«ابنة الحي» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

الدكتور صلاح البسيوني

الجمعة، 16 فبراير 2024 - 02:53 م

صفوت ناصف

جَلَسَتْ أُدَنْدِنُ عَلَى عُودِي أَمَامَ بَيْتِي كَعَادَتِي كُلَّ مَسَاءٍ . . فَالْتَفَّ حَوْلِي اَلْجَمْعُ مِنْ شَبَابِ اَلْحَيِّ وَالْجِيرَانِ . . اَلْكُلَّ يَهْفُوَا إِلَى سَمَاعِ اَلْأَلْحَانِ وَالْأغَانْ وَالْأَذْكَارُ . وَفَجْأَةُ شَقَّتْ اَلْجَمْعَ غَادَة هَيْفَاءْ . . يَعْلُو نِقَابُهَا بِسِمَةٍ اِرْتَسَمَتْ عَلَى عَيْنَاهَا فَزَادَتْهُمْ ضِيَاءٌ . . قَالَتْ : غَنِّ يَا سَيِّدِي . . أَنْشُرُ أَلْحَانُكَ . . وَأَهَازِيجُ اَلْعِشْقِ . . وَقَنَادِيلُ اَلضِّيَاءِ . . غَنِّ يَا سَيِّدِي . . لِتُعِيدَ اَلرُّوحَ إِلَى تِلْكَ اَلْأَجْسَادِ اَلَّتِي بِلَا رُوح لَعَلَّهَا تَسْمَعُ وَتَعِي مِنْ ذَاكَ اَلْغِنَاءِ . . سَكَنُ صَوْتِهَا . . وَانْسَحَبَتْ فِي صَمْتٍ وَحَيَاءٍ . سَأَلَتْ عَنْهَا . . وَعَلِمَتْ قِصَّتُهَا . . فَهِيَ اِبْنَةُ اَلْحَيِّ اَلَّتِي ذَاعَتْ قِصَّتُهَا بَيْنَ اَلنِّسَاءِ . . أَحَبَّتْ . . وَعَشِقَتْ . . وَتَقَدَّمَ لِخُطْبَتِهَا زَيْنْ شَبَابِ اَلْحَيِّ وَالْأَحْيَاءِ . . فَرَفَضَهُ اَلْأَهْلُ لِشِجَارٍ بَيْنَ اَلْعَائِلَاتِ جَرَى ذَاتَ مَسَاءٌ . . وَرَغْمًا عَنْ سَنَوَاتٍ عَلَيْهِ مَضَتْ . . إِلَّا أَنَّهُ ظَلَّ فِي اَلْأَحْشَاءِ . . كَرَاهِيَةٌ تُوَلِّدُ مِنْ أَرْحَامِ اَلنِّسَاءِ . . وَكَرَاهِيَةٌ يُرَبَّى عَلَيْهَا اَلْأَبْنَاءُ . حَاوَلَ اَلشَّابُّ كَثِيرًا وَأَلَحَّ فِي اَلرَّجَاءِ . . مَالُنَا مِنْ شِجَاركُمْ نَاقَةً . . وَلَا جَمَل . . وَلَا اِبْتِغَاءً . . وَكَانَ اَلرَّفْضُ دَائِمًا مُتَّشِح أَحْيَانًا بِالشِّدَّةِ . . وَأَحْيَانًا أُخْرَى بِلَا حَيَاءٍ. وَذَاتَ مَسَاء آخِرٍ بَعْد ذَاكَ اَلْمَسَاءِ . . كُنْتَ أُغْنِ أَمَامُ بَيْتِي وَحَوْلِيٌّ اَلسَّامِرِ وَالسُّمَّارِ . . يَعْلُو صَوْتٌ غِنَائِيٌّ وَالرُّؤُوسُ تَهْتَزُّ كَالْأَشْجَارِ . . فَجْأَةٌ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ اَلطَّيْرُ تَوَقُّفَ اهْتَزَازْهَمْ . . وَتَسَمَّرَتْ نَظَرَاتِهِمْ . . وَاتَّجَهَتْ أَبْصَارَهُمْ إِلَى غَادَة هَيْفَاءْ . . يَهْتَزَّ جَسَدُهَا كَغُصْنٍ أَلْبَان عَلَى تَقَاسِيمِ اَلْعُودِ وَالْغِنَاءِ . . اَلْبَسْمَةُ تَمْلَأُ عَيْنَيْهَا وَيَشِعُّ مِنْ خَلْفِ نِقَابِهَا اَلضِّيَاءِ . كَانَتْ اِبْنَةُ اَلْحَيِّ اَلْجَمِيلَةِ اَلْهَيْفَاءِ . . شَحُبَ وَجْهُهَا وَجَفَّ عُودُهَا وَلَكِنَّهَا لَازَالَتْ تَتَمَنَّى اَلْمُوسِيقَى وَالْغِنَاءُ . . سَأَلَتْ مِنْ بِجِوَارِي عَنْ سِرِّ دَهْشَتِهِمْ . اقرأ أيضا|رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة: يجب تسليط الضوء على النماذج النسائية المتفوقة في البحث العلمي  فَأَجَابَنِي : يَاسِيدِىْ لَقَدْ غَابَتْ عَنْ اَلْحَيَاةِ مُنْذُ أَيَّامٍ مَضَتْ . . فَمِنْ أَيْنَ لَهَا أَنْ تَعُودَ اَلدِّمَاءُ ! ! ؟ .