جلال عارف
جلال عارف


في الصميم

أزمة تتصاعد.. وحرب مؤجلة

جلال عارف

الجمعة، 28 يناير 2022 - 06:20 م

رغم التصعيد الخطير فى المواقف المعلنة من جانب روسيا وأمريكا حول أزمة أوكرانيا، فمازال هناك حرص -حتى الآن- على إبقاء الباب مفتوحا على الحل الدبلوماسى، ولكن السؤال هو: إلى متى؟!

التصعيد بلغ درجة عالية روسيا تعلن بوضوح أنها لن تقبل توسع حلف «الناتو» ليضع صواريخه النووية على حدودها وتطلب ضمانات بعدم ضم «أوكرانيا» للحلف وتحشد كل قوى الضغط لتحقيق ذلك بما فيها الحشد العسكرى. وأمريكا ترد برفض وضع قيود على تصرفات الحلف أو أوكرانيا وتهدد بعقوبات رادعة ضد روسيا، ثم -مع تصاعد الموقف وفشل المحادثات السياسية حتى الآن- تعلن عن إجراءات للدعم العسكرى لأوكرانيا، وترسل شحنات من السلاح لها، وتضع ٨٥٠٠ عسكرى من جيشها على أهبة الاستعداد للتحرك إلى شرق أوربا إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا.

الآن تتسارع التطورات فى أكثر من اتجاه.. ففى الوقت الذى تسلم فيه أمريكا ردها المكتوب على مقترحات روسيا ومطالبها يعلن وزير الخارجية الأمريكية «بلينكن» أن الرد أكد وجهة نظر بلاده ومخاوف حلفائها، ويؤكد أن أبواب حلف «الناتو» ستظل مفتوحة لمن يرغب فى الانضمام إليه.. وهو ما يعنى رفض المطلب الأساسى لروسيا بالتعهد الغربى لعدم ضم أوكرانيا للحلف.
وبينما يظل الحديث عن الحوار والحل الدبلوماسى.. تعلن واشنطن أنها تتوقع غزو روسيا لأوكرانيا منتصف الشهر القادم، وتؤكد أنها لن تقف مكتوفة الأيدى.. ويأتى التصعيد الأهم من الرئيس الأمريكى «بايدن» بأن أى هجوم روسى ستكون له عواقب وخيمة وأنه قد يغير العالم بأكمله، وأن العقوبات الأمريكية ستكون رادعة وقد تشمل الرئيس الروسى «بوتين» شخصيا.

والأهم هنا هو التحرك الأمريكى لطمأنة الحلفاء الأوربيين حول إمدادات الطاقة التى تأتى ٤٠٪ منها من روسيا. ففى الوقت الذى قالت أمريكا فيه إن الغزو الروسى لأوكرانيا يعنى أن تنسى أى تفكير فى مشروع مد أنابيب الغاز لأوربا، بدأت التحرك فى خطة تأمين بدائل الطاقة للحلفاء الاوربيين من خلال زيادة الامدادات من كبار منتجى الغاز الطبيعى لأوربا، (وفى هذا الإطار يستقبل بايدن غدا أمير قطر) بالإضافة إلى التنسيق مع المشترين من الدول الصديقة لتحويل مشترياتهم إلى أوربا إذا لزم الأمر.

يمضى التصعيد يوما بعد يوم فى تجاوز «الحرب الكلامية» إلى التحرك على الأرض. ورغم أن أمريكا ودول «الناتو» تستبعد الرد العسكرى المباشر حتى فى حالة الغزو الروسى لأوكرانيا فإن تحركها إن الغزو -إذا تم- يعنى أن مرحلة جديدة فى الصراع الدولى قد بدأت، وأن العالم بعد ذلك لن يكون كما كان كما أشار الرئيس الأمريكى بايدن فى آخر تصريحاته.

واضح أن الأزمة تتجاوز ما يحدث فى «أوكرانيا» وحولها. واشنطن المهمومة بصراعها الأكبر ضد الصين لا تستطيع أن تغمض عينيها عن الدب الروسى، ولا تستطيع أن تتجاهل التقارب بين موسكو وبكين ومخاطر أن يتحول إلى تحالف كامل فى مواجهتها، ويأتى تعقيد الموقف من أن كل الأطراف تفتقد الثقة المتبادلة فيما بينها.. أوربا تخشى الدب الروسى الذى يخشى بدوره من حصار «الناتو» له.. و»بوتين» يسعى لتعزيز الموقف الروسى  مستغلا المشاكل التى تواجهها أمريكا ، بينما تدرك أمريكا أن أوكرانيا قد تكون «المستنقع» الذى يستنزف بوتين ويقطع الطريق على شراكته مع الصين التى تبقى هى الخطر الرئيسى بالنسبة لأمريكا وهى تقاتل فى سبيل الحفاظ على زعامتها المهددة.

فى المسافة بين «الحرب الكلامية» و»التصعيد الفعلى على الأرض» تتحرك أطراف الصراع الآن. الكل يحشد أدواته ويعلن -فى نفس الوقت- أنه لا يريد الصدام - مازال الباب مفتوحا للحل الذى يبعد شبح الحرب أو يؤجلها. والخطورة أن أى خطأ فى الحسابات غير مسموح به فى هذه المسافة الضيقة بين الحرب الكلامية والصدام المؤجل!!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة