محمد جادالله
محمد جادالله يكتب: «أفلاطون» القبلة الأولى لقراءة الفلسفة (2 – 2)
الأربعاء، 20 نوفمبر 2024 - 06:46 م
ولكي يكون من الممكن تصنيف كل فرد في دولة أفلاطون، اعتمد ذلك في المقام الأول علي قدرة الفرد الطبيعية وسعيه نحو الفضيلة. ذلك ينبغي أن ينال كل شخص قسطًا من التربية للدخول تحت تصنيف ما أو طبقة معينة من الطبقات الثلاثة التي قدمنا لها، حتى يمكنه أن ينتمي إليها، أو يدخل تحت تصنيفها. من ناحية أخري يري أفلاطون أن التعليم حق علي كل مواطن في الدولة، لذلك يمكن النظر إلى جمهورية أفلاطون بأنها ديمقراطية من الطراز الأول، لأنها تمنح كل فرد الفرصة العادلة التي تمكنه من الوصول إلي أعلي مناصب في الدولة. والسؤال الآن، كيف نهيئ للدولة هذه الطبقة من الحكام الفلاسفة؟
عزيزي القارئ وضع أفلاطون منهجًا تربويًا وتعليميًا طويل المدي لإعداد الملك / الفيلسوف الذي يحوز رجاحة العقل وسلامة الطبع، ويسلك في رعايته مسلك الفضيلة والخير.ويشغلبرنامج التربية هذا قسمًا كبيرًا من حوار الجمهورية والكتابين الأولين للشرائع، ويفرق بين حقيقتين كبيرتين. الأولي، تلك التي تعني بالطفل وبالفتى، حتى سن العشرين، تحتوي علي، أولًا: التمرن علىالموسيقى، ونعني بذلك كل أشكال الفن، لأنها مرتبطة "بالموز "Muses" وبخاصة الشعر والموسيقي بالمعني الحصري (مع نبذ صارم لكل ما يشين الأخلاق، مثلاً القصائد التي تمثل الآلهة مع شهوات انسانية)؛ مع التمرن على الموسيقي، تنضم تمارين الرياضة البدنية، التي اذ تلين وتشدد قوة الجسد، تسهم في إعداد النفس. مع الاعتناء بعد إبعاد الطب، كحماية جسدية. في النهاية، في فترة الفتوة، بعد فرز الذين هم اقل كفاءة عقلية من سواهم، ليصيروا "محاربين"، يتلقى الآخرون العلوم الأساسية.
أما المرحلة الثانية من التربية سوف تشغل من سن العشرين إلى الثلاثين، بالدرس المعمق، ثم من سن الثلاثين إلى سن الخامسة والثلاثين يتم التدريب على الجدلية، كمنهج لعلم الكيان، وبالتالي الصلاح، ثم بعد ذلك يعودوا ليمارسوا وظائف الحكم في الدولة.
صديقي القارئ يبدو لنا من خلال الفقرات السابقة، انه في كل مرحلة تربوية – تعليمية يكون هناك ما هو ضروري ومرغوب فيه، وهكذا كانت الرياضة والموسيقي مطلوبتين في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية أصبحت الرياضيات هي المطلوبة، وإذا كان التصور الأسطوري مرفوضًا في المرحلة الأولى، فإن "الديالكتيك"Dialectic، ذلك أن الجدل في المنظور الأفلاطوني يمكن أن يكون ذا قيمة عليا معرفيًا، بل هو غاية كل تعليم عال، ولكنه يمكن أن يتحول إلى معرفة دنيئة لا تهدف إلا إلى المغالطة. إن "الديالكتيك"يكون اساسيًا عندما يعلم بطريقة ملائمة وفي المرحلة الملائمة، أما عندما يلقن بطرق غير مناسبة وفي مرحلة ليست هي مرحلته فإنه يؤدي مفعولًا عكسيًا.
وحتى تكون التربية سليمة مثلما يرى أفلاطون لابد للشخصية الإنسانية أن تحافظ على مبادئ كل نفس من الأنفس الثلاثة فالنفس العاقلة "ينبغي أن تكون لها الغلبة تستعين بالقوى الغضبية من أجل إخضاع القوى الشهوانية وقهر رغباتها"، كما آمن أيضًا بأن هذه التربية هي الكفيلة بالوصول إلى مجتمع عادل يلتزم فيه كل فرد بطبقته التي يعيش فيها، ذلك هو المجتمع الذي يدعو فيه أفلاطون إلى إلغاء الزواج وهدم الأسرة وينادي بشيوعية النساء والأطفال.
وختامًا نجد عزيزي القارئ أن الحديث عن التربية عند الإغريق ارتبطت كثيرًا بأفلاطون، وكانت محورًا لكتابه "الجمهورية"وتميزت التربية عنده بغايتها المثالية، وتبدأ بتهيئة الفرد لأن يصبح عضوًا صالحًا في المجتمع لتحقيق الغاية الكبرى وهي سعادة القصوى، والتي لا تتم إلا بالتعاون مادام الإنسان اجتماعي بطبعه مما يستوجب منه التعاون مع غيره لإشباع حاجاته، والتربية تقوم على إعداد الجسم والرّوح معا لبلوغ الجمال والكمال، ولهذا الأساس ركّز "أفلاطون" على تنمية الذوق الجمالي لدى الطفل عن طريق التربية الموسيقية، وتقوية الجانب البدني بالتركيز على التربية البدنية وبهذا يرى أفلاطون أنّ العملية متكاملة ووظيفية بين الرّياضة والموسيقى.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة