الأطعمة المصنعة والسمنة
«الأطعمة فائقة المعالجة».. تضاعف معدلات السمنة 3 مرات عالميًا
الجمعة، 29 نوفمبر 2024 - 07:07 م
◄| منتجات غذائية تعتمد على مواد صناعية وشراب الذرة عالي الفركتوز
◄| بريطانيا تجري تحقيقات لدراسة آثارها الصحية وكولومبيا تواجهها بالضرائب
◄| اللحوم المصنعة والمشروبات المحلاة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب
على مر العصور، تطورت تقنيات معالجة الطعام، بدءًا من الابتكارات التقليدية إلى الكيمياء الصناعية، وبينما ساهمت هذه التطورات في زيادة وفرة الطعام وتقليل تكلفته، باتت هناك مخاوف متزايدة بشأن تأثير الأطعمة فائقة المعالجة على الصحة العامة.
منذ آلاف السنين، طور البشر طرقًا لتحسين مذاق الطعام وزيادة فائدته الغذائية، على سبيل المثال، كان سكان أمريكا الوسطى يستخدمون عملية الـ«نيكستامالايزيشن»، المقصود بها طريقة إعداد الذرة وتحويلها إلى مكونات أساسية في الأطعمة المكسيكية التقليدية.
ومع تقدم الزمن، أدت اكتشافات القرن التاسع عشر مثل التعليب والبسترة، إلى ثورة في صناعة الأغذية ما جعلها أرخص وأكثر انتشارًا، وفقًا لمجلة « ذي إيكونوميست» البريطانية.
لكن مع هذه التحولات، بدأت تظهر نتائج غير متوقعة، مثل ارتفاع كبير في معدلات السمنة، بين عامي 1961 و2021، ارتفع استهلاك السعرات الحرارية بنسبة 20% في الدول الغنية، ما أدى إلى تضاعف معدلات السمنة ثلاث مرات عالميًا.
◄ خطر صحي بحد ذاته
تزايدت الشكوك حول الأطعمة فائقة المعالجة، وهي منتجات تعتمد على مواد صناعية مثل الزيوت المهدرجة وشراب الذرة عالي الفركتوز، وطرح العالم البرازيلي، كارلوس مونتيرو هذا المفهوم، مشيرًا إلى أن هذه الأطعمة تتجاوز مجرد ضعف قيمتها الغذائية لتشكل خطرًا صحيًا بحد ذاتها.
وفي نوفمبر 2023، بدأت بعض الدول مثل كولومبيا بفرض ضرائب على هذه المنتجات، في حين أصدرت دول أخرى مثل البرازيل وكندا تحذيرات للحد من استهلاكها، وفي بريطانيا، يجري البرلمان تحقيقات لدراسة آثارها الصحية، بينما وصف الباحث كينيدي جونيور هذه الأطعمة بـ"السم"، متعهدًا بخفض استهلاكها في الولايات المتحدة.
◄ سؤال جوهري بحاجة لإجابة
يبقى السؤال الأساسي، هل الخطر الحقيقي في ضعف محتواها الغذائي، أم أن عمليات التصنيع نفسها تضيف مخاطر صحية؟، إلا أن أبحاث جديدة قد تكون على وشك تقديم أدلة علمية حاسمة يمكن أن تعيد تشكيل الطريقة التي نتناول بها الطعام.
في عام 2009، صمم الدكتور مونتيرو نظام "نوفا"، الذي يصنف الأطعمة بناءً على درجة معالجتها، وينقسم هذا النظام إلى أربع مجموعات: أطعمة طبيعية أو معالجة بالحد الأدنى، مثل الفواكه والحليب، ومكونات أساسية، مثل السكر والزبدة.
وأطعمة معالجة تقليديًا، مثل الخضروات المعلبة والخبز، وأطعمة فائقة المعالجة «UPFs»: مثل المشروبات الغازية والبيتزا المجمدة، التي تحتوي على مكونات صناعية مثل المستحلبات والملونات.
◄ أكثر جاذبية بتكلفة صحية كبيرة
تُصنع الأطعمة فائقة المعالجة عبر تكسير المكونات الطبيعية إلى عناصر كيميائية مثل السكريات والبروتينات، ثم تُعاد تشكيلها باستخدام إضافات صناعية، والهدف هو جعل هذه المنتجات أكثر جاذبية، لكن بتكلفة صحية كبيرة.
بينما تستمر الأبحاث في استكشاف المخاطر المرتبطة بالأطعمة فائقة المعالجة، يزداد الوعي العالمي بضرورة تقليل استهلاكها، والمستقبل قد يحمل تغييرات جذرية في أنماطنا الغذائية، حيث يصبح الغذاء الصحي أولوية أساسية للحفاظ على صحة الأجيال القادمة.
◄ لغز صحي يحتاج فك شفرته
منذ التسعينيات، شهد العالم تزايدًا ملحوظًا في استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة «UPFs»، التي باتت تمثل أكثر من نصف السعرات الحرارية المستهلكة في الولايات المتحدة وبريطانيا.
مع ذلك، تتزايد الأدلة التي تربط هذه الأطعمة بمشكلات صحية خطيرة، مثل السمنة، والسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، وأنواع مختلفة من السرطان، وحتى اضطرابات الصحة العقلية.
اقرأ أيضا| حوار| «القومي للتغذية»: محاذير لاستخدام «حقن التخسيس».. وأضرار قد تصل للسرطان
على الرغم من احتواء UPFs على نسب مرتفعة من الدهون والسكر والملح مقارنة بالأطعمة الأخرى، إلا أن التحليلات الحديثة، مثل تلك التي أجراها صموئيل ديكين وراشيل باترهام من كلية لندن الجامعية، تشير إلى أن التأثيرات السلبية لهذه الأطعمة تتجاوز مجرد تركيبتها الغذائية.
ووفقًا للمجلة البريطانية ذاتها، فإن الدراسة التي شملت 37 تحليلًا أكدت أن السكر والملح، حتى بعد ضبط نسب الدهون، لا يزالان مرتبطين بمشكلات صحية كبيرة.
◄ أسباب غير واضحة
لكن يبقى السؤال، لماذا تسبب الأطعمة فائقة المعالجة هذا الكم من المشكلات الصحية؟ مع وجود عوامل أخرى قد تؤثر مثل الدخل والتعليم والبيئة الاجتماعية، لكن يصعب على الدراسات القائمة على الملاحظة تقديم إجابات حاسمة.
وأشار الباحث بمؤسسة نوفو نورديسك في الدنمارك، آرني أستروب، إلى أن محاولات تعديل الإحصائيات لعزل تأثيرات المعالجة غالبًا ما تكون غير كافية.
وتُعد التجارب المعشاة ذات الشواهد «RCT»، أفضل وسيلة لدراسة التأثير الفعلي لـ UPFs، ففي عام 2019، أجرى كيفن هول من المعاهد الوطنية للصحة بأمريكا تجربة مميزة استمرت 4 أسابيع، حيث تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين، الأولى تناولت أطعمة فائقة المعالجة، والثانية أطعمة معالجة بالحد الأدنى.
رغم تساوي السعرات الحرارية والمواد المغذية المتاحة للمجموعتين، أظهرت النتائج أن المجموعة التي تناولت UPFs استهلكت حوالي 500 سعر حراري إضافي يوميًا، وأكلت بشكل أسرع، وزاد وزن أفرادها بمعدل كيلوجرام واحد خلال أسبوعين. في المقابل، فقد أفراد المجموعة الأخرى الوزن بنفس المعدل.
وأشار الدكتور هول، إلى أن نتائج التجربة، رغم قصر مدتها وإجرائها في بيئة محكومة، تكشف أن المشكلات الصحية المرتبطة بـ UPFs ليست ناجمة فقط عن نسب الملح أو السكر أو الدهون، بل إن هذه النتائج تفتح الباب أمام مزيد من الأبحاث لفهم العلاقة بين هذه الأطعمة والآثار الصحية السلبية.
◄ فرضيات للاستهلاك الكثير
رغم أهمية نتائج دراسات الدكتور هول، يبقى السؤال الكبير، لماذا يفرط الناس في تناول الأطعمة فائقة المعالجة؟ لدى الدكتور هول عدة فرضيات، أبرزها أن هذه الأطعمة تحتوي على كثافة سعرات عالية لكل قضمة، والسبب في ذلك أن المصنعين يقومون بتجفيف الطعام لإطالة مدة صلاحيته، مما يزيد من كثافته الطاقية.
الفرضية الأخرى هي أن هذه الأطعمة مصممة لتكون مغرية للغاية، وبفضل مزج العناصر الغذائية مثل الدهون مع السكر أو الملح مع الكربوهيدرات، تصبح هذه المجموعات "شديدة الاستساغة"، مما يشجع الناس على تناولها بسرعة كبيرة دون أن تعطي أجسامهم إشارات الشبع للدماغ.
وللتأكد من صحة هذه الفرضيات، أطلق د. هول دراسة موسعة تشمل 36 مشاركًا يقضون شهرًا في "فندق النظام الغذائي"، ويتم خلالها تقديم أربعة أنظمة غذائية مختلفة: اثنان مطابقان لدراسته السابقة، ونظامان جديدان، أحدهما يحتوي على UPFs منخفضة في كثافة الطاقة وعناصر "شديدة الاستساغة"، والآخر مرتفع في الطاقة لكنه منخفض في هذه العناصر.
بينما النتائج النهائية لهذه الدراسة ستصدر العام المقبل، تشير البيانات الأولية إلى أن الكثافة الطاقية والاستساغة المفرطة هما المحركان الرئيسيان للإفراط في تناول السعرات الحرارية، ويأمل د. هول أن توفر هذه الدراسة أساسًا علميًا أقوى لفهم التأثيرات الضارة لـ UPFs.
◄ تحديات تواجه الحلول الممكنة
إذا أثبتت الأبحاث أن المشكلة تكمن في عدد قليل من المكونات أو طرق المعالجة، فقد يكون بإمكان الشركات الغذائية تعديل منتجاتها بسهولة، لكن إذا كانت الأضرار ناتجة عن مزيج معقد من العوامل، فقد يصبح إيجاد الحل أكثر تعقيدًا، كما يشير د. هول، فإن "رسم خريطة" للتحديات هو الخطوة الأولى نحو إيجاد الحلول.
حتى لو أثبتت الدراسات أن المعالجة نفسها تلعب دورًا مباشرًا في سوء الحالة الصحية، فإن تصنيف الأطعمة فائقة المعالجة يظل محيرًا، ونظام "نوفا" الحالي يضع كل الأطعمة التي تحتوي على إضافات كيميائية ضمن فئة UPFs، بغض النظر عن الكمية.
هذا التصنيف الشامل قد يؤدي إلى نتائج متناقضة، كما أظهرت دراسة من جامعة هارفارد، وبعض UPFs، مثل اللحوم المصنعة والمشروبات المحلاة، ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، بينما أظهرت أخرى، مثل الزبادي وحبوب الإفطار، تأثيرات إيجابية في خفض هذه المخاطر.
ويحذر د. آرني أستروب، من أن شيطنة جميع UPFs قد يحجب الفوائد الصحية لبعضها، لذا، يمكن لنتائج دراسات د.هول أن تسهم في إعادة صياغة التصنيف الحالي، ما يفتح الباب لوضع مبادئ توجيهية أكثر توازنًا ودقة.
أخيرًا، فبين العلم والسياسات، يبقى النقاش حول الأطعمة فائقة المعالجة مستمرًا، ومع تراكم الأبحاث، تزداد الحاجة إلى التمييز بين الأضرار الحقيقية لهذه الأطعمة وإيجاد حلول عملية لتحسين جودة الغذاء العالمي.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة