محمد درويش
يوميات الأخبار
لقاء «أحمد - منى».. قدر أم صدفة؟!
الأربعاء، 20 نوفمبر 2024 - 06:44 م
وسؤالى لكم: هل مازال أحدكم يرى أن ما حدث مع الطالبة اليتيمة قدر أم صدفة؟
رب صدفة خير من ألف ميعاد، قابلته صدفة.. ما حدث صدفة والله..
مصطلحات نتداولها يوميا، ومغزى ما يحدث من أمور حياتية محض صدفة وكأنه ليس قدرا مقدرا كتبه الله علينا وهو سبحانه القائل «إنا كل شىء خلقناه بقدر».
هل نطلق مثلا على مشهد التقاء صلاح ذو الفقار وشادية أو أحمد ومنى فى فيلم «أغلى من حياتى» قدرا أم صدفة؟
انطلاقا من الإيمان بالخالق جل شأنه وعلت قدرته، فإننى أرى أنه ليس هناك فى الحياة ما يمكن أن يكون صدفة دون تدبير من قبل الخالق، نعم إنها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها، ولن يجرنا بيت الشعر هذا لأبى العلاء المعرى إلى السؤال الأزلى: أمسيّر الإنسان أم مخيّر؟ فهذه قضية حسمها أولو العلم باعتبار كل ما يحدث هو قدرا سواء كان بإرادة الإنسان أو خارج نطاق ما كان ينتويه أو يخطط له، أرى أن الإنسان الذى جُبلت فطرته على قيم الخير والحق والعدل والجمال ووضع هذه القيم نبراسا له فى كل شئون الحياة، لن يعجزه أمر مهما كان ما دام سلم أمره إلى الله وهو يسعى إليه فى كل أفعاله وأقواله قاصدا وجهه، حسن النية متوكلا عليه.
تداعت إلى ذهنى إشكالية الصدفة والقدر عندما علمت بنبأ وفاة الزميل الصحفى أنور محمود وهو فى طريقه إلى صلاة الجمعة قبل الماضية، أبلغنى نجله الزميل محمد أنور الصحفى ببوابة أخبار اليوم الإلكترونية بخبر وفاة والده بعد أيام عشرة.
ترحمت على الصديق الذى زاملته عامين فقط فى بداية العمل بصحيفة الأخبار وانطلقت فى إعارة إلى سلطنة عمان دامت ست سنوات وعدت عام ١٩٨٩، حيث لم أجده فى قسم التحقيقات الصحفية الذى تزاملنا فيه، وعلمت انه سافر إلى الإمارات مرافقا لزوجته المدرسة فى رحلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، عاد بعدها إلى البلاد وعاش فى منزله بالجيزة حتى وافته المنية.
اقترن اسم الراحل بحكاية قد لا يصدقها عقل ولكننى أحسمها وأرجو أن تحسموها مثلى بأنه ترتيب القدر الذى شاء خالقه وجعلنا أسباب تنفيذه وإليكم الحكاية فى عدة مشاهد.
المشهد الأول
أجلس أنا وجيرانى والصديقان شميس حسن المحاسب ومسعود الحناوى الصحفى آنذاك بالجمهورية قبل انتقاله إلى صحيفة الأهرام بسنوات معدودات، مسعود كان مكلفا بمتابعة وزارة التعليم العالى ودارت فى الجلسة وتاريخها عام ١٩٨٢ حوارات عديدة رسخ فى الذهن منها أن من بين الاستثناءات فى القبول بالجامعات، وهذا بالطبع قبل أن يتم إلغاؤها، أن يكون الطالب أو الطالبة قد توفى والده بإصابة عمل.. وانتبهوا إلى ذلك لأن الكلام عنها يأتى فى السطور اللاحقة.
المشهد الثانى
كاتب هذه اليوميات محرر شاب بيته فى السيدة زينب ممكن أن يعود إلى منزله سيرا على الأقدام، ولأنه متيم بحب المهنة ومعجون بمدرسة أخبار اليوم الصحفية التى تفتحت عيناه على حروفها العشرة، كان فى مكتبه حتى بدأ الظلام ورن الهاتف الداخلى ليخبره موظف الاستعلامات بأن هناك سيدة وابنتها لهما مشكلة وتريدان محررا صحفيا لعرضها عليه ونشرها فى الجريدة.
استقبلتهما فى مكتبى القابع وسط مكاتب عدة تضم أقساما عديدة بين ثلاث صالات للمحررين تم تجهيزها لمحررى الأخبار فى المبنى العتيق وقبل إنشاء المبنى الصحفى فى الجهة الأخرى من شارع الصحافة والذى أكتب سطورى هذه منه حاليا.
الأم لخصت المشكلة فى أن ابنتها المتفوقة فى الثانوية العامة ذهب بها التنسيق إلى صيدلة جامعة طنطا، وكان التحويل إلى جامعة القاهرة المجاورة لمنزلهما بمنطقة أم المصريين لا يتم طبقا لشروط التحويل آنذاك إلا بعد مرور عام تقضيه فى طنطا قرب الكلية، استسلمت الأم لتفاجأ بأن التحويل مستحيل لأن المنهج الدراسى المطبق فى صيدلة طنطا متفرد وليس له مثيل فى أى كلية صيدلة أخرى وبالتالى التحويل مستحيل.
وبكت الأم وهى تقول إن ابنتى يتيمة وأنا أرملة بعد وفاة زوجى بإصابة عمل وأخرجت لى الشهادة التى تؤكد ذلك، وسرعان ما سألتها بناء على حوار مساء الأمس مع مسعود الحناوى: هل تقدمت بأوراقها فى التنسيق من باب الاستثناء؟ وكان ردهما مفاجأة: لا.. لم نعرف بذلك إلا من حضرتك، تقدمت بالأوراق كطالبة ليس لها استثناء.
وعندما أخبرتها أن هذا حقها، كانت الصدمة التى ظهرت على ملامحهما خاصة أن مجموعها كان يتيح لها الالتحاق بصيدلة القاهرة كفئات مستثناة.
هدأت من روعهما، وحصلت على رقم هاتف منزلهما ووعدتهما خيرا إن شاء الله.
المشهد الأخير
هرعت من الجريدة إلى منزل مسعود الحناوى جارى العزيز وأخبرته بالقصة، وبكل النبل والشهامة طلب منى أن أهاتفهما وأطلب اللقاء فى مكتب التنسيق ومكانه المدينة الجامعية فى بين السرايات.
وبالفعل تم اللقاء واستطاع مسعود أن يحقق رغبة الأم والتحقت الفتاة بصيدلة القاهرة.
ولكن ما علاقة الراحل أنور محمود بهذه الحكاية؟
خلال الحديث مع الأم وابنتها أشارت إلى ابن أختها أنور خريج كلية الإعلام قسم صحافة ربما عام ١٩٧٨ أو ١٩٧٩ أى بعدى بدفعة أو اثنتين وقلت لها للأسف لا أعرفه، وأضافت أنه عقد قرانه على ابنتها الكبرى التى تعمل مدرسة.
مرت شهور لأفاجأ بأنور يلتحق معنا بقسم التحقيقات وإذا به يوجه إلى الشكر على ما قمت به إزاء ابنة خالته مؤكدا أنه معروف لن يُنسى، وأجبت.. لم أفعل شيئاً، أنه تدبير ربك.
وسؤالى لكم: هل مازال أحدكم يرى أن ما حدث مع الطالبة اليتيمة قدر أم صدفة؟
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة