قوات أوكرانيا على الحدود مع روسيا
قوات أوكرانيا على الحدود مع روسيا


هل تؤثر الأزمة الأوكرانية على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

مروي حسن حسين

الأحد، 20 فبراير 2022 - 04:48 م

رغم أن الدبلوماسية الدولية تعزز الآمال فى التوصل لتسوية تفاوضية، لكن شبح الحرب الشاملة لا يزال يلوح فى الأفق. ومع اقتراب احتمال نشوب صراع أكبر بين أوكرانيا وروسيا هناك ثلاثة مجالات رئيسية ستتأثر فيها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمواجهة واسعة النطاق بينهما.


على رأسها الطاقة، بسبب الانقطاعات المتوقعة لتدفقات الطاقة العالمية ايضا الزراعة، بسبب الاضطرابات المحتملة فى التجارة الزراعية وإنتاج الحبوب فى حوض البحر الأسود وثالثها اللاجئين، لأن هناك أزمة إنسانية أخرى من شأنها أن تضغط على المساعدات العالمية التى تعانى بالفعل من نقص التمويل .


ليبيا
تعد الدولة التى مزقتها الحرب من بين الدول الأولى التى ستتأثر بشكل مباشر بنزاع مفتوح بين روسيا وأوكرانيا. تحتفظ روسيا بقاعدة الجفرة الجوية التى يمكن أن تعبئها على الفور فى حالة نشوب حرب مع أوكرانيا.


تأتى التوترات بين روسيا وأوكرانيا فى فترة عدم استقرار داخلى شديد، بعد إلغاء الانتخابات فى ليبيا فى ديسمبرالماضى، وفى معارضة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة فى طرابلس ويخشى البعض أن تحاول موسكو الضغط على أوروبا من خلال موجة جديدة من اللاجئين القادمين من ليبيا.


سوريا
تحتفظ روسيا أيضًا بقوات فى سوريا و لها ميناء بحرى وقاعدة جوية فى مدينة طرطوس و هى فى الأساس الممثل الدولى الأكبر فى سوريا، وسبق ان أصرت روسيا على أنه لا يمكن إرسال المساعدات إلى سوريا إلا عبر الحدود الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.


على الرغم من اختلاف مسار اللاجئين عنه فى حالة ليبيا، تعتمد روسيا إلى حد كبير على نظام الحدود التركي.


إسرائيل
وتراقب إسرائيل التوترات عن كثب. كانت إسرائيل تستهدف القواعد الإيرانية بالوكالة فى سوريا بينما تتغاضى القوات الروسية المتمركزة فى سوريا عنها. فروسيا تحاول استمالة إسرائيل نتيجة المصالح المشتركة فى سوريا.

تعتبر إسرائيل الولايات المتحدة حليفها الدولى الأساسي، وأصبح المسؤولون الإسرائيليون ينظرون إلى روسيا على أنها جارهم الجديد فى الشمال.

لهذا قد تصبح إسرائيل الخاسر الأكبر فى أى حرب بين روسيا والولايات المتحدة، وذلك أساسًا لأنها ستضطر إلى الانحياز إلى أى طرف بطريقة تقوض أى مكاسب حققتها.


فى الأسبوع الماضى، حذر نائب وزير الخارجية الأوكرانى أمين دشاباروفا إسرائيل من أنها ستتأثر بشكل مباشر بأى شكل من أشكال التصعيد، فقد تكون العواقب المحتملة هى المهاجرين اليهود إلى إسرائيل من أوكرانيا أو تخفيضات كبيرة فى واردات القمح.


شبه الجزيرة العربية
الصراع فى أوكرانيا سيكون له تأثير كبير على شبه الجزيرة العربية. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص حليفان مقربان للولايات المتحدة.

وتشمل علاقتهما إمدادات النفط والغاز من ناحية ومبيعات الأسلحة من ناحية أخرى.
فوفقًا لمعهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (SIPRI) فإن هيمنة المملكة العربية السعودية على أوبك والنفط كانت بالشراكة مع روسيا.


علاوة على ذلك، وقعت المملكة العربية السعودية وروسيا اتفاقية تعاون عسكرى فى أغسطس الماضي. لذلك، فإن الاضطرار إلى اختيار جانب بين روسيا والولايات المتحدة يمكن أن يتحول إلى معضلة حقيقية.


القمح والأمن الغذائى
ستكون للأزمة الروسية الأوكرانية تداعيات اقتصادية كبيرة على عدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على اعتبار أن كلا الدولتين روسيا وأوكرانيا من المصدرين الرئيسيين للقمح عالميا..


وتصدر أوكرانيا 95٪ من حبوبها عبر البحر الأسود، وتذهب أكثر من 50٪ من صادراتها من القمح لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لذلك، فإن أى اضطراب سيكون له «عواقب وخيمة» على الأمن الغذائى فى تلك البلدان.


تشير التقديرات إلى أن لبنان وليبيا تستوردان حوالى 40٪ من قمحهما من روسيا وأوكرانيا، واليمن بحوالى 20٪، ومصر بحوالى 80٪.
حسب خبراء الاقتصاد ستتأثر 8 دول فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأزمة خبز جراء التوترات بين روسيا وأوكرانيا.


الطاقة
تؤكد الحرب فى أوكرانيا على مخاطر اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. وأثارت التوترات الحالية مخاوف من تعطل تدفق الغاز الروسى وارتفاع الأسعار حتى بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين الذين يعانون من أزمة حادة فى تكلفة المعيشة. فى ظل هذه الخلفية، يبدو أن استبدال الغاز الروسى بغاز الشرق الأوسط هو حل جذاب. لكن القول أسهل من الفعل.


قطر، باعتبارها ثانى أكبر منتج للغاز الطبيعى المسال فى العالم، كانت حتى الآن المحور الرئيسى للجهود المبذولة لإيجاد إمدادات طاقة بديلة. منذ أواخر (يناير)، تضغط واشنطن على الدوحة لإعادة توجيه صادرات الغاز إلى أوروبا ومع ذلك، فإن الإنتاج القطرى يقترب من طاقته القصوى، مع ربط الكثير من إمداداته فى عقود مع العملاء الرئيسيين فى آسيا.

إذا فشلت الولايات المتحدة فى إقناع شركائها الآسيويين بالإفراج عن بعض مشترياتهم لتسليمها إلى أوروبا، فستكون إمدادات الغاز الجديدة محدودة ويتم تسليمها بأسعار السوق الفورية، والتى هى بالفعل أعلى مستوياتها على الإطلاق.


تتعرض الرياض لضغوط أمريكية كبيرة لزيادة إنتاجها النفطى لخفض الأسعار. حتى الآن، رفضت القيام بذلك-لأن الأسعار المرتفعة تعزز إيراداتها، وتسرع من تعافيها من الوباء. لكن الصراع المتصاعد سيكثف المطالب الغربية.

قد تشعر المملكة العربية السعودية أيضًا بفرصة لتحدى هيمنة روسيا على سوق النفط فى أوروبا الشرقية، باستخدام اختراقاتها الأخيرة فى بولندا .لمحاولة الاستيلاء على حصة أكبر من السوق العالمية.


تمثل شمال إفريقيا حلاً محتملاً آخر لمشاكل الطاقة فى أوروبا، بالنظر إلى موقع الجزائر وليبيا كموردى غاز بديلين محتملين. لكن هذا أيضًا سيأتى مع تعقيدات كبيرة.


أدت التوترات المتصاعدة بين الجزائر والرباط بالفعل إلى توقف صادرات الطاقة عبر خط الأنابيب الذى يربط الجزائر وإسبانيا. العداء الطويل الأمد بين الجانبين لا يوفر سوى القليل من الأمل فى التوصل إلى حل سريع-على الرغم من أن الأزمة الأوكرانية قد تدفع إلى بذل جهود أوروبية أقوى للتوسط فى النزاع.

ومع ذلك، لا يزال بإمكان الجزائر توفير إمدادات الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا أو تصدير المزيد من الغاز شرقًا عبر خط أنابيب إلى إيطاليا. لكنه فى المقابل سيهدد خطط تعميق علاقاتها مع موسكو.


وفى الوقت نفسه، فإن عدم الاستقرار السياسى فى ليبيا والتهديد المستمر بالصراع يجعلانها شريكًا مزعجًا للطاقة، لا سيما بالنظر إلى قدرتها الإضافية المحدودة، يمكن لروسيا أن تزيد من تعقيد هذه الديناميكيات من خلال الاستفادة من وجودها فى شرق ليبيا وحقول النفط فى البلاد لتعطيل تدفقات الطاقة لأوروبا.


الجغرافيا السياسية
يمكن أن يوفر الصراع الروسى الأوكرانى لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نفوذاً جديداً هاماً على الولايات المتحدة وأوروبا. من المرجح أن تسعى كل من قطر والمملكة العربية السعودية لاستخدام ديناميكيات الطاقة لتقوية مواقفهما. قد يكون تصنيف الولايات المتحدة لقطر كحليف رئيسى من خارج الناتو فى يناير 2022 بمثابة لفتة واحدة فى هذا الاتجاه.

لكن من المرجح أن ترغب قطر فى أن تقدم أوروبا تنازلات. قد يكون على رأس قائمتها أن تقوم المفوضية الأوروبية بتأجيل تحقيق مدته أربع سنوات فى استخدام قطر المزعوم لعقود طويلة الأجل لمنع تدفق الغاز إلى السوق الأوروبية الموحدة.


تركيا
ستكون تركيا أيضًا جزءًا مهمًا من المعادلة، نظرًا لكونها عضوًا فى الناتو ولها علاقات وثيقة مع كل من روسيا وأوكرانيا. الرئيس التركى رجب طيب أردوغان منبوذ من قبل أوروبا وإدارة بايدن.

لكن الصراع فى أوكرانيا سيعزز ظهوره ويزيد من أهمية تركيا. تتنافس روسيا والغرب الآن على جذب أنقرة وراء مواقفهما بشأن أوكرانيا-حيث تحرص واشنطن على أن تواصل أنقرة مبيعاتها من الأسلحة إلى كييف.

من غير المرجح أن تتحالف تركيا بشكل كامل مع الغرب ضد روسيا، نظرًا لعلاقتها المعقدة معها. لكن هذه الديناميكيات ستؤدى بلا شك إلى سياسة خارجية تركية أكثر ثقة بالنفس-خاصة فى البحر الأبيض المتوسط وسوريا-وتخفيف حدة النقد الغربى لسلوك أردوغان الداخلي.


وإذا أدت التوترات فى أوكرانيا لمزيد من العقوبات الأوروبية على روسيا-أو غيرها من الإجراءات العقابية-فقد تستخدم موسكو موقعها فى ليبيا للرد بما فى ذلك من خلال استغلال الصراع المتجدد وزيادة تدفقات الهجرة لزيادة الضغط على أوروبا.


ايران وبرنامجها النووى
الحرب فى أوكرانيا ستؤثر على مفاوضات استعادة الاتفاق النووى الإيراني. معروف ان روسيا لعبت دورًا بناءًا فى المحادثات الأخيرة، وعملت عن كثب مع الجهات الغربية لإعادة إيران للامتثال.

لكن الأزمة فى أوكرانيا قد تدفع موسكو نحو نهج أكثر إرباكًا لتخفيف الضغط على طهران. من جانبها قد تشعر إيران أن التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا وارتفاع أسعار النفط يمنحها فرصة لالتقاط الأنفاس ويزيد من نفوذها فى المفاوضات.


وقد لا يكون من باب المصادفة أن تعلن روسيا اليوم فى خضم الاهتمام العالمى بأزمة أوكرانيا، اعتزامها إجراء تدريبات بحرية فى البحر المتوسط، وأنها نقلت قاذفات وطائرات مجهزة بصواريخ أسرع من الصوت إلى قاعدتها الجوية فى سوريا.

ويعد هذا من المؤشرات الدالة على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هى بمثابة قطعة من رقعة شطرنج عالمية تتجاذب حولها الأدوار وصراع النفوذ بين القوى الكبرى.

اقرأ ايضا | رغم أن الدبلوماسية الدولية تعزز الآمال فى التوصل لتسوية تفاوضية، لكن شبح الحرب الشاملة لا يزال يلوح فى الأفق


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة