مديحة كامل
فصول من كتاب مديحة كامل .. جلطة الساق اليسرى
الأحد، 07 نوفمبر 2021 - 03:57 م
محمد سرساوى
ربما إصابتها بجلطة الساق اليسرى كان وراء اعتزالها حيث إن إصابتها أول مرة عام 1976 جعلتها تحس بإجهاد شديد أثناء تصويرها لمسلسل «ظلال السحاب» أمام محمود عبد العزيز، وإخراج نور الدمرداش، ولكنها أكملت التصوير وتطورت الآلام فى اليوم التالى ليتضح إصابتها بجلطة فى القدم اليسرى فتلازم الفراش أسبوعين، وكان كونسلتو كامل من الأطباء قد عالج مديحة: فتحى طمارة، ومختار عبد الحميد، ومأمون دياب.
وكتب الكاتب الصحفى البرنس حسين موضوعًا صحفيًّا فى مجلة الكواكب حول إصابة مديحة كان عنوانه: «مديحة كامل وقصتها مع الساق اليسرى»: فجأة بلا مقدمات أصيبت الفنانة مديحة كامل بجلطة فى الساق اليسرى، ولازمت الفراش دون حركة أو إجهاد. والمرض بالنسبة للفنان يختلف عنه بالنسبة للإنسان العادى. فالمرض إذا أصاب الفنان فإنه يبعده عن عمله، وعن جمهوره، ويعزله تمامًا عما يحبه ويهواه، ويظل الفنان بعيدًا عن دائرة الضوء والعمل حتى يتم شفاؤه، وفناتنا مديحة كامل تجسد الآن نفس هذه المعاناة بعد أن وقعت هى الأخرى صريعة جلطة الساق فى الأوردة العميقة فى الساق اليسرى منذ أسبوعين، وكان عليها أن تنفذ تعليمات الأطباء بدقة، وتستجيب إلى تعليماتهم، وتظل راقدة في الفراش على ألا تمارس أي عمل فنى أو غيره خلال تلك الفترة العلاجية.
ومرض مديحة كامل كان مفاجأة لها لم تكن تتوقع أن يلم بها هذا المرض، وقد بدأ معها هكذا:
أحست مديحة وهى ببروفات مسلسل الأفعى فى التلفزيون بوخز بسيط فى بطن الساق اليسرى، وكعادة مديحة لم تهتم، وواصلت العمل حتى النهاية وعند العودة إلى منزلها اشتد عليها الألم، فسارعت إلى عيادة دكتور مختار عبد الحميد أخصائى الأمراض الباطنية، وعرف منها الأعراض التى تشكو منها، ونصحها على الفور بالذهاب إلى البيت وعدم الحركة وملازمة الفراش لمدة أسبوع، وكتب لها العلاج، وعلى الفور وصلت مديحة كامل إلى البيت، ونفذت تعليمات الدكتور ولازمت الفراش.
ولكن فجأة زادت الآلام والأوجاع، وصرخت مديحة، وأعلنت حالة الطوارئ فى بيتها. الكل جاء مسرعًا يزورها، أقاربها وصلوا واحدًا واحدًا، والدتها كانت فى دقائق معها على السرير، وأصدقاؤها وصديقاتها وزملاؤها وزميلاتها. الكل كان معها منذ البداية، وتمت الاتصالات سريعة بعدد من الأطباء، وتكون كنسلتو من السادة الأطباء: فتحى طيارة، ومختار عبد الحميد، إخصائي أمراض باطنية، ومحمود عبد الرازق أخصائى أوعية دموية، ومأمون دياب أخصائى عظام.
وسكت كل من فى البيت، وانتظروا انتهاء الكنسلتو من الفحص حتى يطمئنوا عليها، وبعد نصف ساعة فتح باب حجرة مديحة وخرج الكنسلتو وجاء تقريرهم قائلين: إن الفنانة مديحة كامل مصابة بجلطة والتهاب أوردة الساق اليسرى نتيجة للإرهاق والتعب والوقوف والجلوس أكثر من اللازم، وأن العلاج يحتاج إلى راحة تامة وعدم الحركة أو القيام بأى مجهود لمدة شهرين مع تناول بعض الأدوية فى مواعيدها المقررة، وجاء في التقرير الطبى أيضًا أن مديحة فى الفترة الأخيرة يبدو أنها لم تحاول أن تحصل على إجازة لتبتعد عن كل ما يرهق جسدها وأعصابها كما أوضح التقرير أن عمل مديحة مستمر وانتقالها من الاستديوهات إلى الشوارع إلى التلفزيون بلا راحة وبلا توقف ساعد على إصابتها بهذا المرض، وقد نصح الكونسلتو مديحة كامل بالامتناع عن العمل وعدم القيام بأى مجهود حرصًا على سلامتها الصحية والجسدية والعصبية.
على الفور تم تنفيذ كل ما جاء فى التقرير الطبى وتم وضع الحصار حول حجرة مديحة لمنعها من الحركة أو الخروج كما تم منع الزيارة عنها فى الأيام الأولى حرصًا على سلامتها، وساعد على تحقيق هذا الحصار بدقة منى الصاوى؟ وكانت والدتها فى البيت بجوارها.
منذ اللحظة الأولى لمرض مديحة لم يتوقف رنين التليفون الكل يسأل عنها، وكان أول من سأل عنها عزت العلايلى ثم نجلاء فتحى، وميرفت أمين، وحسين فهمى، ومحمود ياسين، ونور الشريف، ونجوى فؤاد، وماجدة الخطيب، وسهير رمزى، وعاطف سالم، وصلاح أبو سيف، وعدد كبير من الصحفيين والكتاب والكل سأل عنها، وعرض خدماته بأمانة وصدق.
كان لكل هذه الاتصالات أثرها الطيب في حالة مديحة النفسية، فقد شعرت بالارتياح النفسى وتحسنت صحتها تمامًا عما كانت عليه وشعرت بأنها ليست وحدها بل حولها زملاؤها وزميلاتها، والجمهور دائمًا معها فى كل لحظة حتى أنه زارها عدد كبير من الجمهور، الكل يسأل عنها. سؤال الناس عنها كان بلسمًا شافيًا لها، كان دواء حساسًا لها.
منذ أيام زرتها فى بيتها وكان يزورها المذيع اللامع عمر بطيشة جاء لإجراء الحديث معها لإذاعة القاهرة، وكان موضوع الحديث حالة مديحة كامل المرضية وإنتاجها الجديد. كان أيضًا هناك حسن حافظ مخرج مسلسل الأفعى الذى انتهت مديحة من تصويرها للتلفزيون، وجاء ليعمل معها الدوبلاج وهى على سرير المرض حتى لا يتعطل العمل. وهكذا هى مديحة لا تحاول أن تضيع الوقت حتى لو كانت حالتها الصحية غير جيدة.
قلت أرى سيناريو فيلمك الجديد «استغفر الله» بجوارك فهل سيتم تصوير فيلمك الجديد بعد شفائك مباشرة؟
بالفعل فأنا أقرأ الآن قصة «استغفر الله» وهى باكورة إنتاجى السينمائى، وسوف أبدأ فى تصويرها بعد انتهاء فترة علاجى تمامًا إن شاء الله.
ومنع الأطباء النجمة مديحة كامل من قيادة السيارة لمدة عام من تاريخ إصابة ساقها اليسرى بالجلطة، كما حذرها الأطباء من الحركة كثيرًا وأكل الأطعمة الدسمة خلال رحلتها إلى اليابان فى أواخر الشهر القادم لتمثل مصر فى أسبوع الأفلام الذى يقام هناك، ويعرض لها فيلم زائر الفجر الذى تقوم ببطولته، وظلت طريحة الفراش لمدة 25 يومًا ثم سمحوا لها بالحركة المحدودة فى غرفة النوم لمدة 20 يومًا وتلبس حاليًا شراب ضاغط لمدة 15 يومًا. وذكر الأطباء لمديحة إن الجلطة لولا محاصرتها لامتدت إلى القلب وهددت حياتها.
وقد أصيبت مرة ثانية بجلطة الساق اليسرى عام 1983، بعد إجهاد كبير فى تصوير عدة أعمال سينمائية ظلت 15 يومًا فى مستشفى السلام بالمهندسين بعد علاجها من التهاب حاد فى الساق اليسرى، استأنفت مديحة نشاطها الفنى بعد أسبوع، ووقفت أمام الكاميرات لاستكمال مشاهدها فى فيلم «إنقاذ ما يمكن إنقاذه».
وللمرة الثالثة وفى فترة زمنية قصيرة عام 1989 تصاب مديحة بجلطة فى الساق إثر أزمة نفسية مرت بها وأدت إلى إصابتها باكتئاب كما جاء على لسان الأطباء، الحكاية أن مديحة كامل كانت قد دخلت فى مشادة حادة مع المخرج والممثل كرم مطاوع فى مبنى التلفزيون، أثناء القيام ببروفات مسلسل جديد كتبت أحداثه منى نور الدين، ومن إخراج حسن سيف الدين، وكانت مديحة تأخرت عن البروفات لبعض الوقت مما أثار المخرج كرم مطاوع لتأخره عن التزماته الأخرى، ومن بينها قيامه بإخراج مسرحية إيزيس التى ستقوم ببطولتها زوجته الفنانة سهير المرشدى، وحدثت مشادة كبيرة بينهما مما جعل مديحة متوترة فانتابها إحساس بالألم يشبه تمامًا الإحساس الذى انتابها فى المرتين السابقتين وكانت الإصابة بالجلطة.
وقالت مديحة من قبل فى إحدى حواراتها عن معاناتها أثناء رحلتها الفنية معاناة فقدان الأحبة ومعاناة الحب ومعاناة الزواج والخيار الدائم ما بين الفن والاستقرار الأسري، حوار من يقرأه بإمعان يكتشف أنه من المحتمل هذه المعاناة بأشكالها المختلفة ودرجاتها المتنوعة كانت وراء اعتزال مديحة كامل للفن، ولكنه في الوقت نفسه يكشف الرضا في نفس مديحة في تقبل كل الشدائد والرضا عن مشوارها الفني:
«الآن أشعر أن مشوارى الفنى كان شاقًّا وشديد الصعوبة، ولا يتصور أحد مدى المعاناة التى عشتها لأجد لى مكانًا تحت الأضواء، فبعد أن بدأت طريق البطولات بفيلم 30 يوم فى السجن تركت السينما وتزوجت، وعندما عدت مرة أخرى للسينما لم أجد سوى الأدوار الثانية. حفرت بأظافرى فى الصخر حتى أتمكن من استعادة دور البطولة كما كنت وكان هذا فظيعًا ومؤلمًا.
إصرارى جعلنى أحقق ما أريده، وكان ذلك سبب عودتى للوقوف أمام الكاميرا مرة أخرى بعد أن توقفت عامًا كاملا عاودتنى فيه الآلام الشديدة فى قدمى إثر إصابتى بالجلطة فى ساقى منذ ما يقرب من اثنى عشر عامًا بسبب توتر عصبى عقب وفاة شقيقى.
فى سنة 1983 عاودتنى الجلطة مرة أخرى إثر اجهاد وضغط فى العمل وسافرت إلى باريس للعلاج فى المستشفى الأمريكى ثم عاودتنى مرة أخرى بعد عام واحد إثر مشادة بينى وبين المخرج كرم مطاوع بسبب تأخرى ربع ساعة عن التصوير.
بعدما شعرت بآلام حادة خلدت فى أعقابها للراحة بأمر الأطباء لكننى أفضل الآن كثيرًا صحيًّا ونفسيًّا.
اتخذت من العمل علاجًا لى. وجدت فى أمومتى أصدق وأجمل لحظات حياتى، الأمر الذى جعلنى أكتشف أعذب ما فى داخلى من مشاعر، وأحقق ذاتى فيها بمتعة خرافية، وابنتى ميرهان 23 عامًا طالبة فى كلية تجارة وهى رائعة الجمال وتربطنى بها صداقة وتوافق فى الرؤى والمشاعر، ومما يبهجنى أكثر أنها لا تحب التمثيل، فقد شهدت بنفسها إلى أى درجة عانيت لكى أنجح فى عملى والتوتر الذى يتطلبه التمثيل فقررت بحكمة عدم الاقتداء بى.
وأحمد الله اليوم أننى قد حققت رصيدًا ضخمًا ليس فى البنوك ولكن فى قلوب المشاهدين، بالإضافة إلى ما حققته من ثراء وتنويع فى الأدوار التى قدمتها، ولست حزينة أننى لم أحقق ثروة فعادة الفنان الملتزم لا يحقق أى ثروة من الفن، وإنما الستر، لكن الأضواء تخفى هذا الجانب الخاص من حياة الفنانات.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة