صورة طفل مكسيكى يحدق من الجانب المكسيكى عبر الحدود مع أمريكا
صورة طفل مكسيكى يحدق من الجانب المكسيكى عبر الحدود مع أمريكا


«جيه آر» يكشف تجاعيد وجوه المدن عن طريق الرسم على الجدران

أخبار اليوم

الجمعة، 22 أكتوبر 2021 - 06:23 م

يجوب العالم من ضواحي باريس، إلى الجسور المكسورة في إفريقيا، ومن شوارع نيويورك إلى الأحياء الفقيرة في البرازيل، ومن لوس أنجلوس إلى إسطنبول، ليعرض أعماله بحرية في شوارع العالم، ويبدع حيله البصرية أمام برج إيفل، وواجهة قصر «النهضة» في فلورنسا، وهرم متحف اللوفر الزجاجي، وواجهة «البانثيون» أو مقبرة العظماء فى العاصمة الفرنسية، أعماله تكشف عن الإنسانية وتجسد تجاعيد المدن، ولا يرى سوى المشاعر وراء المشاهد التي يعيد تركيبها، ويؤمن بأن الشارع هو أكبر معرض فني في العالم.

الفنان الفرنسى «جيه آر» الذي صار أحد أهم الفنانين العالميين، وأكثرهم شهرة وعمره 34 سنة، اختارته مجلة «Time» ضمن قائمة الأشخاص الأكثر تأثيراً فى العالم عام 2018، وهو أحد أشهر الفنانين على وسائل التواصل الاجتماعى، ومع ذلك مازال مجهول الاسم والهوية.

نشر الفنان الفرنسى الذي صار ظاهرة عالمية، صورة له وهو يمتطى صهوة حصان بمنطقة الأهرامات معلقاً عليها: «فخور بمشروعي القادم في الأهرامات»، هكذا أعلن عن مشاركته في معرض «الأبد هو الآن» بأسلوبه الفريد الذي يعتمد على لصق صور ضخمة لأشخاص مجهولين بطريقة «الكولاج»، ويستخدم الإيهام البصري ليجعل الأماكن أكثر غرائبية، أعماله تجذب أنظار الأشخاص العابرين وليس زوار المتاحف التقليديين، ويترك مساحة خاوية يلتقى فيها الموضوع المطروح، مع المارة المتلقين للعمل الفنى، ليفسروه ويجيبوا على التساؤلات التي يطرحها، ومن خلف نظارته السوداء التى يحتفظ بها دائماً على وجهه يقول: أنا فنان أعرض أعمالى فى الشوارع، وشغلى يعتمد على احتكاكى بالبشر، ولدى أكبر معرض فنى يمكن تخيله، جدران العالم بأسره!!

ويستغرب «جيه آر» ممن يدعوه لإقامة معارض داخل القاعات المغلقة، ويأتي الزوار لمشاهدة أعماله، قائلاً: أريد أن أكون حراً ولا أبتغى بيع صوري ولا أهدف إلى كسب المال، أو أن يتكلف الجمهور مشقة الإتيان إلى لمشاهدة أعمالى، أنا الذى أذهب إلى الآخرين لأعرض صورى وأفلامي في أحيائهم وشوارعهم وعلى جسورهم وقطاراتهم، كل ما أريده هو أن ألتقى الناس، ألتقط صورى وأعلقها فى المكان الذى يعطيها جماليتها وأمضى إلى حال سبيلي.

ومن يود التعرف على أعمالى لا يحتاج أكثر من زيارة صفحتى الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعى أو موقعى الشخصى.
 

والفنان الفرنسى ابن لأب من أوروبا الشرقية وأم تونسية، عاش طفولته في أحد الأحياء الباريسية الفقيرة، وبدأ حياته كفنان جرافيتى في السادسة عشرة من عمره، يلتقط صوراً ويطبعها، ويعلقها على الجدران في الضاحية الباريسية التى كان يعيش فيها، كان يستمتع بمغامرة الرسم على جدران واجهات المنازل وقطارات الأنفاق وغيرها من الأماكن المحفوفة بالمخاطر، وبعد عثوره على كاميرا في مترو باريس، بدأ مع أصدقائه في توثيق رسمه على الجدران، وبدأ في تطبيق نسخ من هذه الصور على الجدران الخارجية، سافر بعدها إلى جميع أنحاء أوروبا وبدأ يجوب أنحاء فرنسا للقاء الناس ومناقشة رؤاهم وأفكارهم، ويلصق صورهم في الشوارع وفوق واجهات الأبنية.

ويقول: أنا ابن كاميرا الديجيتال، التي جعلت التصوير في متناول الجميع ولم يعد حكراً على الأغنياء، ونتاج وسائل التواصل الاجتماعى التى سمحت لمن أحبوا أعمالى أن يصوروها وينشروها، لتصل إلى العالم كله، ولو قدر لى أن ولدت قبل عشر سنوات، لما صرت شيئاً! وأنا أيضاً ابن الخطوط الجوية الرخيصة، التى سمحت بشراء بطاقة سفر بسعر زهيد، والذهاب إلى حيث أتمنى، كل هذه التطورات والمتغيرات التى عصفت بالمجتمعات مع مطلع تسعينيات القرن الماضى، ترافقت مع بلوغى السن التى كنت أبحث فيها عن ذاتى.

النساء البطلات

قام بجولة دولية فى مواقع عديدة، شملت سيراليون وليبيريا وكينيا والبرازيل والهند وكمبوديا، لتقديم مشروعه Women Are Heroes أو «النساء البطلات»، وهو مشروع يسلط الضوء على كرامة النساء اللواتى يُستهدفن أثناء العنف والنزاعات ببلدان مختلفة من العالم، وضم المشروع بورتريهات لنساء عانين من العنف والصراعات والحروب، نساء لديهن ماض مؤلم طويل، ويملأ الموت وجوههن أحيانا، ومع ذلك يشاركن أولادهن فى بناء مستقبل سعيد بأماكن خيالية، وبعد تصوير «عيون امرأة» من رحلته فى كينيا، أنجز وفريقه أكبر ملصق -حتى الآن- على حاويات الشحن التى وضعت فوق سفينة حاويات متجهة من لوهافر إلى ماليزيا، وقد سمح له هذا المشروع بالوفاء بالوعد الذى قطعه لهؤلاء النساء، فى أن يجعل قصتهن تسافر عبر المكان والزمان، حيث قام بنقل مشروعه «نساء بطلات» إلى السينما من خلال فيلم روائى طويل، ضم صوراً لمراحل الملصق والتركيبات، ومقابلات مع النساء، وردود أفعال السكان، ليخلقن من الفن واقعاً مختلفاً عن الواقع المعروض فى وسائل الإعلام، وعرض الفيلم فى قسم «أسبوع النقاد الدولي» بمهرجان كان السينمائى، وتنافس على الكاميرا الذهبية، وبذلك سافرت قصص النساء البطلات حول العالم.

وجهاً لوجه

في مشروعه face to face «وجهاً لوجه» أراد إظهار أنه بخلاف ما يفصل بينهما، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين متشابهون بما يكفى ليكونوا قادرين على فهم بعضهم البعض، أوضح من خلال تصوير الأشخاص فى مشاعر مماثلة من الجهتين، أن الرجال والنساء الفلسطينيين والإسرائيليين لديهم نفس الضحك أو البكاء أو الصراخ، ولصق صور ضخمة لهم «وجهاً لوجه» على جانبى جدار الفصل العنصرى من الجهتين، فى ثمانى مدن فلسطينية وإسرائيلية، وحين بدأ بلصق صور الوجوه من الجهة الفلسطينية، احتشدت الجماهير واستهجنت لصق صور الإسرائيليين، وحذرته من عدم السماح له بفعل الشيء نفسه من الجهة الأخرى، لكنه تمكن من إكمال مشروعه في الجهة الأولى، وكذلك من الجانب الإسرائيلى دون أن يقبض عليه، مستغلاً أخباره وصوره التى انتشرت فى الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، وبعد عودته إلى باريس قام بلصق هذه الصور فى العاصمة، بهدف أن يعرف الجميع أن التشابه يصل حد التماثل فى الوجوه، لكن الأمر لم يكن كذلك فى الصين وفى دول أخرى قرر فيها أن ينفذ مشاريعه دون إذن رسمى.

فن الحدود بين أمريكا والمكسيك
كما وضع صورة كبيرة لطفل صغير، على الجانب المكسيكى من الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، تظهر الطفل يحدق بفضول من فوق السياج، وفي اليوم الأخير من تثبيت القطعة الفنية، نظمت رحلة لعبور الحدود شارك فيها المئات، وتم تمرير الطعام عبر السياج، وتصوير عينى مهاجر أمريكى شاب ممن يعرفون باسم «الحالمون»، كانت العين اليسرى على طاولة فى جانب المكسيك، والعين اليمنى على قطعة قماش على الجانب الأمريكى، مما يخلق انطباعاً بوجود طاولة طعام واحدة طويلة عند النظر إليها من الأعلى.

تجاعيد المدن
واعتمد «جيه آر» في مشروعه «تجاعيد المدينة» على تصوير أقدم سكان المدن التى عانت، وتعرضت لتقلبات شديدة، وتميزت بندوب تاريخها وتوسعها الاقتصادى، وبالطفرات الاجتماعية والثقافية، وذلك عبر تصوير تجاعيد وجوه مجموعة من كبار السن، كدلالة على الزمن، وآثار حياتهم المرتبطة بتاريخ المدينة، باعتبارهم الذاكرة الحية لمدن تتغير بشكل أسرع من تقدمهم في العمر، وذلك فى مدينة قرطاجنة بإسبانيا، شنغهاى بالصين، لوس أنجلوس بكاليفورنيا، هافانا فى كوبا، برلين بألمانيا، واسطنبول فى تركيا.

ويعتمد الفنان الفرنسى على الإيهام البصري بشكل كبير في أعماله الفنية، ويعتبر من أشهر مشاريعه في باريس عمل في متحف اللوفر، قرر فيه أن يخفى الهرم الزجاجى الكبير أمام المتحف الشهير، ويعيد المبنى إلى عهده القديم، وكذلك صمم تركيباً يضم 4 آلاف وجه على واجهة البانثيون «مقبرة العظماء» في العاصمة الفرنسية، وأحدث ابتكاراته موقع «برج إيفل» فى باريس، حيث قام بتحويل الساحة الموجودة أمام البرج إلى لوحة من الخدع البصرية، يظهر فيها البرج فوق فجوة أو منحدر سحيق في مشهد فنى خلاب جذب الكثير من السائحين لالتقاط صور شخصية.

 الفنان جيه أر يعلن عن مشاركته فى المعرض من خلال صورته فوق الحصان بالهرم


أساطير السينما

احتفل الفنان الفرنسى «جيه آر» بالسينما وأساطيرها فى عشرينيات القرن الماضى من خلال عملين فنيين فى قلب باريس، الأول يصور الأسطورة شارلى شابلن فى مشهد من الفيلم الشهير « الطفل» بمناسبة مرور 100 عام على عرضه، والثانى مشهد من فيلم safety last يصور البطل معلقاً فى ساعة حائط بواجهة مبنى ضخم فى لوس أنجلوس.

أخرج الفيلم الوثائقى القصير «إليس» بطولة النجم «روبرت دى نيرو»، وتدور الأحداث فى مجمع مستشفى جزيرة «إليس» المهجور، ويحكى من خلاله القصة المنسية للمهاجرين الذين بنوا أمريكا، كما أخرج فيلم «وجوه الأماكن» بالاشتراك مع المخرجة الراحلة «أجنيس فاردا» المنتمية إلى حركة الموجة الجديدة للسينما فى فرنسا، وفاز الفيلم بجائزة الكاميرا الذهبية لأفضل فيلم وثائقى فى مهرجان كان.

كما فاز الفنان الفرنسى بجائزة TED لعام 2011 واستخدم قيمة الجائزة المالية التى حصل عليها، وقدرها 100 ألف دولار، لإطلاق المشروع الفنى الدولى «Inside Out»، وهى مبادرة فنية عالمية تمنح الفرصة لآلاف الأشخاص حول العالم بالتقاط صورهم، ولصقها فى الأماكن العامة للتحدث إلى مجتمعاتهم حول فكرة معينة أو مشاركة تجربتهم الشخصية، وشارك فى المبادرة 150 ألف شخص من 108 دول، وفى عام 2013 واصل العمل فى المشروع بمدينة نيويورك فى «تايمز سكوير» أشهر ميادين مانهاتن، وتحدى الإعلانات بعمل فنى ضخم يتكون من آلاف الصور للسكان المحليين والسياح، وصور فيلماً وثائقياً بالتعاون مع شركة «نوتنج هيل» إخراج Alastair Siddons، تتبع تطور مشروع Inside Out الذى يعد أكبر مشروع فنى تشاركى فى العالم، من خلال مساحات سوداء عملاقة وصور بيضاء تم لصقها فى الشارع، تشجيعاً للمواطنين على مشاركة تجاربهم الحياتية،

وذكرياتهم، من خلال الصور الشخصية الخاصة بهم، وتحولها إلى جزء من تاريخ المدينة والذاكرة الجماعية.

ورق وغراء
وأحدث أفلامه Paper & Glue، والذي توجه فيه الكاميرا إلى عمله السينمائى الأكثر ضخامة، ويتتبع الفيلم مقاطع الفيديو منذ مرحلة المراهقة المبكرة فى البدايات، والكتابات غير المشروعة التى تم التقاطها على أسطح المنازل فى باريس ليلاً، إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، والأحياء الفقيرة فى ريو دى جانيرو، ومن التعاون فى سجن سوبر ماكس فى كاليفورنيا، وسيصدر الفيلم الوثائقى فى الولايات المتحدة فى 12 نوفمبر القادم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة