كنوز| وجبة القلق والتوتر

د. أحمد خالد توفيق

الأربعاء، 23 أغسطس 2023 - 06:43 م

عاطف النمر

بقلم : د. أحمد خالد توفيق هناك قصة ممتعة عن جحا وابنه عندما أنذره من أن يضيع المال وهو عائد من السوق ، أنذره ثم صفعه على وجهه بقوة ، ولما تساءل الناس « لماذا تصفعه وهو لم يضيع المال بعد»؟ قال: « لو صفعته بعد ضياع المال فلن أستفيد شيئاً، أما بهذه الطريقة فهو لن يضيع المال أبداً لأنه جرب ألم الصفعة » !   منطق ممتاز وأنا أجده معقولاً جداً. وعرف الأستاذ عفيفى صحة هذه القصة فيما بعد ، كان يحب سمك الثعبان جداً ، وبالطبع لا يجده بسهولة فى المتاجر، ثم وجده يُباع فى محل أسماك فابتاع منه كمية جلبها لزوجته السيدة «رتيبة» وطلب منها أن تعده فى صينية مع البطاطس ، كان كمن جلب لزوجته صينية من الزمرد والعقيق ، ولابد أن ماجلان مكتشف رأس الرجاء الصالح لم يتعامل مع التوابل والفلفل بهذا الحرص الذى تعامل به الأستاذ عفيفى مع زوجته التى أوكل إليها عمل صينية سمك الثعبان بالبطاطس ، بدأت معاناته عندما توقع أنها ستحرق الصينية ، ولا يمكن للمرء أن يكون حذراً أكثر مما يجب وهو يعرف أن الناس جميعاً حمقى ، فذهب لزوجته وأنذرها من حرق السمك ، فقالت له فى غيظٍ: إنها لا تحرق الطعام ، فقال بدافع القلق والتوتر: إن هذا سيحدث اليوم ! عاد يقرأ الجريدة ، ثم وجد نفسه متوتراً ولا يركز فيما يقرأ ، فنزل إلى الشارع ، وعندما جلس فى المقهى خطر له أنها سوف تعد أرزاً أحمر بدلاً من الأبيض، وسوف تقول له إذا اعترض: « ألم تشترط أنت أن يكون الأرز أحمر؟ » وسوف يُجن وهو يقسم أنه لم يقل هذا ، اتصل بها وقال بصوت سمعه المقهى كله: « الأرز أبيض يا حمقاء!.. هل فهمتِ؟ » وراح يقرأ الجريدة من جديد ، ثم تذكر أنها بالتأكيد سوف تتخلص من قطع السمك التى تجدها دهنية أكثر من اللازم ، يا لهذه المجنونة ! جرى إلى البيت يقتحمه وهو يصيح فى زوجته : « لا تلقى بالدهن ، دهن السمك يحوى مادة أوميجا 3 وهو مفيد » ! نظرت له فى دهشةٍ وأكدت أنها لم تتخلص من دهن السمك قط من قبل ! كان متوتراً، سوف تفسد كل شيء ولن يستطيع عمل أى شيء ، ولسوف يلتهم نفسه من الغيظ من تلك البلهاء التى تملك عقل دجاجة من وجهة نظره وتوتره ! مع الوقت شعر بأنه يكرهها بجنون وبأنه لا يطيقها ، وبدأ يفكر جدياً فى أن يستل السكين ويقتلها.. لا.. سوف يُشنق بلا سبب ولن يقتنع أحد بالمبررات ، فكر فى أن يطلقها ، لكن هذا يعنى أنه لن يتناول وجبته المفضلة ! هكذا جلس فى الصالة يتلوى من العذاب والقلق ، وراح يدعو عليها ويتلو أدعية الرحمة على أمه التى كانت تؤمن بأن زوجته بلهاء لا خير فيها . عندما جاء الطعام أخيراً نسى كل هذا، لقد كانت طبخة موفقة فعلاً ، وهكذا ظل يلتهم السمك حتى شعر بأنه موشك على الاختناق . فى اليوم الثانى ذهب للعمل ، اتصل به عميل الشركة من اليابان يطلب صورة من أحد العقود، فقام يرسله له على الفاكس ، وخطر له أن ذلك الأحمق عندما يصله الفاكس سوف يزعم أنه لم يستطع قراءته لأنه غير واضح ، شعر بدمه يغلى من الغيظ ، اتصل بالعميل فى اليابان، وعندما رفع سماعة الهاتف صاح فيه : «الفاكس واضح أيها الكذاب فلا تزعم العكس»!  ثم وضع السماعة راضياً.. تُرى لماذا يتصرف مع الناس بحماقة ؟ ولماذا يتوهم أنهم يخذلونه؟ ولماذا يقف لهم بالمرصاد !!