توماس جورجيسيان
توماس جورجيسيان


يوميات الاخبار

إنها بهجة الكتب

الأخبار

الأحد، 23 يناير 2022 - 07:21 م

 

يكتبها اليوم : توماس جورجيسيان

يكتب بيكار: راح أمسك الفرشة وألون الدنيا بلون بمبي
وح أزرع الورد فى قلبى وقدامى وجنبي
وح أنزع الغل وأسامح، وربى وحده يعلم بي

مع نهاية شهر يناير من كل عام يأتى موعدنا السنوى مع معرض الكتاب لنتأمل معا متعة القراءة ونعيش معا بهجة الكتب .. أو بتعبير آخر نتذوق ثمار المطابع ونتلذذ بعصير الكتب ..
بداية أستطيع القول بملء فمي: «عفوا لم نعلن بعد وفاة الكتب» ..
هذه العبارة الاعتراضية أو الاحتجاجية تتردد على لسانى .. وأقول «عفوا» لأنى أرى البعض من حولى صاروا يقيمون سرادق العزاء للكتب ..ثم يلطمون ويتظاهرون بالبكاء على الأطلال.. ويتساءلون متى سيأتى إعلان الوفاة؟وأحيانا يبدأون فى ذكر محاسن الفقيد الغالي!!


بالمناسبة الكتاب فى نسخته الورقية (كما يبدو) لا ينوى ولا يريد الانتحار. أما إذا كنا نريد قتله أو دفنه حيا فهذا أمر آخر.. وستكون جريمتنا وعارنا مع سبق الإصرار والترصد.
فالكتاب بدفتيه وصفحاته وسطوره ما زال «حيا يقرأ» (بضم الياء) فى كافة بقاع العالم، وخاصة فى العالم المتقدم تكنولوجيا والمتحضر ثقافيا،وعفوا لم يتم الإعلان عن وفاة الكتب، كما يهلل البعض أحيانا، وغالبا «تهليله» يعكس جهله المتأصل وتجاهله المتجدد لتطور الإنسانية ورغبتها فى إثراء معارفها وإنجازاتها الفكرية والعلمية والإبداعية عبر القراءة العميقة والكتابة الجيدة!


ألم تلاحظ أن الكتاب بقى هو الكتاب بشكله المعروف كما كان وظل عبر مئات السنين ورغم هوس البشر بشكل عام بالتغيير والتبديل والتجديد فى كافة مظاهر الحياة وأدوات المعيشة؟!
الشاعر الحكيم المتنبى قال منذ أمد بعيد «خير جليس فى الزمان كتاب» وقد نستطيع نحن أن نقول اليوم بأن الكتاب الجيد لم يعد فقط خير جليس بل خير صاحب وصديق عمر ومرفأ آمن ومرشد عالم لنا ولأولادنا فى دروب الدنيا بتقلباتها
وبالتأكيد لم يكن الجاحظ مبالغا حين قال إن ما تعرفه من الكتب فى شهر لا تعرفه من أفواه الرجال فى دهر.. ترى ماذا كان سيقول الجاحظ لو عرف وتبين له ما تقوله السوشيال ميديا وشاشات الفضائيات فى زمننا هذا وما تلوكه ألسنة الإعلاميين والإعلاميات!!
أما المفكر الكبير عباس محمود العقاد فقد عبر عما يشعر به عاشق القراءة عندما قال: «... أهوى القراءة لأن عندى حياة واحدة فى هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما فى ضميرى من بواعث الحركة».
وجاء هوزيه ساراماجو، الكاتب البرتغالى الحاصل على جائزة «نوبل» الآداب لعام ١٩٩٨، ليتحدث عن دور القراءة فى حياتنا فكتب:
«..بعض الناس يمضون كل حياتهم وهم يقرأون، ولكنهم فى قراءتهم لا يتجاوزون تلك الكلمات الموجودة على الصفحات.. إذ إنهم ربما لا يفهمون أو لا يدركون أن تلك الكلمات مجرد أحجار وضعت بعرض نهر سريع الجريان.. وأن سبب وجودها هناك أن يكون فى إمكاننا المشى عليها والوصول إلى الشط الأبعد». مضيفا: «الجانب الآخر هو الذى يجب أن يعنينا...».
و«لم تؤلف الكتب لنؤمن بما فيها، ولكن لنتأمل ونسأل عما فيها» نعم، لكى نتأمل ونسأل «عما فيها» تنبيه طرحه الكاتب الإيطالى أمبرتو إيكو فى روايته «اسم الوردة»، مضيفا: «وأمام الكتاب يجب ألا نسأل عما يقول، بل عما يعنى..».


وهنا علينا أن نتوقف ولو للحظات أمام «عما يعنى» أنه سر الكتاب وأهمية التأمل وضرورة السؤال ودور الشك وأيضا الرغبة فى معرفة الأكثر واكتشاف الذات – وما قد نتعلمه من معاودة قراءة الكتب والمزيد منها..
نعم إن القراءة «مفتاح فهم العالم»ـ هكذا ذكر ألبرتو مانغويل من حكى حواديته لعشقه الكبير وولعه العظيم للكتب ولتاريخ القراءة. كما أن القراءة مفتاح فهم أنفسنا.. ولعل من أعمق ما قيل عن القراءة هو أننا من خلالها نتعرف ليس فقط على الآخرين بل على أنفسنا.. وهذا بالطبع ليس بالأمر اليسير .. وبالمناسبة قل لى ماذا تقرأ أقول لك من أنت؟
راح أمسك الفرشة وألون الدنيا

 


الحديث عن بيكار وعالمه .. هو الإبحار فى محيط شاسع من الجمال والبهجة والخيال .. الفنان العظيم حسين بيكار ( ١٩١٣ ـ ٢٠٠٢) نهر متدفق إبداعا وعطاء ورحلة مستمرة من الاستكشاف وأبوة إنسانية لا حدود لها وكل من اقترب منه وحاول التعلم منه وجد الكثير ـ والأهم وجد كرما لا حدود له فى المشورة والنصيحة للإقبال على الحياة ـ واحتضانها.
كتب عنه الأستاذ مصطفى أمين : «أذكر أننا عندما اتفقنا معه على أن ينتقل من كلية الفنون إلى أخبار اليوم .. شعرنا أننا ننقل مدرسة للفنون لا رساما واحدا .. وكل موضوع اقترحناه عليه.. جعل رسومه أجمل من أحلامنا وأروع من خيالنا» .. وعملاق الصحافة كشف أيضا عطاء بيكار المتعدد الأوجه ذاكرا « لم يكن يعود لنا (من رحلاته الصحفية) برسوم فقط ، كان يعود بصور حية .. صور تتكلم، وتتحرك، وتغني، وترقص. كنا نشعر أننا لم نوفد رساما واحدا، بل أوفدنا بعثة فيها فيلسوف ومصور وشاعر وفنان وقبل هذا كله، فيها إنسان اسمه بيكار»


وهنا أتذكر كم من ساعات طويلة ممتعة أمضيتها معه وأنا أتردد على منزله بالزمالك وهو يحكى لى رحلته ومشواره وفلسفته و»عصارة تجربته الإبداعية». وكان يبهرنى ليس فقط بما رسمه وبما أبدعه بل أيضا بقدرته ورغبته فى التواصل مع الآخرين .. مهما كانت أعمارهم .. وأدوارهم فى مشاوير الحياة!
وتأتى فى بالى اللقطة إياها والمبدع بيكار يقف معى أمام البورتريه الشهير الخاص به هو ذاته ـ بفانلته البيضاء ـ وكانت اللوحة الآسرة الجذابة توجد فى بيته. ونقف أمامها كأننا أمام مرآة ويبدأ حوارنا، كيف أنه تأمل نفسه ووجد نفسه ورسم نفسه ثم كيف يرى اللوحة ونفسه فى تلك اللحظة، لحظة نقاشنا ؟ وهل راجع نفسه بعد أن رسم وانتهى من رسم البورتريه؟. وكيف يقرأ ملامحه الآن ؟ ثم عندما يمر بهذه اللوحة ـ بورتريه الخاص به ـ كل يوم هل يرى شخصا مختلفا أم هو الشخص نفسه؟
وبجانب لوحاته وبوتريهاته الساحرة رسم حسين بيكار « لوحة وموال» ليقدم لنا حكما ومعانى حلوة ولذيذة – اعتدنا على مدى سنوات طويلة أن نقرأها بعيوننا وقلوبنا صباح كل يوم جمعة على صفحة الأخيرة ل»الأخبار». وعلى رأى صديقتى أمل «نقرأها ونزقطط ــ ونحس أن الدنيا بخير وحتفضل بخير وكل حاجة حلوة فى انتظارنا».


يكتب بيكار:
راح أمسك الفرشة وألون الدنيا بلون بمبي
وح أزرع الورد فى قلبى وقدامى وجنبي
وح أنزع الغل وأسامح، وربى وحده يعلم بي
واللى ح يلبس نضارة سودة ذنبه على جنبه مش ذنبي
والكاتب أحمد رجب وصف «لوحة وموال» بأنها «تأملات متأنية لفنان لا يستطيع أن يرى الا كل جميل».. ذاكرا « أن كلمات بيكار ليست شعرا وليست زجلا، ولكنها كلمات ترقص على السطور فى خطو منغوم وايقاع ساحر.. انها تختلف عن الزجل فى انها كلمات ترقص الباليه!..»
ولا شك أن بيكار ومحمود سعيد ومحمود مختار وسيف وانلى وكل من جملوا حياتنا بلوحاتهم وتماثيلهم فى حاجة إلى التفاتة وتذكير بأفضالهم وبصماتهم ـ وأن نفتكرهم ليس فقط فى مناسبات ومزادات وسرادقات اعلامية ـ اعتدنا أن نقيمها مع كل قيمة نفتقدها فى حياتنا أو مع كل قيمة «نكفرها ونرجمها» فتأتى سيرتهم مع كل حملة تحريم وتجريم لما هو ابداع وفن وجمال فى دنيانا. نعم نحن فى حاجة الى الكبار. الكبار اللى احنا كبرنا بيهم وبنكبر وحنكبر بيهم . وهم بالطبع محتاجين حب حقيقى واهتمام جاد ماهوش تمثيل أو أى كلام وبغبغة (وشكرا لبيكار لأنه فكرنى بكلمة «بغبغة»)
فلاش باك .. كمان وكمان
للسينما المصرية حضور جميل وممتع فى حياتنا .. ما عشناه وعايشناه مع الأفلام المصرية عبر شاشات السينما والتليفزيون بالتأكيد تجربة ثرية نعتز بها وذكريات حلوة تبقى فى البال ومشاهد لن ننساها .. وحوارات نتذكرها كلمة كلمة.. مهما طال بنا الزمن ..
بالتأكيد لنا تاريخ سينمائى مجيد .. ونحن فى حاجة الى ذاكرة تحتفل وتحتفى وتثمن وتقدر والأهم تحافظ على هذا الإرث السينمائي.
وبلغة السينما فلاش باك .. نرجع ٩٠ عاما .. ونصل إلى ١٩٣٢
فى ذاك العام بدأت الأفلام المصرية الطويلة تنطق فى بعض أجزائها
..تم عرض سبعة أفلام مصرية روائية طويلة منها اثنان ناطقان
جزئيا لأول مرة .. ومنها فيلم «أولاد الذوات» من تأليف وانتاج يوسف وهبى ومن اخراج محمد كريم وتاريخ بداية عرضه كان ١٤ مارس ١٩٣٢ هذا ما يذكرنا بنا المؤرخ السينمائى أحمد الحضرى فى موسوعة تاريخ السينما فى مصر ..
وظهرت فى الصحافة المصرية عام ١٩٣٢ كتابات جادة عن السينما بأقلام أحمد بدرخان ونيازى مصطفى ومحمد كريم .. وأنشأ محمد بيومى بالإسكندرية المعهد المصرى للسينما.. وقدم فيلما قصيرا مدته ٦ دقائق نقل أعمدة مسجد المرسى أبو العباس.. وأصدرت دار الهلال مجلة الكواكب أسبوعيا ابتداء من ٢٨ مارس ١٩٣٢ .. بوصفها ملحقا فنيا للمصور وتتناول شئون المسرح والسينما وتصدر يوم الاثنين. وقام النجم العالمى شارلى شابلن بزيارة لمصر بدءا من يوم ١٠ مارس تابعت تفاصيلها بالصور مجلة «اللطائف المصورة»
زياراتى لذاكرتنا السينمائية مستمرة.
● كاتب مصرى مقيم بالولايات المتحدة

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة