نتنياهو خلال أحد اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلى
نتنياهو خلال أحد اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلى


من الجنائية إلى فضيحة التسريبات.. أزمات نتنياهو لا تنتهى

1 «رفسة الذبيح» تفرض على «بيبى» ورقة «السياسة الصفراء»

محمد نعيم

السبت، 23 نوفمبر 2024 - 03:43 م

اعتمد بنيامين نتانياهو «سياسة صفراء» عند التعاطى مع ملفات تشكل خطورة على مستقبله السياسي، وينحصر تعريف سياسته فى إدارة أزمة جوهرية بافتعال أزمة موازية، يمكنها تشتيت الرأى العام، والتشويش على محور قضيته الرئيسية؛ فإذا لعبت أزمة رهائن إسرائيل لدى حماس دورًا محوريًا فى إشعال الشارع الإسرائيلي، فلا مناص من إثارة أزمة تسريبات عبر توريط صف ضابط (رقيب) فى الاستخبارات العسكرية (أمان) بتسريب وثائق بالغة السريَّة تتعلق بمباحثات صفقة إطلاق الرهائن.

لم يظهر نتانياهو من البداية فى الصورة؛ ولتحريك أوراق الأزمة أناب عنه إيلى بلدشتاين، متحدث الشؤون الأمنية فى ديوان رئاسة الوزراء، الذى تواصل منذ أبريل الماضى مع رقيب الاستخبارات المدان، وتلقَّى منه ملف وثائق سريَّة، من بينها وثيقة تحت عنوان «السنوار»، وتضمَّنت حسب صحيفة «معاريف»: آليات حكومة نتانياهو فى تسكين صرخات أهالى الرهائن، وكيفية مناورة الحكومة أمام المجتمع الدولى فيما يتعلق بالأزمة الغزاوية. ووفقًا للائحة الاتهام، فشل بلدشتاين فى إقناع الرقابة العسكرية بنشر الوثائق فى صحف إسرائيلية، فالتف على الحظر الرقابى عبر التواصل مع صحيفة «بيلد» الألمانية لتسويق بضاعته، التى نقلتها لاحقًا صحيفة «يديعوت أحرونوت» ووسائل صحفية وإعلامية أخرى فى إسرائيل.

وأمام جهات التحقيق، ضاهت اعترافات بلدشتاين الهدف غير المعلن من إثارة قضية التسريبات، وهو تهدئة الشارع الإسرائيلى دون تراجع عن الموقف الرسمي، الرافض لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، أو تمرير بنود صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل. وخلال جلسة عامة فى الكنيست، انبرى نتانياهو فى التلاعب بأوراق أزمة التسريبات المفتعلة، وقال صراحة: «ليست الوحيدة، وإنما هناك تسريبات أخرى ينبغى التحقيق فيها».

ولا تغاير أزمة التسريبات خطًا آخر فى «السياسة الصفراء»، التى تدار بها إسرائيل فى الوقت الراهن؛ ففى محاولة لترسيخ موقفه الرافض لوقف العدوان على قطاع غزة، وعدم التنازل فى المقابل عن إطلاق سراح الرهائن بموجب الضغوطات الجماهيرية، عرض نتانياهو خلال زيارته الأخيرة محور «نتساريم» فى قطاع غزة 5 ملايين دولار مقابل الإفراج عن كل رهينة إسرائيلية، أو بالأحرى نصف مليار دولار تقريبًا عن إجمالى عدد الرهائن البالغ 101 شخص، وألمح لـ«المتعاونين المفترضين» مع سياسته الصفراء بتوفير ملاذ آمن، أو ضمان مغادرة القطاع تحت إشراف إسرائيل.

اقرأ أيضًا| من واشنطن «رجل نتنياهو القوى» يُغازل ترامب بـ«هدية» وقف الحرب فى لبنان

نتانياهو الذى اعتمر خلال الزيارة خوذة، وسترة واقية من الرصاص، لم ينتبه إلى صمت رفاقه: وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان هارتسى هاليفي، ورئيس جهاز الأمن العام الـ«شاباك» رونين بار؛ لا سيما وهو يعلم كما يعلمون رفض مصر إجراء مباحثات صفرية، تستغلها إسرائيل فى استهلاك الوقت دون إحراز تغييرات على الأرض، بالإضافة إلى انسحاب الوسيط القطرى هو الآخر من المباحثات ذاتها.

ورقتا التسريبات والنصف مليار دولار، اللتان تجسدان جوهر سياسة نتانياهو الصفراء، تضاهيان حرفيًا مناوراته السابقة وربما الراهنة لتهجير سكان قطاع غزة قسرًا ؛ وإذا لعب إيلى بلدشتاين متحدث نتانياهو دورًا رئيسيًا فى قضية التسريبات، فرئيس ما يُعرف بـ«المعسكر الليبرالي» فى حزب «الليكود» أمير وايتمان، كان رجل نتانياهو فى إعداد مشروع تهجير الغزاويين، الذى قامت أركانه أيضًا على إغراءات مالية هائلة لصالح «المتعاونين المفترضين».

إلا أن إلقاء ورقة «السياسة الصفراء» على الطاولة يؤشر إلى استنتاج عجز القيادة الإسرائيلية عن تجاوز أزمتها، ولجوء رأس نظامها إلى «رفسة الذبيح» فى ظل ضغوطات الداخل والخارج الإسرائيلي، وتضييق الخناق على مناوراته الإقليمية، وافتقاره فى المقابل إلى رافعة للنزول من أعلى الشجرة أمام احمرار عين ائتلافه اليمينى المتطرف.

الأكثر من ذلك، حسب الخبير الإسرائيلى آفى يسسخاروف، محرر الشؤون الأمنية بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، هو «اهتمام الملك بنفسه على حساب المملكة»، فلا يكترث نتانياهو بحلحلة الأزمات الإسرائيلية قدر اهتمامه بمصالح ضيقة، إذ تشير قضية التسريبات إلى «انحطاط أخلاقى غير مسبوق فى القيادة الإسرائيلية، يهدف فقط إلى بقاء النظام، وقد يذهب بحاشية نتانياهو إلى أبعد من ذلك».

ويؤكد الكاتب أن الهدف من إثارة القضية ذاتها لا يتجاوز دائرة خوف نتانياهو من وقف مؤقت لإطلاق النار فى قطاع غزة، أو إبرام صفقة للإفراج عن الرهائن، وهو ما يفضى (ربما) إلى حل الحكومة.

وتقود رغبة نتانياهو فى مواصلة القتال إلى ارتفاع معدل العمليات العسكرية فى بيت لاهيا وبيت حانون وبالطبع جباليا، بالإضافة إلى أجزاء من مدينة غزة ومن هناك مرة أخرى إلى الجنوب فى خان يونس ورفح وربما أيضًا مخيمات الوسط.

يأتى كل ذلك فى وقت تدرك فيه إسرائيل افتقار حماس إلى قيادة مركزية أو قدرة قتالية، واقتصار نشاطها على مجموعات محدودة تحاول تعقب وإحباط عمليات الجيش الإسرائيلي. وتحت عنوان «عملية احتيال غير مسبوقة»، أوضح الكاتب الإسرائيلى أن حكومة نتانياهو لا ترغب فى وضع بديل لحماس بقطاع غزة، لا سيما وأن الاحتفاظ بالحركة يعطى مبررًا لاستمرار الحرب، كما لا تريد الحكومة ذاتها إبرام صفقة للافراج عن الرهائن، فالأهم أن الحرب تضمن بقاءها، وليذهب الرهائن وذووهم إلى الجحيم.

وبأسلوب استنكارى بطبيعة الحال، زاد الكاتب آفى يسسخاروف: «لم يبق من الرهائن سوى 101 فرد، نصفهم تقريبًا على قيد الحياة، وبمرور يوم بعد آخر يتناقص عدد الرهائن. إذًا، ما وجه المقارنة بين تعزيز وضعية الائتلاف الحكومي، وتفادى إجراء الانتخابات، والهروب من لجنة تحقيق حكومية، إذا كان المقابل هو الإبقاء على «الملك» (نتانياهو) فى السلطة. حينئذ تصبح كل الوسائل مشروعة».

إذا كانت قضية التسريبات وغيرها من قضايا «السياسة الصفراء» تهدف إلى امتصاص غضب الجماهير وتحييد السخط غير المسبوق، فليس ثمة شك فى حتمية تحصين رئيس الوزراء الإسرائيلى ضد كل من يُدلى بشهادته المستقبلية فى إخفاقات الحرب؛ لذلك، أقال نتانياهو وزير الدفاع يوآف جالانت فى ذروة الحرب دون أن يرف له جفن، ولا مانع من شن حملة عاصفة ضد رئيس جهاز الأمن العام الـ«شاباك» رونين بار، نظرًا لأن مؤسسته هى المعنية بالتحقيق فى تسريب الوثائق الاستخباراتية التى يدور الحديث عنها؛ كما لن تخرج عن إطار ممارسات حكومة إسرائيل غير المسؤولة الدعوة إلى إسقاط المستشار القانونى للحكومة جالى باهاراف ميارا.

وكذلك العودة إلى تسريع وتيرة التوغل على السلطة القضائية بما يُسمى قانون «الاصلاحات القضائية» لمجرد بقاء نتانياهو وحكومته فى السلطة. ربما لا ينكر نتانياهو وحكومته اهتراء حبال «السياسة الصفراء»، لكن التعويل على إطالة عمرها يقتصر فقط على عودة دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، والانطلاق حينها إلى تسوية لكل الملفات العالقة بما يضمن دعم رصيد حكومة نتانياهو بمكتسبات من العيار الثقيل، قد تعيدها للوقوف على أقدام ثابتة.

 
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 

 

 

 

 

 

مشاركة