محمد عدوى
محمد عدوى يكتب .. حريف الناس الغلابة
الأحد، 26 يونيو 2022 - 10:47 ص
ينهى الفنان عمله، يعرض على الشاشات ما قدمه وعمل عليه لفترات طويلة، ويذهب إلى حال سبيله، ينتهي دوره هنا ويبدأ دور آخر للمتلقي، روعة الفن الحقيقي أنه يمكن تفسيره على أكثر من وجه هكذا أؤمن، ما تراه أنت ليس بالضرورة ما أراه، والاختلاف في الذائقة الفنية لا يفسد للود قضية، يمكن أن يكون المنتج الفني مثار جدل، لكن عادل إمام لا يمكن أن يكون مختلفا عليه.
عادل إمام ليس مجرد عابر سبيل في حياتنا الفنية الكبيرة، هو الحياة الفنية نفسها، التاريخ كما أنه لا يرحم أحد، التاريخ ينصف أيضا كثيرين، عادل إمام تاريخ يتحرك، لا أحد فوق النقد، لا أحد ينفرد بالصح أو يظل قابعا فى الخطأ، هى فقط مجرد روئ فنية ونقدية.
يمكن أن تختلف مع عادل إمام، مع ما يقدمه، الطريق الذى سلكه فى مشوار نجوميته، يمكن أن ترى استسهالا قد أصاب بعضا من أعماله، يمكن أن ترى شططا فى بعض الأعمال الأخرى، ترفض ذائقتك البعض الآخر، لكن لا يمكن أن تختلف على عادل إمام.
المسيرة الطويلة لعادل إمام خصبة ومتشعبة، مراحلها كثيرة، يصعب الحكم المطلق عليها، يندر أن تجد ممثلا قدم هذا التنوع الفنى الكبير، عادل إمام التاريخ الكبير لم يأت من فراغ.
التكوين
فى رأيى يمكن تقسيم مراحل عادل الفنية إلى خمسة، البداية الطبيعية والتى تستلزم الانتشار وتعتمد على الكم والتنوع وتلك التى بدأت منذ ظهوره الأول فى أواخر الستينيات من القرن الماضى وحتى عام 1980، هذه المرحلة شهدت العديد من عادل إمام، شهدت أوجه كثيرة من الممثل الذى شارك كممثل ثانوى ومشارك وسنيد حتى حظى بتجارب إنتاجية ليشارك فى بطولات جماعية، أوجها كثيرة من بطل كوميدى موهوب كان يتم إعداده بشكل أو بآخر لخوض غمار اللعبة الفنية كلاعب أساسى، فى هذه المرحلة كانت مشاركة الزعيم طيفا، ممثل موهوب يغتنم فرصة التواجد ولا ينسى الهدف الأساسى الذى بدأ من أجله، دائما وأبدا كان يرى الزعيم أن الكوميديا علاجا.. وكان طبيبا ماهرا.
النضج
الثمانينيات كانت الفترة الأهم لعادل إمام ليس فقط لأن اسمه بدأ يكبر ويحتل أفيشات أفلامه، ولكن لأنه أصبح مهتما أكثر بقضايا مختلفة، عرف طريقا مختلفا، أدرك إشارات جديدة وطرقا جديدة تصل به إلى هدفه، الفن كما الحياة مجموعة من الاختيارات، واختيارات الزعيم الملهمة في هذه المرحلة كانت صوب «المواطن الغلبان»، انحاز عادل إمام للشعب، لم يكن صوتا للحكومة كما يدعى البعض، حارب وجاهد وطرح قضايا كثيرة بداية من «الجحيم» 1980 ومرورا بغاوي مشاكل والإنسان يعيش مرة واحدة للمشبوه وعلى باب الوزير والحريف وحب في الزنزانة والغول، وغيرها الكثير كان دائما المواطن البسيط هو محور اهتمام عادل إمام، كان دائما يشعر به ويعبر عنه بالكوميديا كثيرا وبالواقعية أحيانا ولا أظن أن هناك ما يمنع من أن تجتمع الواقعية بالكوميديا إذا كان الزعيم هو من يقف خلفها.
الاختلاف
يمكن أن نعنون هذه المرحلة والتى بدأت مع مطلع التسعينيات بمرحلة الاقتراب أكثر من المواطن الغلبان مع مبدع آخر يجيد ويعرف مشاكل الشارع، مرحلة الالتحام مع وحيد حامد، تلك المرحلة التى كانت ثمارها يافعة، والتى بدأت باللعب مع الكبار والإرهاب والكباب مرورا بالمنسى وطيور الظلام، وليس انتهاء بالنوم فى العسل، فى هذه المرحلة كانت هموم المواطن حاضرة، كانت أزماته تطرح على الشاشة بقوة وجرأة، لا شك ان قوة حامد وإمام وجهادهما ومعاركهما الكثيرة مع الرقابة وغيرها كانت مفيدة للمتلقى الذى وجد اختلاف حقيقي فى الطرح السينمائي.
التنوع
فى الألفية الجديدة، ومع كبر عمر الزعيم وقلة الإنتاج السينمائي، اختار عادل إمام التنوع، عمل مع عديد من الأسماء وصوب فى أكثر من اتجاه، تأرجح بين الكوميديا الخالصة والكوميديا الاجتماعية والسياسية، قدم نماذج مختلفة للمواطن المصرى فى هذا التوقيت من بخيت المهيطل إلى سعيد المصرى إلى شريف خيرى وقدرى المنياوى وخطاب النجارى ومرجان أحمد مرجان وحتى زكى الدسوقى ومحسن هنداوى، شخصيات بنكهة جديدة تفوح منها عطر السنوات وثقل الحمل والرغبة فى التنوع المفيد.
الاقتحام
يدرك عادل إمام أن الدراما التليفزيونية مختلفة عن السينما، يجيد اللعب بقواعد الدراما، ويعرف متى يتكئ على تاريخه فى مرحلة الاقتحام التى تلازم الدراما، منذ ناجى عطا الله وحتى فلانتينو، وهو يقدر تماما أهمية العمل التليفزيونى وخطورته ولا ينسى هاجسه الأول والأخير.
ارتباط عادل إمام بالناس تسبب له فى الكثير من الأزمات، مع الحكومة أحيانا، مع المعارضة أحيانا أخرى مع فئة من المثقفين كثيرا، كان يبدو أنه خرج من هيمنة هذه الفئة التى كانت تتحكم فى النقد والصحافة، المثقفون الذين يريدون فنانا تحت مظلتهم بشكل أو بآخر، كان يريد أن يبقى مع الشعب، انتقدوه كثيرا، كانوا يرونه «مسلواتى» كان يتجاهل ذلك وكانوا يزيدون الأمر اشتعالا، وكان وما زال هو الزعيم، حريف الناس الغلابة.