«قرية الأوز» قصة قصيرة للأديبة نوال مهني
الجمعة، 01 ديسمبر 2023 - 06:22 م
بوابة أخبار اليوم
قرية صغير نائية ، تحيطها الحقول الخضراء وبرك المياه من كل جانب . تشتهر بتربية الأوز ، حيث تجتهد فلاحات القرية بتفريخ الأوز وتربيته وتسمينه وبيعه ، حتى أصبح يمثل لهن المصدر الرئيسي للدخل . في الصباح تمتلئ برك المياه الكائنة بجوار القرية أو الترع القريبة منها بأعداد هائلة من الأوز تفوق المئات ، وكل واحة تسبح وخلفها صغارها يتبعنها في كل حركة وكأنهن زهرات بيضاء عائمة ، وبين الحين والآخر تقف الفلاحات على الشاطئ وهن يحملن الغذاء وكل منهن تنادي أوزاتها بنداء خاص ، فيسرعن إليها سابحات ، وبعد تناول الغذاء يعدن إلى العوم .
وعند الغروب يخرج الأوز من الماء ويسير في أسراب داخل دروب القرية وكل أوزة تعرف عنوان بيتها فتتجه إليه وخلفها صغارها وهي تكاكي وكأنها تنادي صغارها ، وهن يرددن النداء بأصواتهن المميزة وكأنهن يعزفن لحنا أوزيا رائعا .
وتصادف أن أحد موظفي وزارة الزراعة المقيم بالقرية والمكلف بعمل أمين الشونة ، ومهمته وزن الغلال وتسلمها من الفلاحين بعد موسم الحصاد .
كان مرتشيا ، ويعمد إلى مضايقة الفلاحين أثناء توريد الغلال ويبخسهم حقهم مدعيا أن الغلال غير مطابقة للمواصفات . فهذا القمح من سلالة رديئة وتلك الذرة الرفيعة أرفع من اللازم ، وهذا السمسم به حصى وغير نظيف ، أما العدس فلونه أصفر دليل الشحوب والمرض ، إلى آخر الإدعاءات المغرضة مما يترتب عليه خفض درجة جودتها وبالتالي خفض أسعارها ، إضافة إلى تأخير إجراءات الوزن والتعنت في استلام الغلال مع الذين لا يدفعون الرشوة .
غير أن أغلب الفلاحين لا يملكون المال لدفع الرشوة خاصة قبل بيع المحصول وقبض ثمنه ، لذا تفتق ذهنهم عن فكرة للحل الودي بدلا من تقديم الشكاوى إلى المسئولين الذين لا يستجيبون لشكواهم ولا ينظرون فيها ، فقرروا رشوة أمين الشونة بعدد من الأوز ، وأصبح معتادا أن يذهب كل واحد من أصحاب المحاصيل ـ فبل موعد تسليم الغلال ببضعة أيام ـ إلى بيت ـ الأمين ـ وهو يحمل عدة أوزات من أكبر وأسمن ما يملك ويقدمها له قائلا : كل سنة وأنت طيب ، هدية بسيطة بمناسبة الموسم الجديد . وبذلك يضمن عدم تعنت أمين الشونة معه ويورد محاصيله وهو مطمئن البال .
وأصبح الحل الودي أو بمعنى أصح ـ الحل الوزي ـ هو سيد الموقف . وأصبح المثل السائر حينما تنشأ خلافات بين أحد القرويين وأمين الشونة
ـ يا عم حلها وزي ـ
ومرت سنوات على هذا الحال ، وفي أحد الأيام قام أحد العمال الأغبياء بغسل صفائح المبيدات الزراعية وسكب ما بقى فيها في الترع وبرك المياه فتسمم الماء ونفق الأوز ، وفقد الفلاحون هذه الثروة ولم يعد الحل الوزي ممكنا .
عاد أمين الشونة إلى مضايقة الفلاحين والتعنت معهم وغمطهم حقوقهم . ثار بعض الشباب بعد أن نفد صبرهم واتجهوا إلى قسم الشرطة شاكين الموظف المرتشي مصطحبين معهم عددا من شهود العيان .
سألهم الضابط : منذ متى يستغل هذا الموظف المرتشي موقعه ؟
ــ من عدة سنوات .
ــ ولماذا كان الصمت طوال هذه السنوات ؟ ولماذا تشتكون الآن ؟
ــ كنا نفضل حل المشكلات وديا ، والآن بعد أن نفق الأوز لم يعد الحل الوزي ممكنا .
ــ لقد أخطأتم بسكوتكم ، كان ينبغي أن تواجهوا الفساد وتبلغوا المسئولين عنه لمحاسبته بدلا من التستر عليه طوال هذه المدة حتى استشرى خطره .
ــ نعم أخطأنا ، ما كان يجب نصمت ونرضى ونغض الطرف عن الفاسدين ، فهذا يشجعهم على التمادي في ضلالهم .
قامت أجهزة الأمن بمراقبة المشكو في حقه ، حتى تم ضبطه متلبسا بأخذ رشوة وتم القبض عليه ، وأبلغت النيابة واقتيد إلى المحكمة ، وأثناء خروجه من الحكمة إلى محبسه وجد في انتظاره تظاهرة من أهل القرية تصيح في وجهه ــ يخونك أكل الوز ــ