لا أدري لماذا تداعت إلي ذهني العبارة السابقة وأنا أتابع أخبار داعش أو ما يسمي بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. إذ شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات مؤسفة ومفاجئة حيث قفزت أخبار داعش فجأة في عناوين الأخبار وأصبحت في المقدمة بعد التقدم الملحوظ لداعش وانطلاقها من سوريا إلي غرب العراق. ولعل ما يثير الانتباه هو نوعية التسلح لدي هذه الجماعات،  والمرء يتساءل كيف وصلت هذه النوعيات المتقدمة من الأسلحة إلي هذه الجماعة الإرهابية؟ ومن قام بعمليات التدريب لهم؟ وما هي جهات التمويل؟! وزاد الأمر بلة وغموض التقدم الكاسح الذي أحرزته كتائب داعش في غرب العراق، هذا التقدم الذي وصل إلي حد سقوط مدينة كبري تاريخية مثل مدينة الموصل . ويزداد أمر داعش غموضًا مع الفيديو المسرب أخيرًا، والذي يظهر فيه بعض قادة داعش كاشفين وجوههم في علنية سافرة لم نشهدها من قبل مع أمثال تلك الجماعات الإرهابية. واللافت للنظر في هذا الفيديو هو أنه صاحبته ترجمة باللغة الروسية ذات مستوي رفيع، وفي هذا الفيديو رسالة تهديد موجهة إلي الرئيس »بوتين»‬ والشعب الروسي تحذيرًا لروسيا لدعمها للنظام السوري! وأعاد هذا الفيديو إلي الأذهان ذكريات سنوات السبعينيات ومطلع الثمانينيات عندما موَّل الغرب ومعه بعض الأنظمة العربية جماعات المجاهدين في مواجهة الغزو السوفيتي لأفغانستان، حيث دوت صيحة الجهاد في العديد من الدول الإسلامية في مواجهة ما سمي بالمد الشيوعي الإلحادي. وكان هذا بحق بدعم وتمويل من أجهزة المخابرات الغربية، من منا لا يعرف أن »‬بن لادن» هو صناعة غربية تم استخدامه لإضعاف وإنهاك الدب السوفيتي في سنواته الأخيرة؟! وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي عرف العالم الإسلامي أكبر مد إرهابي فيما عرف باسم ظاهرة العرب الأفغان أي الإرهابيين العرب الذين ذهبوا إلي أفغانستان لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وبعد سقوط الأخير كان من الصعب علي الجن أن يعود إلي القمقم مرة أخري وبالتالي اخترعت أجهزة الإعلام الغربي صورة للعدو الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وهو الإرهاب الإسلامي! وتصاعدت هذه النبرة العدائية ضد الإسلام لا سيما بعد حادثة 11 سبتمبر 2001 والحديث الشهير لبوش »‬من ليس معنا فهو علينا»! وعودة إلي التاريخ توضح لنا أن الغرب بشكلٍ عام يكره التعامل مع الأنظمة القومية ويفضل عليها الجماعات ذات الطابع الديني. إذ شجع الاحتلال البريطاني في مصر علي نمو جماعة الإخوان المسلمين لأن ذلك من وجهة نظره يضعف من قوة حزب الوفد ذي الطابع الوطني، والمنادي دائمًا بشعار »‬الاستقلال التام»، كما خدم نمو وانتشار جماعة الإخوان المسلمين في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات بريطانيا العظمي في الحيلولة دون تصاعد الاتجاه الفاشستي في مصر علي يد جماعة مصر الفتاة، هذا الاتجاه الذي كانت تخشاه بريطانيا نتيجة علاقته الوثيقة بالنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، أعداء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية. وعندما دب النزاع بين عبد الناصر والإخوان في عام 1954 اختارت بريطانيا الوقوف بجانب الإخوان، ورعت أجهزة الاستخبارات الغربية الخلايا الإخوانية في شتي أنحاء أوربا الغربية، بل ويري البعض أن التنظيم الدولي للإخوان هو أصلاً صناعة غربية وبدعمٍ وتمويل من بعض الأنظمة العربية. ومع مطلع القرن الواحد والعشرين راهن الغرب كله علي سقوط الأنظمة العربية القديمة وأن المستقبل لجماعات الإسلام السياسي، وتم الترويج لنموذج ما سمي بالإسلام السياسي المعتدل متمثلاً في النموذج التركي في تركيا والنموذج الإخواني في العالم العربي. ولهذا وقفت الأنظمة الغربية مع جماعات الإسلام السياسي بعد الربيع العربي، لكن 30 يونيو أسقطت بحق زواج المصلحة بين جماعات الإسلام السياسي والأنظمة الغربية، لكن جراب الحاوي لم يخل من الألاعيب وكانت داعش في الحقيقة هي إحدي هذه الألاعيب وربما ليس أخرها، ولكن هل سينقلب السحر علي الساحر كما حدث من قبل؟!