الصلح .. ليس خيرا دائماً !

علاء عبدالوهاب

الإثنين، 28 مارس 2016 - 10:22 م

علاء عبدالوهاب

السبت:محترفون هم في إلباس الباطل رداء الحق!ما رأيك في الدعوة للصلح او المصالحة؟سؤال يكاد يحاصرني اينما وليت وجهي، أسمعه من كثيرين تلك الايام، مرات يُوجه لي، وأخري يتردد موجها لاصدقاء، وثالثة يكون السؤال الاساسي في برنامج تليفزيوني، ورابعة يتصدر احد المواقع الإلكترونية!إيه الحكاية؟!لماذا في هذا التوقيت بالذات ينتشر السؤال بشكل سرطاني؟هل يمكن التعامل معه ببراءة أم تكون البراءة هنا نوعا من السذاجة أو البلاهة التي لا تتناسب مع اللحظة؟وهل ......لم اكمل صياغة السؤال حتي ارتفع صوت الهاتف صارخا، صديق عزيز لم يحادثني منذ زمن:ـ أخبارك> الحمد للهودون مقدمات، وكأنه يقرأ عن بعد ما يدور بذهني سألني :ـ ما حكاية أحاديث المصالحة التي تتردد ليل نهار ليس في التليفزيون فقط، وانما تخرج من افران البوتاجاز بل من ادراج الديب فريزر؟ساخر هو بطبعه، لكن كلماته هذه المرة مغلفة بمرارة ادركتها بحكم صداقة عشرات السنين:ـ هل تسمعني؟ لماذا انت صامت؟أفقت من تأملاتي، ولم يكن امامي إلا الاجتهاد في الرد:> معك حق، نغمة الصلح ومشتقاتها اصبحت اكثر العملات رواجا.ـ تفسيرك؟قالها بلهجة اقرب إلي نبرة وكيل النائب العام خلال تحقيق في قضية حساسة.قلت: > بداية، فإن دهشتي ذابت عندما لمحت قسمات الوجوه المتحمسة لطرح الفكرة.ـ ثم...> مهلك يا أخي، امنحني فرصة للرد.ـبالذمة ألم تفكر في الأمر قبل مكالمتي؟> العكس هو الصحيح، صدقني كانت الفكرة تداعبني بعنف قبل لحظات من رنين الهاتف، ولا أكتمك من أن هجمة الدعاة تثير شجونا وشكوكا عديدة، الامر اشبه بكرة الثلج المتدحرجة، أو الحجر في بركة ماء آسن ما أن تلقها حتي تتوالي الدوائر علي سطحها، وربما يكون لها أثر أعمق فيما تحت الوجه الراكد.ـ أرجوك الوقت لا يسمح بهذا الترف في تناول مسألة أظنها جد خطيرة.> يا أخي دعني أكمل، بصراحة المسألة تدعو للريبة، بل ماهو اكثر، لأن الكلام يشمل من سرقوا ونهبوا، ويتم تسويق الصلح معهم علي أنه طوق نجاة للاقتصاد الذي انهكوه، نظير القاء الفتات، واستمرار وضع ايديهم علي «النهيبة» إلا قليلا.ـ طيب، وماذا عمن قتل وأسرف في اراقة الدماء البرئية.> بالطبع الدم أغلي من كل كنوز الدنيا، وحرمته اكبر من حرمة الكعبة، من هنا تأتي غرابة الدعوة للمصالحة مع من استحلوا الارواح، واحترفوا ترويع الآمنين.- بالمناسبة .. وهذا ليس بعدا عن القضية، بل في صلبها، أين قانون العدالة الانتقالية الذي ألزم الدستور البرلمان الجديد بمناقشته واقراره كأولوية تشريعية؟ أظنه سوف يساهم في وضع الكثير من النقاط فوق حروفها عبر سن حدود ومعايير منضبطة وعادلة في مواجهة أحاديث الصلح والمصالحة.> أتفق معك تماما، ولكن قناعتي ان تسويق هذه الاحاديث باعتبارها تصب في دائرة الخير مسألة فيها نظر.ـ نعم يا عزيزي.. فالصلح ليس خيرا.. دائما!كاميرات عمياء..!الأحد:اذا لم تكن عمياء فإنها تستعمي!في وسط المدينة، في أطرافها، في الميادين، في شوارع رئيسية، في تقاطعات طرق خطرة.. هناك كاميرات، لكنها ليست كالكاميرات التي تنتشر في كل الدنيا.. «قلتها أحسن» هكذا قال سائق بلغ من العمر عتيا كان جاري في إحدي الاشارات المرتبكة التي تتحرك السيارات فيها وفقا لذراع أمين الشرطة، وعكس الاشارة الضوئية، يعني حمراء انطلق، خضراء توقف، وحين سأل الرجل الطيب، الإشارجي عن حقيقة الأمر، وما اذا كانت الكاميرا سوف تلتقط رقمه جاء رده صاعقا:ـ يا عم قول ياباسط.. خليها ع البركة، لا تخف انها مجرد ديكور!!..............بالطبع انت، وأنا، وهم سمعنا تصريحات بالعشرات لكبار المسئولين عن المرور بالقاهرة الكبري مفادها ان كله تحت السيطرة، وان شبكة كاميرات المراقبة تغطي معظم الشوارع والميادين الرئيسية، بل ان خبراء الأمن اكدوا غير مرة ان هذه الكاميرات تتجاوز مهمة مراقبة حركة المرور الي المساعدة في حماية الأمن العام، بل انهم بثوا الطمأنينة في نفوس الغلابة بأن للكاميرات دورا حيويا في الحرب علي الإرهاب، وكشف الارهابيين و... و...وفي اشارة واحدة، وبكلمات غير مسئولة ـ للأسف ربما تطابق الواقع ـ يفضح الاشارجي الاوهام التي روجت لها تصريحات، ككل التصريحات، مجرد كلام في كلام، بينما حالة المرور والواقع الأمني أسير كاميرات عمياء «لاتري» فتساهم في مزيد من الانكشاف الأمني، وترسل للمخالفين رسالة واضحة اتحركوا في أمان تام، ولا داعي ان يتخوف المجرم من عيون الكاميرا بعد الآن.«أخلاقنا».. وأخلاقهمالثلاثاء :أكثر من رحب وهلل لاطلاق وزارة لـ«السعادة» وأخري لـ«التسامح» في الامارات، كانوا من بيدهم نشر المعني أو المفهوم عمليا، لكنهم اعتادوا علي العطاء الشفوي، دون بذل أي جهد او تضحية ليعيش إخوانهم في الوطن، وقد حصلوا علي الحد الادني من الاحتياجات مما يجعل السعادة - بأبسط معانيها ـ ضمن قاموس حياتهم، ومن ثم يمتلكون القدرة علي التسامح.وتكرر الأمر ذاته مع مبادرة او حملة «أخلاقنا» ـ سمها ما تشاء ـ اذ انضم لـ«الزفة» نفس الجوقة تقريبا، يتحدثون من طرف ألسنتهم عن الرحمة، والاحساس بالآخر، والحب و.. و.. وكل ذلك علي طريقة «كلام ابن عم حديت».وكأن عودة السعادة وانتشار الاخلاق رهن بعبارات باردة جافة، دون قدوة، وبلا مبادرات عملية، اذ اعتاد نجوم الفن والرياضة، والعمل العام، ان يتكلموا، ويتكلموا، ظانين ان التكرار ـ بحد ذاته ـ له مفعول السحر!يكفي هذا النجم أو تلك النجمة الهبوط ضيوفا علي احد برامج الفضائيات، وهات يارغي عن احساسهم بالفقراء، وتعاطفهم مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وان الدمع لا يجف من مآقيهم علي حال سكان العشوائيات واطفال بلا مأوي.. و... و... ولكنها احاسيس من فوق الجلد، بلا عمق، بلا صدي يجعل اي قلب لاحدهم يخفق حزنا أو تأثرا...........................................قبل عام تنكر النجم الامريكي ريتشارد جير في ثياب المشردين، وعاني مثلهم من نظرات الاحتقار، والاشمئزاز، والابتعاد عن رائحتهم الكريهة، وكان رد فعله قرارا بتقديم الطعام ومائة دولار لمن يصادفه من المشردين الحقيقيين، واخيرا نشر خبر التجربة ونتائجها علي صفحة الفيس بوك الخاصة به.هكذا تصرف النجم في بلاد نتهم أهلها بالبرود، وعدم الاحساس بالآخر، بينما معظم نجومنا يكتفون بالاحاديث تحت اضواء الكاميرات، أو في حوارات صحفية هي أقرب الي النشرات المدفوعة!ومازال نهر النفاق يجري!حليم .. ايقونة الحبالأربعاء :نقطة في طوفان..هكذا كان شعوري..ربما كانت المرة الوحيدة ـ في حياتي التي اجتاحني هذا الاحساس بعمق!كان ذلك في عامي الجامعي الاول.جنازة تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة.صوت الحب في صندوق خشبي، محاطاً بقلوب الملايين.كنت أمشي مهرولا، احث الخطي، لا تسعفني قدماي، أجري لكن كل من حولي يتدافعون بجنون.أتأمل المشهد بعد ان اجبرتني الحشود علي ان أكون علي تخوم المشهد لا بأس ان يشدني فضول الصحفي الكامن في صدري إلي متابعة حدث قد لايتكرر بتفاصيله، وملامحه، في حياتي مرة أخري.قبل نحو ٣٩ سنة، شاركت في وداع عبدالحليم حافظ الذي كان لجيله«العلاقة الحصرية لكل معاني الحب»!الحب الذي اعنيه، لم يكن فقط الحب الأول، ولا حتي الاخير، فقبل العواطف كلها كانت ادعيته تجعل القلوب تتعلق بحب الخالق، وكانت وطنياته تدعوك الي الذوبان في عشق الوطن.. و.. و.. وكان حليم ايقونة الحب بمعانيه العميقة، الواسعة والعريضة.بعد كل هذا العمر، اكثر من ثلثي عمري، يسعدني أن اقولها: عشت زمن اسطورة الرومانسية، والفن الصادق عبدالحليم حافظ وكلما سمعت اصواتا تعاني «الخنف» والضعف اترحم علي زمان ملك الاحساس رغم المعاناة التي لازمته كظله حتي رحل عنا.خوجاية «دقة قديمة»!الخميس :نجمات هوليوود بينهن من تنافس جدتي في اسلوب التربية!الغريب ان ما تذهبن اليه لا تدركه الحفيدات علي أرض المحروسة.تتنافس الامهات الصغيرات في بر مصر علي ارضاء صغارهن بأي ثمن بشراء أحدث الموبايلات، واجهزة اللاب توب، وترك الحبل علي الغارب في متابعة ما يشاء الانباء علي قنوات التليفزيون، وما تبثه دون رقابة تقريبا، ولا بأس من ممارسة أي العاب متاحة للڤيديو جيم مادام ذلك يُدخل السرور علي نفوس الصغار، وربما لأنه يريح دماغ الامهات الصغيرات اللائي ينتهزن فرصة انشغال الابناء ليمارسن ـ أيضا ـ ذات الهوايات الإلكترونية، وليصبح البيت جزرا منعزلة بفضل التلهي في العوالم الافتراضية، أو أمام شاشات الفضائيات!بالطبع لا أسمع عن ذلك فقط من الاصدقاء والمعارف، لكن وبكل صراحة فإن بناتي واحفادي دخلوا هذه الدائرة الجهنمية.ذات مرة احتفظت بقصاصة تضم تصريحا لـ«كيت ونسلت» بطلة «تيتانيك» الشهيرة تؤكد فيه انها لا تسمح لابنائها اطلاقا بالتعامل إلا في اضيق نطاق مع العالم الافتراضي، وتحت رقابة لصيقة من جانبها، وقدمت القصاصة لبناتي، فما كان منهن إلا ابتسامة لطيفة، واجابة نموذجية موحدة:ـ هل تصدقها يا أبي؟..........................................مرت أيام علي تلك الواقعة قدمت بها للبنات نتائج عدة دراسات غربية، يعني قادمة من حيث انطلقت أدوات الفضاء الافتراضي تؤكد خطورة استخدام الصغار لاجهزة الآيباد او مشاهدة التليفزيون لاكثر من ساعتين يوميا، فوجدت رد الفعل ذاته!..........................................اخيرا انضمت لقافلة النجمات اللائي يشبهن جدتي «الدقة القديمة» ـ رحمها الله رحمة واسعة ـ الهوليوودية ميجان فوكس التي أعلنتها بالفم المليان:ـ لا أمنع عن ابنائي الالعاب الالكترونية فقط، ولكن امنعهم ايضا من مجرد مشاهدة التليفزيون.مرة أخري واجهت بناتي بهذه الشهادة الطازجة، فما كان منهن إلا الاعتراف بالعجز ازاء الحاح احفادي الاعزاء في الامساك بأحدث الموبايلات، والتعرض طويلا لبرامج الكارتون في القنوات المتخصصة التي لا تهدأ ليل نهار، وفي نفس واحد قلن:ـ حاول معهم بنفسك لتري النتيجة!..........................................قلت : ياعزيزاتي الست ميجان تسعي لأن ينمو أطفالها دون التعرض للآثار الضارة للتكنولوچيا التي بدعها علماء الغرب الذي تنتمي اليه، وان يمتلك ابناؤها الخيال المناسب لاعمارهم، فهل هي والست كيت اكثر اقتناعاً بحكمة جدتكم في تقديم ما يناسب اعمار الاحفاد حتي دون الالتفات إلي رغبات قد تؤذيهم دون ادراك منهم، وتبقي مسئولية الامهات قائمة.ليس امام الامهات الصغيرات في مصر إلا الانصات لنجمات هوليوود «الدقة القديمة» او استعادة حكمة الجدات، وإلا فإن العواقب وخيمة علي جيل سوف يعاني من ويلات النمو المشوه للخيال والمواهب والقدرات الدراسية، ولن يدفعوا الثمن وحدهم ابدا.ومضات:> الحب المبثوث في القلوب اذا سري في الدم أنعش الضمائر، وتلك فضيلته الكبري.> الثأر المؤجل، كابوس دائم في اليقظة قبل النوم.> بعض من يتحدثون دائما عن الجنان الوارفة يضمون أجنحتهم علي صحاري جرداء.> عقل ساخن وقلب بارد، لا شيء سوي مشروع مجرم خطير!> سجن الاعتذار الدائم أبشع من كل معتقلات العالم.> ثمة مشاعر بدائية تبدو للحظة الأكثر تحضرا من فرط رقتها.> الحكاية داخل الحكاية، اجمل مافي الحكاية.> نار تصهر فتنقي، طيبة لأنها تترفع عن الحرق.> اجمل سياحة : ان تهيم فوق وجه، لا ان تهيم علي وجهك.