محكمة الأسرة بنجع حمادى
محكمة الأسرة بنجع حمادى


رفعت الجلسة| الليل.. وآخره

جودت عيد

الأربعاء، 20 نوفمبر 2024 - 05:15 م

كانت الساعة قد اقتربت من العاشرة صباحًا، المتقاضون يتدافعون أمام قاعة محكمة الأسرة بنجع حمادى لحضور جلساتهم، البعض منغمس فى مراجعة الأوراق التى بحوزته، وآخرون يتهامسون فى شئون دعواهم، وسط هذا المشهد الدرامى، كان ذلك الرجل يصعد سلالم المحكمة فى عجلة من أمره، أخذ يتساءل فى حيرة وقلق عن الدائرة الثانية، دون أن يخبر أحدًا عن الأسباب، هو فقط أراد أن يعرف مكانها .

لم يكن الرجل الستينى بمفرده، بل كان ممسكًا بسيدة فى الخمسينيات من عمرها، مازالت تحتفظ بجمالها رغم ما يبدو على وجهها من حزن وقلق، هى تتبعه دون أن تبدى أى امتعاض أو غضب، رافقته حتى وصل القاعة، وجلست بجواره انتظارًا لبدء المحاكمة. 

مازال العجوز يمثل لغزًا داخل قاعة محكمة الأسرة، الجميع من فى القاعة يريدون أن يعرفوا ما قصة ذلك الرجل ولماذا ظهر ممسكًا بقوة بيد تلك السيدة. دقائق وصعد القاضى على المنصة، نادى الحاجب على القضية الأولى، السيدة ابتسام م.. ومنيرة ع ضد مرسى.س.. وقف العجوز.. وفى الجانب المجاور له وقفت السيدتان..

استكمل الحاجب النداء على القضية «طلاق للضرر» هنا بدأت الأصوات تتهامس داخل القاعة، لقد علم الجميع لماذا أتى هذا العجوز إلى قاعة محكمة الأسرة بنجع حمادى، لكنهم لم يعرفوا سر تلك السيدة التى تجلس بجواره ويخشى عليها من نظرات الجميع. بدأ القاضى فى الاستماع إلى السيدتين اللتين كان يبدو عليهما علامات القلق والتوتر، طلبتا من القاضى أن يصدر حكمه بتطليقهما من ذلك الرجل الذى وصفتاه «بأنه فقد ذاكرته وأصبح مجنونًا» قصت السيدتان أزمتهما مع ذلك العجوز، أخبرتا القاضى أنه لم يصن العشرة، بحث عن شهوته، خدعهما 25 عامًا باسم الحب والقرابة، ثم تركهما وتزوج من سيدة ثالثة، رغم أنه جد لـ 20 حفيدًا. كان العجوز متماسكًا رغم ما تكيله له السيدتان من اتهامات، هو مازال يقبض بقوة على يد تلك السيدة الجالسة بجواره، يراقب بعينيه الجميع، ثم يعود ليتابع حديث زوجتيه بثقة وكأنه لا يرى ولا يسمع أحدًا غيرهما.

تمادت السيدتان فى توجيه اللوم لذلك العجوز، طلبتا من القاضى تمكينهما من منزلهما مراعاة لكبر سنهما، بعد أن أقدم العجوز على إعادة بناء المنزل من أجل تلك السيدة التى تجلس بجواره، هددتاه برفع دعاوى حجر ووصفتاه أمام القاضى بأنه فقد عقله وأصبح خطرًا على أملاكه. دقائق وانتهت السيدتان من حديثهما، نظر القاضى إلى العجوز، وطلب منه أن يرد على اتهامات زوجتيه له.

اقترب ذلك الرجل من القاعة مصطحبا تلك السيدة التى رافقته منذ الصباح، نظر إلى القاضى بعطف، واستأذنه أن يمنحه دقائق من وقته ليقص له الحقيقة كاملة، وافق بشرط أن يتحدث فى مضمون القضية. قال «سيدى القاضى، أنا لست هنا للدفاع عن نفسى، ضد الاتهامات التى سمعتها منذ دقائق من سيدتين جمعتنى بهما مودة ورحمة على مدار عشرات السنوات»..

ما أردته قوله إنه من اليوم.. انتهت علاقتى بهما، ولن أنتظر حكمك لكتابة النهاية كما يحب الجميع، بل بعد الجلسة مباشرة سأنهى كل شىء وستحصل كل سيدة على حقها كاملًا.. لكن مهلًا سيدى القاضى أريد من الحضور أن يسمعوا سبب ما أقدمت عليه..

اقرأ أيضًا|  محكمة الأسرة بالإسكندرية تحكم لزوجه بيج رامى بالخلع

نعم لقد حضرت إلى قاعة المحكمة مصطحبًا تلك السيدة، حتى أخبر الجميع أننى لم أخطئ، ولم أرتكب جرمًا أقف بسببه أمام القاضى، تزوجت من أحببتها منذ شبابى، وجدت من كانت تشاركنى أحلامى، حتى ولو كان ذلك بعد 25 عامًا من الانتظار. عشت قصة حب مع تلك السيدة وأعمارنا لم تتجاوز العشرين عامًا، رتبنا حياتنا ومستقبلنا معًا، عاهدنا أنفسنا على اللقاء مهما بعدت السنوات وتعددت الأسباب، لكن شاء القدر أن نفترق بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا.

كل واحد فينا ذهب إلى قدره، افترقنا ولم يعد هناك وسيلة للتواصل، شاءت الظروف أن أتزوج من ابنة عمى التى كانت تسكن معى نفس المنزل، حقيقة لم يكن بينى وبينها حب، كان الزواج إرضاء للعائلة، لكن رغم ذلك جمعتنى مودة ومحبة معها، رزقنى الله بطفلين منها، ثم أصابها المرض، وأصبحت غير قادرة على منحى حقوقى الشرعية، تحملت ورضيت بما قسمه الله لى..

وبعد سنوات وجدتها تطلب منى الزواج من سيدة أخرى، كانت تريد إسعادى، رفضت لكنها أصرت على طلبها، واشترطت أن تختار لى الزوجة، والحمد الله تزوجت من زوجتى الثانية صديقتها، وبدأت حياتنا تسير بروتينها المعروف فليس هناك حب أو قبول فقط إرضاء لزوجتى، أنجبت ثلاثة أطفال منها. رغم كل ذلك سيدى القاضى لم أفقد أمل اللقاء مع من أحببتها، كنت أبحث عنها فى كل حارة، أذهب إلى القرى والنجوع، أحضر الأفراح والأحزان.

على أمل أن التقى بها. نعم كنت أهيم على وجهى كالمجنون فى كل مكان باحثًا عنها لكن دون جدوى، وفجأة وأنا بصحبة صديق لى بإحدى قرى أسيوط، التقيت بها، لم تتغير ملامحها كثيرًا، مازالت تلك الفتاة التى عرفتها منذ عشرات السنوات، ابتسامتها لم تغادر وجهها ومرحها يملأ الدنيا بهجة. أسرعت إليها كالطفل المجنون، أمسكت بيديها دون أدرى، لكنها سرعان ما تداركت الموقف، لقد تذكرت كل شىء، وجدتها مرحة كعادتها، جلسنا وتحدثنا عن كل شىء، وعندما علمت أنها انفصلت عن زوجها، لم أتردد، طلبت منها الزواج وافقت وأحضرتها إلى البيت لنعيش معًا ما تبقى من عمرنا.

أعلم سيدى القاضى أن قراراى جاء متأخرًا، وأننى قد أكون بسببه ظلمت تلك السيدتين، لكننى تحملت عشرات السنوات معهما لم أشعر فيهما بسعادة لحظة واحدة، كان عقلى تائهًا مع تلك الفتاه التى أحببتها، ورغم كل ذلك لم أبخل عليهما بأى شىء، كل أملاكى دونتها باسم أولادى، وضمنت لهما حقهما فيها..

وما أبحث عنه فيما تبقى من حياتى - ليس بكثير - فقط لحظات من السعادة والراحة. انتهى القاضى من سماع الطرفين، قرر التأجيل لجلسة أخرى، على أمل أن ينهى ذلك العجوز أزماته مع زوجاته بصلح أو بانفصال.
 

 
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 

 

 

 

 

 

مشاركة