الشيخ الشعراوى
خواطر الشعراوي| دليل صحة التشريع
الخميس، 21 نوفمبر 2024 - 10:08 م
يبدأ الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية (240) من سورة البقرة: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» يقول: فى آية سابقة قال الحق: «والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فى أَنْفُسِهِنَّ بالمعروف والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»، إذن نحن أمام حكمين للذين يتوفون ويذرون أزواجا، حكم أن تتربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا، وحكم آخر بأن للزوج حين تحضره الوفاة أو أسبابها أو مقدماتها أن ينصح ويوصى بأن تظل الزوجة فى بيته حولا كاملا لا تُهاج، وتكون الأربعة الأشهر والعشر فريضة وبقية الحول والعام وصية، إن شاءت أخذتها وإن شاءت عدلت عنها.
«والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً» هذه وصية من الزوج عندما تحضره الوفاة. إذن فالمتوفى عنها زوجها بين حكمين: حكم لازم وهو فرض عليها بأن تظل أربعة أشهر وعشرًا، وحكم بأن يوصى الزوج بأن تظل حولا كاملا لا تُهاج إلا أن تخرج من نفسها. و«غَيْرَ إِخْرَاجٍ» أى لا يخرجها أحد. «فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فى أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
إن لها الخيار أن تظل عاما حسب وصية زوجها، ولها الخيار فى أن تخرج بعد الأربعة الأشهر والعشر. ويقول الحق بعد ذلك الآية 241: « وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» إن لكل المطلقات فى أى صورة من الصور متاعًا، ولكنه سبحانه قد بين المتاع فى كل واحدة بدليل أنه أوضح لنا: إن لم تفرضوا لهن فريضة فقال: «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ».
وإن كنتم فرضتم لها مهرًا فنصف ما فرضتم، فكأن الله قد جعل لكل حالة حكما يناسبها، ولكل مطلقة متعة بالقدر الذى قاله سبحانه. وعندما نتأمل قول الحق من بعد ذلك فى الآية 242: «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» فنحن نعرف مما سبق أن الآيات هى الأمور العجيبة، والحق سبحانه وتعالى حين ينبه العقل إلى استقبال حكم بالتعقل يكون العقل المحض لو وجه فكره إلى دراسة أسباب هذا الموضوع فلن ينتهى إلا إلى هذا الحكم. ولذلك تجد أن الحق سبحانه وتعالى يترك لبعض المشادات فى التعامل والثارات فى الخصومة أن تخرج عن حكم ما شرع الله فى أى شيء من الأشياء التى تقدمت، ثم يصيب المجتمع شر من المخالفة، وكأنه بذلك يؤكد حكمته فى تشريع ما شرع.
وإلا لو لم تحدث من المخالفات شرور لقال الناس: إنه لا داعى للتشريع. ولتركوا التشريع دون أن يصيبهم شر. إذن فحين لا نلتزم بالتشريع فالمنطق والكمال الكونى أن تحدث الشرور؛ لأنه لو لم تحدث الشرور لاتهم الناس منهج الله وقالوا: إننا لم نلتزم يا رب بمنهجك، ومع ذلك لا شرور عندنا. فكأن الشرور التى نجدها فى المجتمع تلفتنا إلى صدق الله وكمال حكمته فى تحديد منهجه.
وهكذا يكون المخالفون لمنهج الله مؤيدين لمنهج الله. وبعد ذلك ينتقل الحديث إلى علاج قضية إيمانية وهو أن الله حين يقدر قدرا لا يمكن لمخلوق أن يفلت من هذا القدر، يقول سبحانه: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموت...».
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة