المهندس على أبو سبع خلال حواره مع «الأخبار»
المهندس على أبو سبع خلال حواره مع «الأخبار»


أنتجنا العدس بـ «الزراعة الذكية»

مدير مركز البحوث الزراعية: نواجه تحديات المناخ بـ 155 ألف نوع من البذور

حازم بدر

الإثنين، 16 مايو 2022 - 10:05 م

مفتاح المستقبل فى « أكل المتاح» و «التخلى عن المعتاد»

تجربة «رغيف الشعير» مشجعة.. وتعميمها الأنسب للظروف المصرية

المصريون القدماء أكلوا بذور «الجلبان» وحان الأوان لإعادتها  للمائدة

نواجه تحديات المناخ بـ 155 ألف نوع من أصناف البذور .. وأنتجنا العدس بـ «الزراعة الذكية»

 

خمس سنوات قضاها المهندس المصرى على أبو سبع، مديرا عاما للمركز الدولى للبحوث الزراعية فى المناطق الجافة (إيكاردا) الذى تم تأسيسه عام 1977، لكن المفارقة أن هذا المركز الذى عزز من تواجده فى مصر بعد تولى أبو سبع المهمة فى 15 أكتوبر 2016، بإنشاء مقر جديد فى حى المعادى الهادىء، لا يعرف كثير من المصريين عن نشاطه.. ويشعر الباحثون العاملون بالمركز، والذين ينتمون لجنسيات مختلفة، بالحيرة إزاء هذه المفارقة، لاسيما عندما يقارنون بين شهرة مؤسستهم الواسعة فى دولة مثل المغرب، ومحدودية المعرفة بنشاطهم فى مصر، ويقولون أنه يكفى القول لسائق تاكسى فى دولة المغرب أنهم يريدون الذهاب إلى مقر الإيكاردا، ليسألهم عن المكان المحدد الذى يريدون الذهاب إليه، من بين المقرات المختلفة هناك، وهو ما لا يحدث فى مصر، حيث لا يعرف أبناؤها عن المركز، باستثناء المتخصصين فى المجال الزراعي.. ويقدم هذا المركز، المتخصص فى أبحاث المناطق الجافة، حلولا زراعية فى مجال التكيف مع تغيرات المناخ، متسلحا بما يملكه من ثروات جينية فى بنوك الجينات التى يملكها، وهو ما يرشحه ليكون من الجهات الفاعلة فى  مؤتمر الأطراف لتغير المناخ الذى تستضيفة مصر فى نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ، وهى مناسبة لتسعى «الأخبار» خلال الحوار مع المهندس أبو سبع، الاقتراب أكثر من نشاط هذه المركز لتعريف المواطن المصرى بأنشطته، لعلها تكون خطوة نحو إزالة غصة يشعر بها باحثوه بسبب عدم شعور المواطن المصرى بدورهم فى خدمة الزراعة المصرية.. وما يزيد من أهمية هذا الحوار وقيمته، أن المهندس أبو سبع صاحب خبرة دولية فى مجال التغيرات المناخية، اكتسبها من عمله السابق فى بنك التنمية الإفريقي، والذى تقلد فيه العديد من المناصب، كان من بينها مدير ورئيس لجنة التنسيق المعنية بتغير المناخ، كما ساهم فى تصميم العديد من المبادرات مثل صندوق المناخ الأخضر، التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.. وإلى نص الحوار.

 

> بداية: أشعر من متابعة بعض التعليقات على مواقع «السوشيال ميديا»، أن هناك عدم تقدير لحجم مشكلة «التغيرات المناخية»، حتى أن البعض حصرها فى حرارة مرتفعة نتغلب عليها بتشغيل التكييف.. هل تتفق معي؟
يضحك قبل أن يقول: تأثير التغيرات المناخية بجعل الطقس حارا، هو جزء من المشكلة، ولكن الفهم العميق يتعدى ذلك بكثير، إلى تأثير تلك التغيرات على المأكل والمشرب والمسكن، ليس فقط على الأجيال الحالية، ولكن على الأجيال القادمة أيضا.
وربما لم يصل هذا الفهم العميق للمواطن البسيط، لأن قضية التغيرات المناخية لم تكن تحظى بالإهتمام الكافى، لأن حجم المشكلة لم يكن معروفا إلا عند المتخصصين، ولكن أتصور أن انعكاس المشكلة فى الوقت الراهن على حياة المواطن، تعدت مسألة شعوره بحرارة الطقس، إلى أمور أخرى، ساعدت على خلق حالة من الوعى بالمشكلة.
ودعنى أشير هنا، إلى إحداث التغيرات المناخية لتعديلات فى توقيت المواسم  ومواعيد سقوط الأمطار، فجدول النوات الذى كنا نطالعه فى الأجندة السنوية، لم يعد دقيقا، وأصبحت المواعيد غير مستقرة بالمره، وهذا بالطبع أحدث خللا فى مواعيد الزراعة والرى مما أثر على اقتصاديات الفلاح، وقد يؤدى ذلك إلى هجرة مهنة الزراعة.
كذلك، فإن اختلاف الظروف الجوية واختلاف موعد المواسم، ساعد على ظهور أمراض كانت قد اختفت،  فبعض الحشرات على سبيل المثال لا تستطيع استكمال دورة حياتها مع حلول الطقس البارد، ولكن مع استمرار الطقس الحار تجد فرصة مناسبة لاستكمال دورة الحياة، وهذا يكون له تأثير مباشر على الإنتاج الزراعي.
الإختيارات الغذائية
> البعض لا يزل يحاول تبرئة الإنسان من المسئولية عن هذه التغيرات، بالقول أنها «إرادة إلهية» لا دخل للبشر بها....
لم ينتظر استكمال السؤال وقال على الفور: أظن أن مثل هذه المفاهيم لم تعد ذات قيمة، فالمهتمون بقضية التغيرات المناخية الآن، بدأوا يدركون أن السعى لعلاج تلك المشكلة، يتعدى فكرة مطالبة الدول بتقليل الوقود الأحفوري، إلى ما هو أعمق من ذلك، فمثلا  أبسط شيء وهو اختياراتنا الغذائية، يكون لها تأثير مباشر على التغيرات المناخية، لأن الاختيارات الشخصية عندما تتجمع على مستوى الدولة، يكون لها انعكاس واضح، ومن ثم فإننا إذا نجحنا فى إشاعة أنماط الاستهلاك الصديقة للبيئة، سنساهم فى حل المشكلة.
> كيف يكون لأنماط الاستهلاك الغذائى علاقة بتغير المناخ .. هل مثلا استهلاك اللحوم فى الغذاء هو سلوك غير صديق للبيئة؟
يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة، استهلها بقوله: بالطبع فإن استهلاك اللحوم يؤثر بشكل سلبى على المناخ، فإنتاج كيلو جرام واحد من لحوم البقر والجاموس يحتاج إلى 8 كيلوجرامات من الحبوب، وانتاج هذه الكمية من الحبوب، يتبعها مزيد من استهلاك المياه، ومزيد من استهلاك الأسمدة، وكذلك مزيد من استهلاك للطاقة المطلوبة لإنتاج هذه الأسمدة، وهذا يكون له تأثير على المناخ.
وتقل هذه النسبة من استهلاك الحبوب، وما يتبعها من استهلاك المياه والأسمدة والطاقة إلى النصف تقريبا، عندما تكون اللحوم المنتجة مصدرها الماعز والأغنام، وتقل أكثر وأكثر فى حال استهلاك اللحوم البيضاء من الدواجن، أما فى حال كان الاستهلاك من الأسماك، فتكون النسبة منعدمة تماما، وعليه فإن نمط الاستهلاك الغذائى يحدد مدى مساهمتك فى التغيرات المناخية.
ووفقا لهذه المقاييس من الاستهلاك الغذائي، فإن مساهمة العالم المتقدم لا تزال هى الأكبر بكثير من دول القارة الإفريقية، بسبب ارتفاع استهلاك دول العالم المتقدم من اللحوم، وما يتبعها من استهلاك للأسمدة المستخدمة فى الإنتاج النباتي، حيث أن متوسط استهلاك الاسمدة فى الدول المتقدمة 250 كيلو جرام للفدان، مقابل أقل من 20 كيلو جرام للفدان فى الدول الإفريقية.
لذلك فإن مساهمة القارة الإفريقية فى مسببات تغير المناخ محدود للغاية بسبب أنماط الاستهلاك، وتكاد تكون مساهمتها فى تغير المناخ عالميا محصوره فى الإنبعاثات القادمة من النشاط الزراعي.  
جفاف القرن
> وما هى مصادر الإنبعاثات التى ينتجها النشاط الزراعى فى القارة الإفريقية؟
يشير إلى صورة لأحد الحقول الإفريقية توجد فى مكتبه، وهو يقول: البقرة التى توجد فى هذا الحقل يخرج منها انبعاثات تعادل تلك التى تخرج من سيارة، وعندما نعم أن دول مثل إثيوبيا لديها 200 مليون رأس ماشية، فهذا يعنى أن هناك ما يعادل 200 مليون سيارة يخرج عنها انبعاثات، وتكاد تكون دول مثل جنوب افريقيا ومصر والمغرب، هى الوحيدة التى تسهم بنسبة ليست كبيرة، فى الإنبعاثات الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري، ومع ذلك توجد خطط بهذه الدول فى مجال الطاقة المتجددة.
ولذلك ستجد دوما فى أجندة مفاوضات مؤتمرات التغير المناخي، تركيز إفريقيا على التكيف مع التغير المناخي، وليس الإجراءات المتخذة لتقليل الانبعاثات الحرارية.
> رغم مساهمة دول العالم المتقدم بشكل أكبر فى الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، كما أوضحت فى حديثك، إلا أنى أرى انطباعا سائدا عند الكثيرين فى أنهم نجحوا فى تجنيب تأثيراته على حياتهم.. هل تتفق مع هذا الرأي؟
يومىء بالرفض قبل أن يقول مستنكرا: من أين جاء هذا الإنطباع، ودعنا نأخذ إنجلترا كنموذج، فهى من البلاد التى تستقبل كمية كبيرة من الأمطار سنويا، تستطيع أن ترى أثرها فى الخضرة المنتشرة فى الشوارع، ولكن منذ ثلاث سنوات كانت على موسم جفاف، حول الحشائش الخضراء إلى اللون البني، وهو مشهد غير معتاد هناك، وذلك بالرغم من أن تلك الحشائش من أنواع مقاومة للجفاف.
ومن إنجلترا إلى أمريكا، حيث شهدت قبل نحو أربعة أعوام موسم جفاف أثر بشكل كبير على إنتاج القمح، الذى أنخفض ما بين 10 و 20 %، وهى نسبة ليست بالبسيطة، من شأنها أن تهز أسواق الحبوب عالميا، قياسا بحجم الإنتاج الأمريكى من القمح، وكان للإيكاردا دور مهم فى مساعدتهم على مواجهة تلك المشكلة فى مواسم قادمة عبر تزويدهم بأصناف من القمح مقاومة للجفاف، من انتاج باحثى الإيكاردا.. وهناك مثال ثالث من منطقتنا، يتعلق بدولة المغرب، والتى تعتمد بشكل كبير على الأمطار فى الزراعة، ولكنها كانت هذا العام على موعد مع ما أطلق عليه «جفاف القرن»، حيث انخفض هطول الأمطار بشكل كبير، مما أدى إلى انخفاض يتراوح بين 40 و 60 % فى انتاجية بعض المحاصيل.
> هل نستطيع القول أن ما يشهده العالم حاليا من ارتفاع فى أسعار المواد الغذائية، هو انعكاس لتأثير التغير المناخى علىى الإنتاج الزراعى كما أوضحت فى مثالى أمريكا والمغرب؟
يشير بسباته وهو يقول: طبعا لها تأثير مباشر فى اشتعال أسعار المواد الغذائية، ولكن هناك ثلاثة أسباب أخرى لا يجب أن نغفلها، وهى أن تداعيات الإغلاق الذى صاحب كورونا بدأ يؤثر على الأسواق، كذلك ارتفاع أسعار النفط، ثم  جاءت الحرب الأوكرانية الروسية لتزيد من حدة التوتر فى الأسواق.
الزراعة الذكية مناخيا
> دعنا نركز على السبب المتعلق بمجال عمل «الإيكاردا»، وهو تغيرات المناخ، حيث تكشف اللوحة التى أراها فى خلفية مكتبكم، عن حلول يقدمها مركزكم فى هذا المجال، تتعلق بما يسمى «الزراعة الذكية مناخيا»، فماذا يعنى هذا المفهوم؟
يعود لإطلاق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة أخرى طويلة، بدأها بقوله: الإيكاردا توجد  فى 16 دولة، من المغرب ودول شمال إفريقيا إلى دول الشرق الأوسط، ودول غرب ووسط آسيا، وهى المنطقة التى يطلق عليها اسم «سوانا»، ويركز مجال عمل الإيكارادا فى هذه الدول على خمسة محاصيل رئيسية، هى القمح والذرة والشعير والعدس والفول، بالإضافة إلى محاصيل أخرى أقل أهمية.
وهذه المحاصيل بطبيعتها ليس شرهة للمياه، ولكن مع تغير المناخ وتأثيره على كميتها والزيادة السكانية التى ستقلل من نصيب الفرد منها، ظهرت حاجة إلى أساليب فى الزراعة تقلل من استهلاك المياه، عبر انتاج أصناف جديدة، تحقق مفهوم «الزراعة الذكية مناخيا».
وسأعطيك مثلا يوضح الفكرة، فالعدس من المحاصيل الغذائية المهمة فى الهند، وكانت هناك حاجة لزيادة انتاجيته فى منطقة عندهم مساحتها حوالى 12 مليون فدان، يغلب عليها زراعات الأرز، وتزرع هذه المنطقة الأرز مرتين فى العام، وبين كل محصولين توجد فترة فراغ حوالى 80 يوما، تكون فيها الأرض رطبة بسبب زراعة الأرز، ولكنها غير مستغلة فى زراعة محصول مثل العدس، لأنه يحتاج إلى 90 يوما من أجل النمو، ولكن من خلال بنوك جينات الإيكاردا، نجح الباحثون فى انتاج أصناف تعطى انتاجية فى أقل من 60 يوما، أى أننا تمكنا من استغلال فترة الفراغ بين المحصولين فى إنتاج محصول آخر، واستفدنا من رطوبة الأرض نتيجة زراعة الأرز، والتى كانت ستضيع نتيجة للبخر، وساهمنا بذلك فى الحفاظ على المياه وتوفير غذاء عندما يضاف إلى الأرز يعطى قيمة غذائية عالية للوجبة،  وهذا نموذج عملى لمفهوم «الزراعة الذكية مناخيا».
> وما هى الحلول الأخرى التى يمكن أن توفرها بنوك جينات الإيكاردا، بخلاف حل مشكلة العدس فى الهند؟
تشعر بمشاعر الحماس على وجهه قبل ان يقول: بنوك جينات الإيكاردا جمعت على مدار أكثر من 40 عاما،  حوالى 155 ألف نوع من الأصناف الأساسية للنباتات والبذور، مثل القمح والذرة والشعير والفول والعدس، وهذه الأصناف التى تم جمعها من بلاد مختلفة وبيئات مختلفة، وواجهت ظروفا مناخية قاسية فى الماضي، مثل تلك الظروف التى تواجهها النباتات الآن، تحمل حلا لكثير من المشكلات التى تواجه العالم حاليا.
> وكيف يمكن الاستفادة منها؟
كل صنف من هذه الأصناف يحمل صفات معينة، سواء من حيث تحمل الجفاف وندرة المياه أو مواجهة الأمراض، ويمكن بواسطة برامج التهجين والتحسين إنتاج أصناف حديثة تحمل هذه الصفات، وهذا أمر لم يعد يتطلب وقتا طويلا مثل الماضي، مع حدوث تطور فى الطرق المتسارعة فى الاستنباط، فيمكن الآن انتاج أصناف جديدة معمليا خلال 60 يوما، بينما يمكن إكثار هذا الصنف وإتاحته للإستخدام التجارى خلال عامين فقطـ، وهى عملية كانت تستغرق فترة تصل من 10 إلى 15 سنة.
الحفاظ على رطوبة التربة
> وهل بدأتم فى مساعدة المغرب بتلك الموارد الجينية بعد حدوث «جفاف القرن» هذا العام؟
بثقة بدت واضحة على ملامحه يقول: أصنافنا توجد فى المغرب قبل حدوث جفاف القرن، ولكن هناك فترة زمنية تفصل بين اعتماد الصنف ثم اكثاره وتوفيره بشكل تجاري، ولكن نستطيع القول أن الأصناف المقاومة للجفاف، التى كانت توجد فى بعض الحقول، ولم يتم توفيرها بعد بشكل تجاري، حققت زيادة تفوق الـ20 % فى الإنتاج عن الأصناف التقليدية فى ظروف الجفاف التى حدثت بالمغرب، وهناك حل آخر لمواجهة الجفاف تسعى الإيكاردا لتعميمه، ومؤخرا دفع موسم «جفاف القرن»، الحكومة المغربية إلى اتخاذ قرار بتعميمه فى حوالى 2.5 مليون فدان.
> وما هو هذا الحل؟
أحد أدوات مقاومة الجفاف هو الحفاظ على الرطوبة فى التربة، ويكون ذلك بواسطة طريقة الزراعة بدون تفكيك وتحريك التربة السطحية.
ويخرج ورقة وقلم من أحد أدراج مكتبه قبل أن يقول محاولا شرح هذا الحل: عند حصاد المحصول تترك جزء من البواقى الزراعية كغطاء للأرض، وعندما تأتى لزراعة محصول جديد يتم استخدام بعض الأدوات الزراعية لوضع البذور تحت هذا الغطاء النباتي، وهذا من شأنه ان يحافظ على التربة ويزيد من محتواها العضوي، ويقلل من استخدام الأسمدة الكيميائية، والأهم فى ظل ظروف الجفاف أنه يحافظ على رطوبة التربة ويقلل من البخر والنتح الذى يتسبب فى فقدان كميات كبيرة من المياه.
> ولماذا تأخرت الحكومة المغربية فى اتخاذ قرار تعميم هذه الطريقة؟
هذه الطريقة موجودة منذ فترة زمنية بعيدة بالعديد من الدول، ولكننا بدأنا فى تطويعها للظروف المحلية فى المغرب قبل ست سنوات، بالتعاون مع مراكز البحوث هناك، ووفرت هذه السنوات الست البيانات التى دفعت السلطات إلى اتخاذ قرار تعميمها فى 2.5 مليون فدان، ولكن يجب ملاحظة أن تطبيق مثل هذه الطريقة فى الزراعة يحتاج لحملات توعية، لأن فوائدة لن تظهر إلا بعد الموسم الثالث أو الرابع من الزراعة، بينما فى المواسم الأولى من تطبيقها يمكن أن يكون هناك انخفاض فى الإنتاج.  
رغيف الشعير
> وهل هناك محاولات لتنفيذ تجربة شبيهة فى مصر؟
كما قلت لك هو أحد أساليب الزراعة المعروفة، ولكن تنفيذها يحتاج إلى دعم مادى وفنى وقناعات من جانب متخذ القرار، لأنها لا تؤتى ثمارها إلا بعد ثلاث أو أربعة مواسم زراعية على الأكثر، ومن المؤكد ان مراكز الأبحاث المصرية، لديها تجارب لتنفيذ هذا الأسلوب، ولكن نشاط الإيكاردا فى مصر بمجال مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية يأخذ توجها مختلفا.
> مثل ماذا؟
كما تعلم فإن مصر تتوسع حاليا بشكل أفقى فى زراعات القمح، من خلال أراضى  بتوشكى وسيناء، كما أن هناك جهودا للتوسع الرأسى عبر أصناف عالية الإنتاجية، ويوجد صنفان تم إنتاجهما بإستخدام موارد بنوك جينات الإيكاردا، يمكنهما تقصير فترة الزراعة، وبالتالى تستطيع تفادى حرارة الصيف، وزراعة القمح فى أماكن لم تكن تزرعه، كما أن هذه الأصناف ذات احتياجات أقل للمياه، وجارى تجربتهما حاليا فى مصر.
ومثل هذه الجهود، عندما تضاف للجهد الذى بذل فى تحسين ظروف تخزين القمح عبر الصوامع الجديدة، سيكون لها تأثير فى القريب العاجل، لأن الأزمة الأوكرانية الروسية بدأت تغير كثيرا من المفاهيم المتعلقة بالأمن الغذائي، فقد تملك الأموال، ولكنك لا تجد المكان الذى تشترى منه احتياجاتك الغذائية.
 > كنت أتوقع أن تحدثنى أيضا عن مشروع استبدال دقيق القمح بنسبة 25 % بدقيق الشعير فى انتاج رغيف الخبز، والذى قلت قبل 3 سنوات، أنكم تستعدون لتنفيذه مع الحكومة المصرية...
يبتسم قبل ان يقول: من الجيد أنك أشرت لهذا المشروع، الذى انتهى قبل نحو عام، وتم خلاله اختبار مدى قبول المستهلك المصرى لرغيف خبز مخلوط بدقيق الشعير، وأعطت التجارب نتائج جيدة للغاية، حيث أثبتت انه حتى نسبة 15 % من إضافة دقيق الشعير لدقيق القمح، لم تظهر أى تغييرات ملموسة فى الشكل والطعم، وبالوصول بنسبة الإضافة إلى 25 %، حدث تغيير فى الطعم والشكل، ولكنه تغيير مقبول.
> ولماذا لم يتم اتخاذ قرار بتعميم التجربة؟
تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: مثل هذا القرار يجب أن يسبقه حملات توعية كبيرة، تتحدث عن التغيرات المناخية، وكيف أنها تؤثر على كميات المياه، وأن نبات الشعير إستهلاكه للمياه قليل، فضلا عن أن زراعته تجود فى مناطق، لا تجود فيها زراعة القمح، كما تتحدث عن فوائدة على الصحة، وتحديدا لمرضى الكولسترول والسكري، وعندما يكون هناك قبول لدى المستهلك، يتم تقديم حوافز تشجع على زراعة الشعير، لأن المساحات المزروعة به حاليا ليست كافية لتنفيذ توجه إدخاله فى رغيف الخبز، ويجب المضى سريعا فى تعميم مثل هذا التوجه، لأنه الأنسب حاليا للظروف المصرية.
وبالمناسبة يجب ان نفكر ليس فقط فى الشعير، ولكن فى نباتات وبذور أخرى، حيث يوجد 400 ألف صنف من البذور والنباتات، حوالى 300 ألف منها مصنفة على أنها يمكن أن تؤكل، و30 ألفا من هذا العدد قابل للإستخدام، ولا يستثمر من الـ30 ألفا إلا فى 30 صنفا، ثلاثة منها تحتل النسبة الأكبر من اهتمام العالم، وهى الأرز والقمح والذرة.
ومع التحديات التى تفرضها التغيرات المناخية، ستكون دول العالم مطالبة بضرورة الاستفادة من هذه الأصناف، فمفتاح المستقبل سيكون فى «أكل ما نستطيع زراعته، والتخلى عن ما نحب أن نأكله واعتدنا عليه»، فإذا لم يكن هناك امكانية فى المستقبل لزراعة الأصناف التى اعتدنا عليها مثل القمح والذرة وغيرها، فيجب أن نعود أنفسنا على البدائل.
بديل القمح
> هل يمكن ان تذكر لى أحد هذه البدائل؟
يلتقط هاتفه المحمول من مكتبه، ليعرض صورة لأحد النباتات قبل أن يقول: نبات الجراسبى أو ما يعرف عربيا باسم «الجلبان»، وهو نبات يمكن ان يكون بديلا للقمح، وهو يحتاج إلى الحد الأدنى المطلوب من الاهتمام، فإذا كنا نقول ان الشعير نبات ملائم لتغيرات المناخ، فهذا النبات يمثل ثورة فى عالم الغذاء من حيث أنه ينمو تحت أى ظرف وفى أى أرض وبأى كمية من المياه.
ومشكلة هذا النبات الذى يتم تناوله فى وسط وغرب آسيا، أن التأثير التراكمى لاستهلاكه يسبب نوعا من السمية وضمور العضلات، ولكن البحوث العلمية التى أجرتها الإيكاردا نجحت فى التخلص من الجينات المسببة لهذه المشكلات.
وأرى أن هذا النبات آن أوان استغلاله، لاسيما أن مصر لها تاريخ فى تناوله، ويوجد فى المتحف المصرى بذور منه تعود إلى العصر الروماني، وتكشف عن استهلاكه المصرى القديم له.. ولكن تحقيق ذلك يحتاج إلى حملات توعية وتحفيز للقطاع الخاص على زراعته وتحفيز للمصانع على إنتاج منتجات بسكويت ومكرونة وغيرها من المنتجات بإستخدامه.
> يكفى أن تقول فى اطار الحديث عنه انه كان يسبب سمية على المدى الطويل، ليحجم الناس عنه، حتى لو قلت لهم أنك نجحت فى حل المشكلة...
حتى تكتسب ثقة الناس يجب أن تعرض كل التفاصيل، بدلا من أن يأتى إليك أى شخص فى وقت لاحق ويدمر لك كل ما فعلته بالقول أنه يسبب السمية.
مؤتمر شرم الشيخ
> وهل ستكون مثل هذه الأفكار حاضرة فى مؤتمر شرم الشيخ للتغير المناخى الذى تستضيفه مصر فى نوفمبر المقبل؟
بالطبع، فالإيكاردا ستكون حاضرة فى كثير من الفعاليات التى ستعرض خلالها المنتجات البحثية التى تساعد فى التأقلم مع التغيرات المناخية.
>  وماذا تعنى استضافة مصر لهذا المؤتمر؟
استضافة مصر للمؤتمر حدث تاريخي، يتيح فرصا لم تكن موجودة، منها أن المؤتمر سيساعد على مزيد من التوعية بقضية التغيرات المناخية بين المصريين، عبر برامج سيتم طرحها بشكل تدريجي، كما أنه سيضع مصر على خارطة العالم فى مجال التغير المناخي، ويتيح لها شراكات مع مراكز الأبحاث فى مجال الطاقة والزراعة والمياه، وجلب مشروعات فى مجال المناخ تفيد القارة الإفريقية.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة