حكايات مع صاحبة الجلالة

طاهر قابيل

الإثنين، 28 فبراير 2022 - 06:07 م

طاهر قابيل

تجدد الصراع مرة أخرى بعد ذلك بعامين وزعمت روسيا مقتل جنديين وجرح 10 فى اشتباكات مع قوات الكوماندوز الأوكرانية.. وحذر الرئيس الأوكرانى من أنها تستعد لغزو شامل. كأنما وجد المنقذ له من ضغط المحيطين له فسألنى ماذا تفعل إذا طلب منك الأستاذ والكاتب الصحفى جلال دويدار رئيس التحريرالسابق أمرا.. فأجبته بصدق سوف أنفذ طلبه فورا حتى وإن كان ما يطلبه ليس لى علاقة به.. فاستراح وجه صديقى وزميلى الكاتب الصحفى ياسر رزق عندما كان رئيسا للتحرير ومجلس الإدارة ـ رحمة الله عليه- أمام الحاضرين من الأصدقاء فى جلسة ودية بمكتب الأستاذ محمد الهوارى ـ أطال الله فى عمره ـ وذلك لأن الحاضرين كانوا يجادلونه فى تنفيذه رغبات أستاذ جلال قبل حضورى. رحمة الله عليك صديقى العزيز ياسر وأستاذنا جلال دويدار.. فقد تربينا فى مدرسة «أخبار اليوم» وتعودنا على طريقته الصارمة والمتشددة بالحق وغيرته المهنية على صحيفة «الأخبار» حتى أطلقنا عليه «صاحب الأخبار».. عرفته وهو مدير للتحرير.. وقبل أن ألتقيه كان أستاذنا «مصطفى بك أمين» يتحدث عنه وعن موهبته الصحفية وصرامته وتشدده فى عدم نشر أسماء من هم «تحت التمرين» وكنت واحدا منهم حتى لا يطالبوا بأحقيتهم فى التعيين.. وكان مصطفى بيه يطلب منى إرسال ما أكتبه للنشر فى «صحيفة أخبار اليوم» أو مجلة «آخر ساعة» لأن رئيسى تحريرهما ليسا متشددين مثل جلال دويدار ويوصينا جميعا بالسؤال عن الموضوعات التى نسلمها للنشر ولا نجلس واضعين أيدينا على خدودنا بدون أن نسأل ماذا حدث لها.. ويعلق مبتسما ـ رحمة الله عليه - أن «الكبار» مازالوا يعتقدون أنهم «تلاميذ» لذلك لا يتخذون قرارات عاجلة ويصيبون المحررين بإحباط..لأن متعة مهنتنا أننا نرى جهدنا وعملنا فورا. بعد ذلك بسنوات تم اختيارى للعمل محررا للشئون القضائية بعد تغطية أخبار الإذاعة والتليفزيون مع قسم «لست وحدك» وتوليت بالقسم القضائى تحت قيادة الأستاذة نادية العسقلانى والأستاذ محمد حسن البنا أخبار «القضاء الإدارى ومجلس الدولة» ووجدت الأستاذ جلال يستدعينى إلى مكتبه ويسألنى عن خبر نشرته من المحكمة التأديبية عن «مصر للطيران» فأجبته أن الخبر صحيح ولدىّ كل المعلومات عن القضية وأحضرتها له فقال مبتسما إن الشركة تقول إنهم لا يعرفون شيئا عن القضية وتخيلته وهو يعطيهم درسا فى المعرفة.. وكان هذا أول درس تعلمته بأن يكون لدىّ كل الأسانيد والأوراق التى تؤكد صدق وصحة ما أنشره بعيدا عن «الفبركة» والتأليف وخرجت من مكتبه أتباهى بنفسى. أبناء الأخبار عندما فكر الأستاذ «جلال» فى كتابة مسيرته الصحفية على مدى ما يقرب من 65 عاما أعترف فى صفحتها الأولى من كتابه «حكايتى مع صاحبة الجلالة» أن الفضل فى إقدامه على هذه الخطوة هو ابنه «الصحفى المتألق ياسر رزق» أحد أبناء «أخباراليوم» الموهوب والمدعوم بمستوى عالٍ من الخلق الحميد.. الكد والاجتهاد والعمل والأمانة والموهبة هى أوراق دخولك إلى قلب وعقل الأستاذ جلال ـ رحمة الله عليه-ففى إحدى المرات طلب منه الأستاذ «أحمد الجندى» وكان مديرا للتحرير أن يرفع الأستاذ جلال مكافأة الدسك لنا حتى لا نتركه.. فكان رده أننا سوف نعمل حتى لو لم نحصل على أى مقابل لأننا نحب الأخبار وكان للصديقين «ياسر وهشام العجمى» رحمة الله عليهما، مكانة خاصة عنده.. ولا أنسى عندما تركت القسم القضائى للانتقال للعسكرى وكتب رئيس القسم على الورقة أنه موافق بناء على رغبتى ولكنه يشكو من أن القسم لديه كله سيدات مما يعنى أنه لا يفرط فىّ، فرد الأستاذ جلال أنه لا يريد موافقته وأننى أصبحت محررا بالقسم العسكرى. علاقتى بالأستاذ جلال التى استمرت 15 عاما عندما كان رئيسا للتحرير وتواصلت بعد ذلك حتى توفاه الله الشهر الماضى كانت متميزة فلم يعترض على سفرى فى مهام عمل خارجية وإن كان ملتزما باللائحة والقواعد فى بدلات السفر حتى أنه عندما علم بأن الإدارة صرفت لى ربع بدل سفر استدعانى لمكتبه وسألنى فأخبرته بالحقيقة وأن أستاذ أحمد الجندى هو الذى وقع لى فقال إنه السبب فقلت له إن هذا ما حدث مع ياسر وأنت من وقعت على الورقة لأنك تكتب نصف بدل سفر عن يوم بدون مبيت فاتصل بالمدير العام وأخبره أنه «عندما يوقع نصف يعنى النصف وليس الربع».. وعندما كان يجد أن بدل السفر لن يكفى المهمة يعوضه بمكافأة حتى لا يظلم المحرر.. وأتذكر أننى عندما سافرت إلى «سراييفو» وكان ياسر قد سبقنى فى العام الذى قبله وحصلت أزمة معه لأن الفنادق غالية ونصف بدل السفر لا يكفى، كتب لى بدل سفر كاملا وأخبرته عند عودتى بأن الجهة المستضيفة لنا تحملت النفقات فكتب كلمة لا أنساها على الورقة « رد نصف بدل السفر» لأنه أخبرنى بأنها دعوة.. بعد ذلك أخبرنى مدير مكتبه الأستاذ «محمود طعيمة» هل طلبتنى العلاقات العامة؟ فقلت له لا لماذا؟.. فقال الأستاذ جلال قرر سفرى إلى «سلطنة عمان» وأرسل الورقة إلى العلاقات لاتخاذ باقى الإجراءات والحصول على قرار رئيس مجلس الإدارة.. وسافر هو للخارج وعرفت أن اختياره لى لما أبذله من مجهود. فى يناير 1999 عندما كنت أحصل على زمالة كلية الدفاع الوطنى منحنى أستاذ جلال منصب نائب رئيس القسم العسكرى دون كل أقرانى حتى من تم تعيينه قبلى بثلاثة أعوام وكان رده أنه لم يرقنا ولكن سكنّا فى أماكننا التى نستحقها.. بعد ذلك بسنوات اختارنى للسفر إلى فلسطين وكنت عندما أرسل له تقريرا من هناك يفضى له مكانا بالصفحة الثالثة أو الخامسة مع إشارة بالصفحة الأولى.. بعد ذلك بسنوات كلفنى بتغطية اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة رغم أنى لست عضوا فى قسم الشئون العربية وكان الاختيار وساما على صدرى وتقديرا لمن يجتهد ويحافظ على طهارة اليد.. ولم يتأخر الأستاذ جلال يوما عن مشاركتنا أنا وياسر وعم فاروق الشاذلى حفلات تكريمنا لنفتخر بوجوده معنا.. رحمة الله عليك أستاذنا الفاضل جلال دويدار الأب والقائد والإنسان. الصراع والحرب فى تسعينيات القرن الماضى زرت مناطق الصراع والحرب فى الصومال الذى لم تقم له «قومة» حتى الآن ويسير من فشل إلى آخر.. وذهبت إلى البوسنة والهرسك وشاهدت مآسى المدنيين وتحول جنة أوروبا إلى جحيم وحرائق وقتلى ومصابين ومشردين.. عندما دارت آلة الإعلام بنقل الأخبار والصور لما يحدث فى أوكرانيا سال فيض من الذكريات الأليمة على ذهنى. فعلى الرغم من أن «أوكرانيا» دولة مستقلة إلا أن روسيا تعتبرها جزءاً من مجال تأثيرها وقد حافظت الدولتان لسنوات على علاقات بينهما رغم العديد من النقاط الشائكة ومن أهمها «الترسانة النووية» فقد وافقت «أوكرانيا» على التخلى عنها بعد التوقيع على مذكرة «بودابست» للضمانات الأمنية التى تجنبها التهديد بالقوة أو استخدامها ضد سلامتها ووحدة أراضيها واستقلالها وسيادتها.. وفى نهاية فبراير منذ 9 سنوات بدأ رجال مسلحون معارضون لحركة الميدان الأوروبى فى السيطرة على شبه «جزيرة القرم» وأنشأوا نقاط تفتيش من جنود مجهولين يرتدون زيًّا عسكريًا لونه أخضر مع معدات عرف بعد ذلك أنهم «رءوس» فى عاصمة الجمهورية ذاتية الحكم والتى تُدار بشكل مستقل وهى موطن لقاعدة بحرية روسية. كما تم احتلال البرلمان الذى أعلن عن إجراء استفتاء على الانفصال عن أوكرانيا.. أعقب ذلك قيام السوفييت بضم «شبه جزيرة القرم» ورفضت ذلك «أوكرانيا» ومعظم دول المجتمع الدولى بعد أن أعلن البرلمان الأوكرانى أنها أرض محتلة مؤقتًا من قبل الروس.. زادت الحكومة الروسية من وجودها العسكرى وتم تشكيل قوة بها وأعلنت قوات حرس الحدود الأوكرانية انسحاب القوات الروسية من مناطق «خيرسون أوبلاست» ولكنها احتلت أجزاء من لسان «أربات الرملى» والجزر المحيطة «بسيفاش» والتى تعد أجزاء جغرافية من شبه الجزيرة.. ومنها قرى «ستريلكوف، وهنيشسك رايون» والتى تضم مركزًا هامًا لتوزيع الغاز استولت عليه بدعوى منع الهجمات الإرهابية عليه.. ونشرت روسيا أسلحة نووية. تجدد الصراع مرة أخرى بعد ذلك بعامين وزعمت روسيا مقتل جنديين وجرح 10 فى اشتباكات مع قوات الكوماندوز الأوكرانية والقبض على عملاء.. وحذر الرئيس الأوكرانى من أن روسيا تستعد لغزو شامل وحدث بالقرب من مضيق «كيرتش» أن سفنًا حربية روسية أطلقت النار على ثلاث سفن أوكرانية وقررالبرلمان الأوكرانى فرض الأحكام العرفية بالمناطق الساحلية والمتاخمة لروسيا.. وفى «دونباس» حدث نزاع مسلح ومظاهرات من الجماعات المناهضة للحكومة والموالية لروسيا وتصاعدت الأحداث إلى نزاع مسلح فى جمهوريتى «دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين» والحكومة الأوكرانية.. وواصلت روسيا حشد قواتها العسكرية بالقرب من أوكرانيا.. وفى الشهر الماضى زعمت روسيا أن قصفا أوكرانيا دمر منشأة حدودية وأن 5 جنود أوكرانيين قتلوا عندما حاولوا العبور إلى الأراضى الروسية.. وفى اليوم نفسه اعترفت الحكومة الروسية رسميًا بجمهوريتى «دونيتسك ولوجانسك» وأمر بوتين القوات الروسية بالانتشار ودخول الدبابات هذه المناطق.. وتحركت القوات الحدودية التى تركزت سابقًا على طول الحدود مع قيام الطائرات بغارات جوية استهدفت المبانى العسكرية.. وسُمعت صفارات الإنذار فى جميع أنحاء أوكرانيا وتدهورت البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونشرت صور وفيديوهات للفارين من الجحيم فى مترو الأنفاق واحتلال عدد من المدن منها محطة «تشيرنوبيل» النووية.. وسألت نفسى هل العالم الآن أمام أول حرب نووية وعالمية ثالثة.. لا أعتقد وأتمنى أن يعود السلام الأرض ونبتعد عن الحروب وإزهاق الأرواح.