طالع النخل
بين السماء والأرض| طالع النخل.. محترف في لعبة الخطر
الخميس، 28 نوفمبر 2024 - 04:47 م
محمد على سليمان
طالع النخل من المهن العتيقة التى يتميز بها الريف من قديم الزمان، ويعتمد عليها المزارعون فى جنى التمور سنويًا ورعاية أشجار النخيل، وهى تعتبر مهنة تراثية ما تزال تحتفظ بطريقتها البدائية المتوارثة ولها أدواتها المميزة، وتنتقل من جيل إلى آخر بالوراثة فى أغلب الأحيان لكنها تحتاج فيمن يمارسها سمات وصفات معينة أهمها الصبر والحكمة وسرعة التصرف عند الأخطار، يصعد محترفو المهنة النخلة فى العادة مرتين فى السنة، الأولى لتنظيف النخلة بتقليم الجريد وتلقيحه، والثانية لجنى الثمار، وهى مهنة موسمية، وتعتمد عليها بعض الأسر فى المعيشة وتشكل مصدر دخل لهم ..
«الأخبار» تستعرض نماذج عاشت أجواء المهنة وصعوبتها وتعرفت عن قرب على حياة من لامس أقدم الأشجار على وجه الأرض.
«جلابين الخير.. حرفة يتوارثها الأجيال| يوسف: «المطلاع» حزام الأمان
«طالع النخل» من المهن التى تواجه شبح الانقراض فى مدينة العريش والشيخ زويد بسيناء، نظرا لخطورة المهنة وانخفاض عائدها، فى حين نشطت المهنة فى قرى بئر العبد بسبب انتشار زراعة أشجار النخيل فى المنطقة، ولا يوجد عمر محدد لمزاولة المهنة طالما كان الإنسان قادرا على التسلق يظل يعمل بها، ومن الممكن أن يتناوب على تسلق النخلة الواحدة أكثر من جيل فى العائلة، باعتبار أن النخلة من الأشجار المعمرة.
يقول سلامة يوسف 45 عاما من قرية رابعة، إننى تعلمت المهنة من والدى فى عمر ١٧ عاما، حيث اننى اتسلق النخيل الخاص بالعائلة، وأحيانا يلجأ الجيران للاستعانة بخبراته ليتسلق النخيل الخاص بهم حتى يمكن صناعة كميات من العجوة لبيعها فى الأسواق .
وقال إن «المطلاع» أداة لتسلق اشجار النخيل، وهوعبارة عن حبل مبطن بالقماش يبلغ عرضه نحو 10 سم وتم لفه حول جذع النخلة من الأمام، و30سم من الخلف حول جسم الإنسان من ناحية الوسط كى يتيح له التسلق، بينما ترتكز قدماه على الجذع خاصة فى منطقة باطن القدم ويظل ينقل المطلاع كلما صعد خطوة لأعلى وكذلك عند الهبوط.
ولفت إلى أن «المطلاع» بمثابة حزام الأمان للمتسلق وبدونه يتعذر عليه الصعود لاسيما إذا كانت النخلة شاهقة الارتفاع كما يستخدم طالع النخلة «الشرخ» فى تقطيع جريد النخل ويجنى من السباطة المحصول.
بينما قال أحمد على، من قرية أبى صقل بالعريش، أنه تعلم المهنة من والده منذ عشر سنوات، وأضاف أن وقت الصعود، يكون فى الصباح الباكر قبل شروق الشمس حتى العاشرة صباحًا، وفترة آخر النهار من بعد العصر حتى موعد غروب الشمس، وأشار أنه يختار النخلة التى يتسلقها بحيث تكون شامخة وآمنة فهناك أشجار أصابها الشيخوخة وهناك ميول فى قمة الشجرة، وقال إن طالع النخل لابد أن يكون حافى القدمين كى يزداد التصاقا بالنخلة ويشعر بمكان وضع قدميه.
وقال طالع النخل، إن تسلق النخل يبدأ من الصغر، ويلزم أن يملك طالع النخل الصبر والقوة، ولديه قدرة على التحكم فى أعصابه وسرعة التصرف فى أى موقف يقابله لأنه يكون معلقا فى الهواء فأحيانا ينقطع «المطلاع» .. فجأة وهو فى الأعلى، وأحيانا يجد فى جريد النخل ثعبانا فى انتظاره، وهذه المواقف تتطلب الثبات وعدم الخوف.
جابر.. من الهواية لاحتراف التسلق
فى أقصى جنوب مصر وتحديدا بمركز نصر النوبة فى أسوان يعيش محمد جابر، البالغ من العمر 45 عامًا، فى قرية أدندان و منذ صغره، وهو يحب تسلق النخيل لأكل التمر الطازج من أعلى الشجرة، رافضًا أكل التمر الذى يسقط على الأرض هذه الهواية تحولت إلى مصدر رزق له ولأولاده ، حيث لديه خمس فتيات وولدان.. ،
ويختلف الأجر بناءً على المنطقة والخبرة، فى بعض المناطق قد يحصل العامل على أجر يومى أو أسبوعى، بينما فى مناطق أخرى قد يكون الأجر موسميا بناءً على كمية الثمار التى يتم جمعها، ولم يرتبط تسلق النخيل بوقت معين حيث أن هناك عملا على مدار العام فى بعض المناطق التى تحتاج إلى صيانة مستمرة للنخيل.
استخدام معدات السلامة الحديثة مثل الأحزمة والخوذات يقلل من مخاطر الإصابة.. وقدم «جابر» بعض النصائح لمحبى تسلق النخيل لضمان سلامتهم مثل ارتداء حزام أمان وربطه بحبل قوى، واستخدام حذاء مناسب، ارتداء قفازات لحماية اليدين، التأكد من حالة الشجرة، وكذلك أيضاً التسلق ببطء وتأكد من أن كل خطوة آمنة قبل الانتقال إلى الخطوة التالية، تجنب القفز أو التحرك بسرعة، استخدام اليدين والقدمين معا لتحقيق التوازن، عدم التسلق فى الطقس السيئ مثل الرياح القوية أو الأمطار.
«البحيرة» بلد المليون نخلة| سلامة: تدربنا على التعامل مع الثعابين والعقارب الموجودة فى السعف
فى مدن شمال البحيرة «إدكو ورشيد» يتوارث الأبناء من الأجداد المهنة بالرغم من مخاطرها الكبيرة نظرا لما تشتهر به المنطقة من زراعة النخيل ويعمل بها الآن آلاف الشباب، فمهنة طالع النخل أو النخال كما يطلقون عليها لا تحتمل الخطأ الذى قد يكلفه حياته، وهى مهنة من آلاف السنين لارتباطها بالنخل أقدم الأشجار على وجه الأرض.. الأخبار التقت بمجموعة شباب من النخالين بإدكو أثناء قيامهم بالعمل فى موسم الخير كما يطلقون عليه .
قال أحمد سلامة إنه ورث المهنة عن والده الذى كان يعمل بذات المهنة وأنه يعمل بها منذ أن كان عمره 10 سنوات، وقال إن من أخطر ما نواجهه خلال العمل الثعابين والعقارب التى تتواجد بين سعف النخيل وقد تدربنا على التعامل معها.
وأضاف يوسف جمعة أن من أهم أدوات طالع النخل هى المطلاع وهو الحبل الذى يلف على وسط الإنسان للصعود إلى النخلة ويتم اختياره بعناية ويربط حول الوسط بطريقة معينة لا تسمح بفكه أو قطعه مع ضمان سهولة الحركة فوق النخلة. وأشار إلى أنهم يعملون كفريق واحد فى جنى التمر حيث يصعد أحدهم النخلة ويظل الثانى بالأسفل يؤمن صعوده حتى نزوله ويتلقى منه سبايط التمور ويقوم آخر بتجميعه فى مكان أمن.
وقال محمد أحمد إن طالع النخل لابد أن يكون حافى القدمين ليشعر بمكان وضع قدمه والتأكد قبل الصعود من قوة ومتانة المطلاع، وأضاف أنّهم يعملون بنظام اليومية التى تتراوح بين 150 جنيها وحتى 250 جنيها للعامل فى اليوم الواحد.
كما أنّ صاحب مزرعة النخيل يوفر الأطعمة ومكان المبيت لهم، مُوضحا أنّ مهنتهم تستمر طوال العام، وليس خلال الحصاد فقط، مثلما يعتقد البعض، فبعد انتهاء الحصاد يقومون بتهذيب النخل وإزالة الجذوع الميتة لتبدأ فى طرح الجديد، وبعدها بعدة أشهر يقومون بإعطائها بعض الأدوية فى صورة بودرة يتم وضعها أعلى النخلة لمنع إصابتها بالسوسة أو الدودة، وأيضاً يقومون بتلقيح النخيل لينتج ثماراً أفضل..
اقرأ أيضًا| زيت الزيتون البكر الممتاز.. العلاج الطبيعي لآلام التهاب المفاصل
وأكد زياد سعد أنّ المهنة محفوفة بالمخاطر، حيث أنّه يقضى أوقاته معلقاً بين السماء والأرض، باحثاً عن الرزق، وأنّهم توارثوا المهنة عن الأباء ولكن هناك البعض يحرص على إبعاد أبنائهم عنها بسبب خطورتها.
«الكرنافة».. حماية فى الوادى الجديد
فى الوادى الجديد يحتاج ممارس المهنة التى يتم توارثها خبرات طويلة حتى يستحق لقب (طالع النخل)، فالمهنة لها أدواتها المعروفة ويبرز حب الزراعة وتسلق النخيل منذ الصغر فيما يشكل الحبل والبطان رموز الأمان لكل من يصعد النخل.
يقول محمد وهبة إن المهنة يمتهنها عشرات الآلاف من أبناء المحافظة فى واحاتها الخمس، مشيرا إلى أن تعداد النخيل وصل إلى أكثر من 3.5 مليون نخلة، وأن هذا العدد الكبير يحتاج إلى خدمة متميزة من المزارع حتى يضمن إنتاجية قوية وكثيفة من محصول التمور حيث تعطى النخلة الواحدة ما يقرب من 600 كيلو إلى طن من التمور ويصدر إنتاجها للعديد من الدول فضلا عن الاستهلاك المحلي.
ويوضح سعد رياض من أهالى مدينة الخارجة بأن صعود النخلة له طقوس ويحتاج إلى قوة وعقل فى وقت واحد حتى يمكن خدمة رأس النخلة.
مشيرا إلى أن وضع القدم بطريقة صحيحة على (الجليط) او (الكرنافة) يضمن لك عدم السقوط من على النخلة، خاصة أن طلوع النخل يشترط فيمن يريد ذلك أن يكون حافى القدمين فالقدم الحافى أكثر قدرة على التحكم فى الحركة حسب الاتجاه الذى يريده (طالع النخيل).. وأضاف سعد بأن المهنة لا يقدرعليها أى فرد سوى من تربى وترعرع وسط أحضان النخيل فهناك ما يشبه الصحبة تجمع بين طالع النخيل والنخلة، تلك الصحبة لها قوانينها التى تحكمها من احترام طالع النخيل لمهنته وللنخلة فإذا استهتر ولم يحترم صعود النخلة ولم يأخذ الحيطة والحذر سوف يسقط من فوقها.
ويقول على صابر من أهالى مدينة الداخلة بأن التكنولوجيا تطورت كثيرا وهناك سلالم هيدروليكية تساهم فى تخفيف مخاطر الإصابات ومناشير كهربائية تساعد المزارع على تقليم جريد النخيل ولكن السواد الأعظم من المزارعين يستخدم الطريقة البدائية بالصعود إلى رأس النخلة لحصاد عراجين التمور أو تلقيحها.
«السعيد».. تحدى طفولته ليرث مهنة والده
اعتاد والده على اصطحابه فى طفولته إلى أرضه الزراعية لجنى التمر من أعلى النخيل.. الطفل الصغير كان يشفق على والده من مخاطر الصعود دون أن يدرك أن القدر يهيئ له الأيام للقيام بذات المهمة مستقبلا وتكون حرفته الرئيسية «طالع النخل» بعد وفاة والده وفشل والدته فى العثور على آخر للقيام بالمهمة، خاطر بحياته وصعد النخلة قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره وعشق المهنة رغم صعوبتها .
أكد السعيد محمد رمزى محمود 40 عاما أشهر طالع نخل بمحافظة الدقهلية أن والده كان يصطحبه فى طفولته المبكرة إلى الأرض الزراعية وكان بها عدد من النخيل المميز وكان يحرص على رعايته وجنى ثماره بنفسه. ويوضح أنه فى شهر فبراير يقوم بتقليم النخيل ووضع مادة كبريتية لمنع تسوسه ثم يقوم بتلقيحه فى شهر مارس ويتم تقويص السباطة ليتم جمع التمر بسهولة بعد ذلك.
ويشير إلى أنه تجاوز 25 عاما فى تلك المهنة حيث يصعد النخل الذى يبلغ طول كل منها 27 مترا وهو ما يعادل ارتفاع عمارة عدد أدوارها 10 أدوار وقال إن وسيلة الأمان هى المطلاع وبه رباط ضاغط ورغم ذلك يقابل مخاطر يوميا ورغم المخاطر إلا أن من لديه نخلة حريص على الاحتفاظ بها من أجل لقمة العيش..
ويضيف بأن هناك نخلا تجاوز عمره 100 عام لذا لا تجد له سلالم وهذا يحتاج لمجهود مضاعف وحذر فى التعامل معه.
تمور«بيهمو».. من قلب الأرض إلى أسواق الخليج وآسيا
ما بين الحقول والنخيل، أصبح للتمور قصة نجاح تتخطى حدود قرية بيهمو التابعة لمركز سنورس بالفيوم وتصل إلى أسواق العالم، فكل صباح، يتجمع عدد من الشباب داخل منازل بسيطة فى بيهمو، يطوون صفحات يومهم فى جمع البلح من النخيل، ثم ينتقلون إلى مراحل أخرى، حيث يقومون بـ تجفيف التمور بشكل يدوى في أماكن مخصصة، ليحضروا محصولهم فى أفضل صورة ممكنة.
لا يقتصر دور الشباب على جمع التمر فقط، بل يضيفون إليه لمساتهم الخاصة عبر تغليفه ليصل إلى الأسواق بأعلى معايير الجودة. وبفضل هذه المشاريع الصغيرة التى تعتمد بشكل أساسى على التمور، تحولت بيهمو إلى واحدة من القرى المنتجة فى الفيوم التى تساهم بشكل كبير فى الاقتصاد المحلى، وتصدر منتجات التمور إلى ماليزيا وبعض الدول العربية والخليجية.
يروي عصام مصطفى، أحد أصحاب المشروعات الصغيرة فى القرية، تجربته قائلاً: «بدأت فى هذا المجال قبل عدة سنوات عندما قررت العمل فى تغليف التمور وبيعها بالتعاون مع عدد من المزارعين حيث يقومون بجمع التمور وتجفيفها.. بعدها، أبدأ أنا عملية التعبئة باستخدام ماكينات تغليف قمت بشرائها من خلال صندوق تنمية المشروعات الصغيرة.
وقد كانت هذه الماكينات جزءا مهما من تطوير عملى، حيث أصبح بإمكانى أن أضمن جودة أعلى وأسرع فى العمل». يضيف أن المشروع بدأ يزدهر بشكل كبير بعدما تم تمويل العديد من المشروعات فى قرية بيهمو بملايين الجنيهات، وهو ما وفر آلافا من فرص العمل للشباب والأسر.
هذه المشروعات الصغيرة لا تقتصر على صناعة التمور فقط، بل تشمل مشروعات مثل صناعة الخوص والليف، وهى صناعة تقليدية قائمة على المنتجات التى توفرها النخيل.
وأوضح د. محمد التونى، نائب محافظ الفيوم أن قرية بيهمو بها مصنع للتمور تم تطويره ليخدم سوق التصدير حيث يتم تصدير التمور إلى أسواق الخليج وآسيا.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة