صورة موضوعية
الورد بيعجز بفعل الوقت: تضاد الرؤية وتشكيل الكتابة
الخميس، 28 نوفمبر 2024 - 12:44 م
إبراهيم أحمد أردش
يعد ديوان «الورد بيعجز بفعل الوقت» الصادر فى طبعته الأولى عن الاتحاد العالمى للشعراء، الديوان الثالث فى المسيرة الإبداعية للشاعرة والمسرحية رنا عبد السلام، ويحتوى الديوان على عشرين قصيدة، تضج بهموم الذات الشاعرة والتى تعد انعكاسًا للهموم البشرية، ويغلب على الديوان طبيعتان، طبيعة فخورة، معتزة، مترفعة وطبيعة أخرى رثائية يائسة، ويمتد هذا التداخل بين الطبيعتين من عتبات الديوان الأولى، كما هو موضح فى صورة الغلاف:
فصورة الغلاف عبارة عن وردة مقطوفة فى مرحلة الأفول، لكنها مازالت جميلة وشامخة، وفى الخلفية لون أقرب إلى اللون البنفسجى يميل إلى اللون القاتم الدال على القوة من الأسفل واللون الفاتح الذى كاد أن يتلاشى من الأعلى، ثم إطار أبيض يحيط بلوحة الغلاف، فهذا المشهد الذى يشتمل على تناقضين القوة والضعف، البدايات والنهايات، الانكسار والشموخ، معبرٌ إلى حدٍ بعيدٍ عن طبيعة الديوان، ثم يأتى العنوان باللون الأبيض المنفتح بكل دلالته المتناقضة؛ فيمكن أن يحيل اللون الأبيض إلى الاستسلام والموت من جهة، ويمكن أن يشير إلى التسامح والسلام والحياة من جهة أخرى، كما أن الطبيعة التركيبية للعنوان تشير إلى ذلك، فالورد هذا الكائن المبهج، المُدخل السعادة إلى القلوب، حتمًا سيضعف ويصيبه الوهن جراء مرور الزمن عليه، وبالتالى لا ينبغى أن نقف مكتوفين، إننا نؤمن بحركة الزمن، لكن علينا أن ننقذ الورد قدر استطاعتنا، أن ننقذ حياتنا، إنسانيتنا، أخلاقنا قبل أن تشيخ.
وبالعبور إلى داخل الديوان نجد القصيدة تخالف عنوانها كما فى قصيدة «هامش» الذى نتوقع من الشاعرة أن تتحدث عن الهامش المبعد عن المتن المنفى والمنسى، لكن بدلًا من ذلك تفخر بذاتها:
«كافة خيوط المعركة ف إيدى
والنرجسية بتجرى مجرى الدم فى وريدى» (ص31)
وعن طريق السارد الذاتى تتكلم الذات عن قوتها وتحكمها، وقدرتها على التوجيه، وعن هذه النرجسية التى تجرى فى الدم مجرى الوريد، إنها ذات استطاعت أن تتخلص من الميراث الذكوري؛ لتصبح الأنثوية هى المتحكمة فى المعارك التى تحاك تضدها وتحركها مثل العرائس، صورة تعبر عن الشموخ، لكنها من ناحية أخرى تعبر عن الانكسار، فكل ما حيك ضد الأنثى من معارك، كانت الأنثى فاعلًا صانعًا فيه.
كما أن النرجسية التى تجرى مجرى الدم من الممكن أن تكون مقابلا للشيطان بكل غروره وشروره، فهى صورة قائمة على ضدين، ويتم تلقيها من أكثر من وجهة.
إن الذات الشاعرة، تكتب بوعى ومقدرة على توجيه القارئ، مستخدمة ما أتاحته تقنيات الكتابة، فتستخدم الأقواس وعلامات الترقيم والخطوط وغيرها من أدوات الطباعة، لتلفت القارئ لجمل شعرية بعينها داخل النصوص، نجد ذلك فى عناوين بعض القصائد مثل قصيدتى «م / ريم (1)» و «م / ريم (2)».
وهذا يجعل القارئ يطرح العديد من الأسئلة، مثل: لماذا هذا الفصل فى بنية الكلمة بشرطة مائلة بين حرف الميم وبقية الكلمة؟
هل مثلا أرادت أن تقول الشاعرة معجزة مريم عليها السلام؟ ويدلل على ذلك قولها:
«طول عمرى اشوف المعجزة فى مريم»(ص9)
أم أرادت أن تتحدث فى العنوان ليس عن السيدة مريم العذراء كما بدا للقارئ داخل القصيدة وإنما عن فتاة تسمى ريم مثلا؟
كما تستخدم الشاعرة التسطير السفلى لتجذب انتباه المتلقى وتركيزه كأن تقول:
«واللى باقى ف قلبى ضل» (ص109)
قولها فى قصيدة بيجو:
«وك رد فعل لطفل الدنيا سرقت منه حلمه فا تاه» (ص42)
فالخط يمتد من كلمة فعل إلى تاه، كأن الناس لن تركز على أن هذا الفعل عبارة عن رد، بل ستركز على فعل الطفل نفسه دون التفكير فى أسبابه ومن ثم يعاقب الطفل على فعله، رغم أنه المسروق، وهذا الفارق أو الفراغ بين «فا» و«تاه» يزيد من الشعور بحالة التيه التى يعانى منها الطفل.
وهذه القصيدة «بيجو» من القصائد التى استثمرت فيها الشاعرة تقنيات الكتابة بكثرة ففى مطلع القصيدة تقول:
«إهداء إلى/ ....» (ص40)
تلك الكتابة الشبيهة بنمط الكتابة الرسائلية وبدايات الكتب أيضًا، ونجد أن هذا المهدى إليه غير معين أو محذوف، فهل هذا المهدى إليه غير معروف، هل هو العدم مثلا؟ أم إنه «أول نهار.. يملك جسارة الاعتذار على غلطة ما عملهاش» كما جاء فى النص عقب ذلك؟ (ص40) .
ونجد فى هذه القصيدة استخدام الأقواس كقولها «لسه (الصباح) شاهد» و «(بينى وبينك) و «يا (صبية يا)»
وسأختم بالإشارة إلى قصيدتين تمثلان موضوع القراءة؛ حيث استثمرت فيهما الشاعرة أدوات وتقنيات الكتابة والطباعة، والقصيدتان غير معنونتين بكلمات وإنما تواريخ، القصيدة الأولى (1995 – 2015) م، القصيدة الثانية (1995 – 2016) م وقد يستشف أنهما تؤرخان لحياة الشاعرة وهى خارجة من عمر العشرين إلى الواحد والعشرين، وتبدأ كل قصيدة بمفتتح ثم عشر مقاطع تحمل فى القصيدة الأولى عناوين «الإنجاز الأول» «الإنجاز الثانى».
وفى القصيدة الثانية «أول هزيمة» «تانى هزيمة» وهكذا.. ومن ثمّ يصبح لدينا عشرة إنجازات وعشرة هزائم ليكتمل العقد الثانى للشاعرة برقم عشرين وتصبح فيه الهزائم قرينة الإنجازات، كأنهما يسيران متجاورين، فى القصيدة الأولى نجد الإنجاز مقدما على العدد وفى القصيدة الثانية نجد العدد مقدما على الهزيمة؛ فالإنجاز يُصنع بالتحدى بالإرادة وهو فعل آنى فطبيعى أن يكون مقدمًا، أما الهزيمة فغالبًا ما تكون غير متوقعة، غير إن هذه الإنجازات تحمل فى طياتها هزائم أيضًا، تقول الشاعرة:
«الإنجاز التانى ..
أربع سنين
شكلوا ف الروح مدينة
فيها من كل الحاجات، حاجة
كل شيء.. إلا السكينة» (ص51)
فرغم هذا الإنجاز الكبير الذى أحدثه الزمن بالروح فى وقت قصير، ومنحها كل شيء، إلا أنها فقدت الهدوء والراحة، فالإنجاز أصابها بهزيمة القلق، بينما الهزائم لم تكن كلها هزائم:
«تالت هزيمه..
باحلم تملّى بإيد..
بتهزنى بشويش
أفتح عنيّا ودنيتى غرقانة نور..
يلا عشان المدرسة» (ص64)
فما قد يوحى أن الذات قد فارقت عالم الأحلام وانتقلت إلى عالم الحياة، إلا إن وجود المدرسة يشير إلى بصيص نور واحتمالية أمل بإنجاز جديد يحقق من خلال التعليم، لقد كان الاستيقاظ من الأحلام ضروريًا للوصول إلى عالم النور.
لقد استطاعت رنا عبد السلام أن تقدم الشيء ونقيضه فى آن واحد واستثمرت ما أتيح لها من تقنيات كتابية لتركز ذهن القارئ على ما تريد، ما يجعل هناك تضادًا فى الرؤية بارزًا فى الديوان، وقد عزز تشكيل الكاتبة من وجوده، إنه التضاد الرؤيوى الإيجابى الذى يثير الأسئلة فى ذهن المتلقى.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة