الدرونز الزراعية
الدرونز الزراعية


«حروب ذكية».. هل تمثل «الدرونز الزراعية» الصينية تهديداً لأمريكا؟ 

علاء الدين حافظ

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 - 03:42 م

في الوقت الذي تركز فيه واشنطن على احتمالية مشاركة تطبيق «تيك توك»، مع الاستخبارات الصينية لأغراض التضليل والحرب الهجينة، هناك تهديد آخر أكثر خطورة بحسب الموقع الأمريكي «War on the Rocks»، يتخطى حدود الفضاء الرقمي، ويتمثل في الطائرات الزراعية الصينية التي تحلق تحت الرادار. فهذه التكنولوجيا التي تجمع البيانات تشكل تهديدًا أكبر للأمن القومي مقارنة بأي بيانات قد يتم مسحها من منصات التواصل الاجتماعي.

ولا يقتصر دور هذه الطائرات غير العسكرية، التي أصبحت الآن جزءًا من الأسواق العالمية، على تتبع البيانات الشخصية فقط، بل يزعم الموقع الأمريكي المتخصص في تحليل الشؤون العسكرية والدفاعية، أن هذه الطائرات تجمع بيانات زراعية دقيقة للغاية يمكن تحويلها لأسلحة سياسية، واقتصادية تمكن الصين من الحصول على تأثير غير مسبوق على إنتاج الغذاء والموارد الحيوية والإمدادات. 

 

◄ إجراءات وقائية وتنظيمية

 

ووفق المركز الأمريكي فإن ارتفاع مستوى الثغرات الأمنية المرتبطة بتقنيات الزراعة الذكية، إلى جانب نقص الاستعداد للتعامل معها، يجعل هذه التقنيات هدفًا محتملاً لأي منافس. كما أن ضعف الرقابة التنظيمية يزيد من المخاطر المرتبطة بها من قبل الدولتيين وغير الدولتيين. 

ومن أجل التصدي للتهديدات المرتبطة بالتقنيات الصينية، يقترح المركز تعاونًا مشتركًا بين مختلف الجهات الحكومية والمؤسسات، فضلاً عن إطار تنظيمي دولي لمعالجة المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات المرتبطة بتقنيات الزراعة الذكية، ومنع استخدامها بطرق غير مشروعة.

في هذا السياق، سيكون من المفيد للمزارعين، وأجهزة الأمن القومي، والمستهلكين أن يستلهموا من حملة «اعرف مزارعك.. اعرف طعامك»، ويطالبوا بـ«معرفة تقنيتك، من أين تأتي، ومن يملك حق الوصول إلى بياناتك». 

مع تقدم تقنيات الزراعة الذكية، أصبح من الضروري أن تكون أولوية حماية البيانات وزيادة الوعي الأمني على مستوى القطاع الزراعي. في ظل المواجهة الحالية مع الصين، ما يغيب في كثير من الأحيان هو أن جوهر هذه الابتكارات التكنولوجية لا يقتصر على التنافس الجيوسياسي فحسب، بل أيضًا على العمل من أجل بناء نظام غذائي عالمي أكثر أمانًا.

 

◄ سياسة أمن قومي أكثر فاعلية 

 

ومن وقت لآخر تثير عواصم الدول الغربي، مخاوف متزايدة من التطور التكنولوجي الصيني، إذ يعد الابتكار التكنولوجي حجر الزاوية في «حلم الصين» للرئيس شي جين بينغ، الذي يهدف إلى تحويل البلاد إلى قوة عالمية بحلول 2049. 

وفي هذا السياق، يدعي المركز الأمريكي أنه من الضروري تحويل الاهتمام من مجرد حظر التقنيات الصينية إلى دراسة تداعياتها الأمنية الأوسع، والعمل على صياغة سياسة أمن قومي أكثر فاعلية وواقعية لمواجهة هذه الثغرات. في هذا الإطار، أشار تقرير حديث صادر عن الكونغرس إلى التهديدات التي تشكلها تقنيات الطائرات الصينية بدون طيار في البرامج البحثية الأكاديمية، ليس فقط من خلال سحب البيانات الخام، بل وأيضًا «وبشكل غير مباشر» كوسيلة للوصول إلى أنظمة تكنولوجيا المعلومات في الجامعات وقواعد البيانات المعرفية.

وبدأت سياسة تأمين التقنيات الصينية من خلال التدابير ضد عملاق الاتصالات «هواوي» ومشاركتها في تأسيس شبكات الجيل الخامس (5G)، واليوم يشعر المشرعون في أمريكا الشمالية وأوروبا بقلق بالغ حيال احتمالية إساءة استخدام تطبيق «تيك توك» لبيانات المستخدمين من قبل مالكه الصيني «بايت دانس».

ورغم أنه لم يقدم أدلة ملموسة، يشير المركز الأمريكي إلى أن هذه البيانات قد تُنقل لأجهزة الاستخبارات العسكرية الصينية، ما يشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا. ومع إقرار الكونغرس في 13 مارس الماضي مشروع قانون يلزم «بايت دانس» ببيع أصوله الأمريكية أو مواجهة الحظر، شدد النائب الجمهوري ستيف سكاليس على أن «هذه قضية أمن قومي حاسمة». وبينما قد يكون هذا صحيحًا، يبقى السؤال: هل منصة تواصل اجتماعي مملوكة لشركة صينية هي التهديد الأكبر على الأمن القومي؟

هل هي «تيك توك» فقط؟

ورغم التدابير الكبيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة التكنولوجيا الصينية، وخاصة فيما يتعلق بالقيود التي فرضتها على «هواوي» الصينية، إلا أن هذه تدابير تعطي انطباعًا بتحقيق الأمن، دون أن تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وفي إطار محاولات  التصدي للتكنولوجيا الصينية، يرى المركز الأمريكي أن الطائرات الزراعية الصينية، واحدة من هذه التقنيات التي قد تهدد أمريكا بشكل أكبر من منصات التواصل الاجتماعي.
ويبرر ذلك بأن هذه الطائرات التي تُستخدم في مجالات مثل رش المبيدات وتوزيع الأسمدة، تقوم بجمع بيانات زراعية دقيقة يمكن أن تُستغل بشكل استراتيجي في سياقات سياسية واقتصادية وعسكرية. 

لا تقتصر المخاطر على استخدامها في جمع البيانات فقط، بل يمكن أن تُستخدم أيضًا لأغراض مثل شن حرب بيولوجية ضد المحاصيل الزراعية، ما يتيح تهديدًا مباشرًا لإمدادات الغذاء وأمن البلدان، حسب المركز الأمريكي.

لا يُخفى على أحد أن الصين باتت اللاعب الرئيسي في أسواق تجارة الطائرات الزراعية، وتعتبر الشركات الصينية المصنعة للطائرات مثل "XAG" و"DJI" من كبرى الشركات في هذا المجال. 
وعلى الرغم من أن النقاش حول الأمن في الزراعة الذكية يتركز إلى حد كبير على قضايا الأمن السيبراني والتهديدات المحتملة التي تشكلها البرمجيات الخبيثة لاختراق بيانات الزراعة، فإن الطائرات الزراعية تعد واحدة من التقنيات التي قد تكون لها تأثيرات أمنية أكبر. إذ يمكن «للطرف الثالث» الوصول إلى بيانات شاملة تم جمعها من قبل هذه الطائرات دون الحاجة لاستخدام وسائل غير مشروعة، وذلك بسبب ضعف الرقابة التنظيمية.

 

◄ تهديدات الطائرات الزراعية على الأمن القومي

 

وأمام تعاظم الاعتماد على هذه الطائرات، أطلقت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية في وقت سابق  تحذيرات بخصوص الطائرات التي تصنعها شركة «DJI» الصينية، زاعمة أنهاتمثل تهديدًا للأمن القومي. 

اقرأ أيضا| متخصص يوضح دور الذكاء الاصطناعي في تفجير سد« نوفا كاخوفكا» 

ففي يناير الماضي، تم إدراج الطائرات التي تصنعها «DJI» في القائمة السوداء بسبب تهديدها بالتجسس على البنية التحتية الحيوية. 

ويدعي المركز الامريكي أن «قانون الاستخبارات الوطنية» الصيني لعام 2017، ينص على أن جميع الشركات الصينية يجب أن تتعاون مع الأجهزة الاستخباراتية، وتتيح لها الوصول إلى البيانات التي تجمعها محليًا ودوليًا، ما يعد مصدر قلقرئيسي. 

وتجمع هذه الطائرات صورًا جوية عالية الدقة وتسجيلات حية يمكن أن تكشف عن مواقع البنية التحتية الحيوية، ولكن هناك مشكلة أكبر تتعلق بالبيانات التي تجمعها هذه الطائرات.

كما تجمع بيانات شاملة عن الإنتاج الغذائي في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمكن أن تستخدمه الصين كأسلحة اقتصادية وسياسية للحصول على نفوذ عالمي. وقد أقامت الحكومة الصينية اتفاقيات مع شركات الطائرات الزراعية الصينية وجامعات البحث الزراعي، حيث تتيح استراتيجيتها «الدمج العسكري-المدني» دمج التقنيات المدنية مع الأهداف العسكرية، مما يمكّن الحكومة الصينية من استغلال البيانات الزراعية الحيوية لتحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية.

◄ استغلال البيانات الزراعية

 

وفي إطار استراتيجية الاستثمار، تجمع الطائرات الزراعية الصينية بيانات مفصلة حول المحاصيل والصناعات الزراعية، مثل حالة المناخ، وظروف التربة، وحساسية المحاصيل للأمراض والآفات. فعلى سبيل المثال، يمكن للطائرة المستخدمة في حقول الذرة في الولايات المتحدة، أحد أكبر منتجي الذرة في العالم، أن تجمع بيانات عن المناخ في المنطقة، وتحديد احتياجات المحاصيل المثلى، بالإضافة إلى تحليل هذه البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن الضعف في المحاصيل. وهو ما يعزز قدرة الصين على استخدام هذه البيانات لتطوير منتجات زراعية مثالية مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية والفطريات المعدلة جينيًا لتحسين الإنتاج الزراعي، حسبما أفاد المركز الأمريكي. 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 

 

 

 

 

 

مشاركة