينهما بسبب «شوية ميّه»!، وحول الثأر المدينة إلى خرابة، بعدما هجرها أهلها إلى المراكز الأخرى، وتوقف العمل في المدارس والأسواق، ودماء الضحايا سالت على شوارع المدينة، في مناظر مازالت عالقة في الأذهان، في ذكريات مخيفة، فأصوات الرصاص ودماء الضحايا، لم يُنس حتى وإن الخلافات انتهت بين العائلتين بكلمة شرف، في صلح لم تقدم فيه القودة أو الكفن، بسبب تساوى عدد الضحايا، وتم أيضا على بعد 90 كيلو مترا من فرشوط، في سابقة هي الأولى من نوعها، التي تقام فيها مراسم الصلح، خارج مكان عائلتي الثأر.
كلمة شرف
أما الخصومة الأشهر في قنا، خلال الآونة الأخيرة؛ كانت بين عائلتي الطوايل والغنايم، في قرية كوم هتيم في أبوتشت، والتي راح ضحيتها 17 قتيلا، في خصومة عرفت باسم «خصومة الـ خمسين قرشا»؛ لأنها بدأت بسبب خلافات على خمسين قرشا، زيادة في ثمن كارت شحن.
بدأت أحداث الخصومة الثأرية بين العائلتين في عام 2004، عندما حدثت مشادات كلامية بين أفراد من عائلتي «الطوايل والغنايم»، بسبب خمسين قرشًا، إضافية في كارت شحن، راح ضحيتها قتيلًا بعد إصابته بالشوم.
تدخلت لجنة المصالحات والقيادات الشعبية، في إقناع العائلتين بالصلح، وبالفعل بعد غضون عامين، انتهت الخصومة بالصلح بعد تقديم القودة لأهل المجني عليه.
عادت القرية لطبيعتها، وتعايش أبناء العائلتين مع بعضهم البعض، لمدة قاربت الـ 6 سنوات، إلا أن خلافات على أولوية ركوب سيارة أجرة، جدد ذلك الخصومة بين العائلتين، وبدأ سلسال الدم، بين العائلتين، حتى وصل 17 قتيلًا، منهم 6 في يوم واحد.
تدخلت لجان المصالحات والقيادات الأمنية والشعبية ومشيخة الأزهر، لحل المشكلة، وأنهت الصراع بينهما بعد أن تحولت القرية إلى خرابة، وخيم الحزن على جميع أركانها، والتزم الجميع ببنود الصلح، الذي أقرته لجنة المصالحات، ولم يتم تقديم القودة في هذه الخصومة أيضا، وكان الاتفاق على انهاء الصراع بكلمة شرف.
وفي الخصومة الثأرية، التي مازالت قائمة، تسبب بناء طرنش مياه، في مقتل 9 من أبناء العمومة، في قرية الكرنك التابعة لمركز أبوتشت.
بدأ الصراع بين عائلتي الخطبة والجوالين، اللذين ينتميان إلى عائلة «الجبارنة»، بمشادات كلامية، بسبب طرنش مياه، راح ضحيته شخص، ليبدأ الثأر بين العائلتين، في مشاجرات مستمرة، راح ضحيتها 9 أشخاص.
وفي قرية أبو حزام بنجع حمادي، تسبب هزار بين اثنين، وخلافات بينهما على سلاح، في وقوع 11 قتيلا في يوم واحد، بعد أن قتل أحدهما، فردت عائلته بهجوم مسلح على سيارة بها أفراد من عائلة القاتل وآخرين ليس لهم دخل بالمشكلة، مما زاد من دائرة الثأر في القرية.
ضبطت الأجهزة الأمنية المتهمين في الواقعة، في الوقت التي بدأت الأجهزة التنفيذية في إعادة إعمار القرية، وتقديم الخدمات لهم، بعد مطالبة أهلها بذلك، ووزع التضامن مليون جنيه على 1000 مواطن بالقرية وقرية حمرة الدوم المجاورة، وآلاف من كراتين السلع الغذائية، وبدأت في تطوير البنية التحتية لها، في محاولة لتهدئة الوضع، كما طلب أهلها، ولا يمكن أن نغفل عن تلك الجريمة التي بدأت بخصومة ثأرية جديدة بقرية «فاو بحري» التابعة لمركز دشنا، بسبب خلاف ومشادة كلامية على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، راح ضحيتها 3 أشخاص من العائلتين.
بسبب "حمار"
وفي قرية أولاد عمرو التابعة لمركز قنا، عقدت جلسة صلح لم تُسمَ بشكل مباشر باسم «الحمار»، لكن الجميع يعلم أن سبب الصلح أو الواقعة خلاف بسبب قيام حمار أحد المزارعين بالدخول لأرض مزارع آخر، ونشبت مشادات تطورت إلى استخدام السلاح الآلي، والذي تسبب بدوره في وقوع ضحايا ومصابين من الطرفين.
طالب طب
وبعيدًا عن قنا شهد مركز سمالوط شمال محافظة المنيا، جريمة قتل بشعة راح ضحيتها طالب جامعي، تعقبه المتهمان حتى ظفرا به بين العمارات السكنية وقتلاه وفرا هاربين، وتم إحالة المتهمين الأربعة بدائرة مركز سمالوط شرق، إلى المحاكمة الجنائية، لاتهامهم بقتل طالب كلية الطب 21 سنة، بجامعة المنيا مع سبق الإصرار والترصد، بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله على أثر خصومة ثأرية توفى فيها شقيقهما،واعدوا له لتنفيذ الجريمة أسلحة بيضاء.
وكان مدير أمن المنيا، قد تلقى بلاغا بقيام مجهولين باستدراج طالب بكلية الطب، أثناء انتظار خروج شقيقة من الامتحان، إلى ممر احد المولات التجارية، وذبحوه وطعنوه عدة طعنات، أمام المارة، ثأرًا، مما أدى إلى وفاته في الحال، وعلى الفور، تم تشكيل فريق من البحث الجنائي برئاسة مدير مباحث المديرية، وتم التعرف على المجني عليه، والمتهمين، وإحالتهم للنيابة العامة للتحقيق.
تشرب شاي
لم يكن الأمر متعلقا بمحافظات بعينها، فارتكاب جريمة لسبب تافه فى كل مكان وفى ربوع محافظات مصر، فهاهي جريمة قتل، بائع فول أمام المارة على يد قهوجي، بميدان الجيزة، بعد رفض المجني عليه شرب كوباية شاي، بحجة أنه لم يتناول الافطار، مما دفع المتهم للتشاجر معه وقتله بمساعدة صديقه عاطل، ونجح رجال الأمن فى ضبط المتهمين وسلاح الجريمة، وهذا ما أكدته التحريات فيما بعد.
فتش عن العنف أولًا
..الشاعر فتحي عبد الحميد يعرفه كل أهل الصعيد جيدًا، حاصل على جائزة الدولة في محاربة العنف وسلسال الدم بالصعيد يقول؛ إن العنف في الصعيد وبعض المحافظات هو المشكلة الأصلية، والثأر فرع في تلك المشكلة، ونحن ننشغل بالفرع وننسى الأصل دائما.
وتابع: العنف هو الأخطر لأنه يبدأ من أمور صغيرة جدا وسرعان ما تكبر وتتضخم حتى تتحول إلى تناحر ثأري كبير، وعندما ننظر إلى غالبية الخصومات الثأرية نجد أسبابًا صغيرة جدا، مثل المشادات الكلامية التي تحدث عند أبسط الاحتكاكات بين الناس، أو لعب الأطفال الذي يتسبب في شجارهم وينتقل إلى الكبار بسرعة جنونية في ظل التعصب القبلي البغيض، أو الخلافات العادية على ري الأرض أو حدودها أو حيازتها، وغيرها من الأسباب التي تتطور ولا نتخيل أنها تؤدي إلى القتل، لكنها تفعل ذلك.
ويستطرد قائلا: من هنا لابد من العمل على كبح جماح العنف في الصعيد، من خلال سبل مختلفة، وأهمها الاهتمام بالمشكلات الصغيرة جدا قبل أن تتفاقم، وذلك بتفعيل دور رجال الإدارة وعدم الاستهانة أو الاستهتار بالمشكلات الصغيرة، وكذلك تفعيل دور جهات بناء الإنسان التي تعتمد عليها الدولة في بناء الفرد، مثل التعليم، والثقافة، والرياضة، والأوقاف، وغيرها بحيث تضع برامج دائمة وطويلة الأجل لمواجهة العنف في الصعيد، لأن العنف مشكلة ثقافية في المقام الأول، كما يجب أن يبقى العنف حاضرًا في جهود التنمية، لأن العنف يرتبط أيضا بالبطالة والشعور بعدم التحقق في الحياة، وغيرها من المشكلات الاقتصادية التي تفرض ضغوطا على المواطن، وتجعله أقل سيطرة على ردود أفعاله.