د.ليلى الغلبان
يوميات الاخبار
من «الأخبار» إلى اليونسكو
الإثنين، 23 ديسمبر 2024 - 08:18 م
د.ليلى الغلبان
أسباب عديدة سُقتها من أجل أهمية الشروع فى تسجيل الأطعمة المصرية على قائمة اليونسكو للتراث العالمى
ظلت «يوميات الأخبار» على مدار سنوات عديدة المنبر الأول الذى أطلقت من خلاله دعوتى لإدراج الأطعمة المصرية على قائمة اليونسكو للتراث العالمى غير المادى، تقديرا لأصالة وتنوع وخصوصية المطبخ المصرى، وأسوة بما حققته بعض البلدان من نجاح فى هذا المضمار.. وجاء ذلك من خلال عدة مقالات تحمل عناوين مثل «الفتة المصرية.. تراث إنسانى»، «متحف الطهى المصرى»، «والخميرة مصرية» وغيرها.. وبعد سنوات من المثابرة والانتظار.. وتكرار الدعوة فى العديد من مقالاتى بالعربية والإنجليزية فى عدد من الصحف والمجلات، وعلى صفحتى على الفيسبوك، حيث طالبت فيها بضرورة توثيق الأطعمة المصرية وإدراجها على قائمة اليونسكو للتراث العالمى غير المادى؛ لصونها والترويج لها باعتبارها مقصدا سياحيا فى حد ذاتها، والدعوة لإنشاء «متحف الطهى المصرى» للحفاظ على تراث المطبخ المصرى من وصفات لطهى الأكلات المصرية عبر العصور، والأوانى المستخدمة وغيرها.. لاقت الدعوة صدى من المهتمين بالشأن الثقافى فى العام الماضى، وذلك من خلال مبادرة «طبلية مصر» وفاعلياتها المكثفة بين جنبات متحف الحضارة المصرية، وهو ما أعطاها زخما كبيرا على مدار الشهور الماضية. حمدت الله أن آتت كتاباتى أكلها وساهمت فى زيادة الوعى بأهمية التراث الثقافى المصرى.. ويفرد للأسباب التى سقتها من أجل أهمية الشروع فى تسجيل الأطعمة المصرية على قائمة اليونسكو للتراث العالمى غير المادى، وحديثى عن التجارب المماثلة وأهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة وعلى نحو احترافى رشيد قبل وعند وبعد التقدم بترشيح أحد أطباقنا الوطنية.
وهاهى الدعوة تجد صدى مرة أخرى.. حيث أعلن عن الشروع فى إجراءات تقدم مصر بطلب رسمى لتسجيل الكشرى المصرى على قائمة اليونسكو للتراث العالمى غير المادى.. شكرا لكل من قام بواجبه وكل الأمنيات أن يكلل الله جهود المخلصين بالتوفيق والسداد.. فى هذا الصدد تحية واجبة إلى جريدة الأخبار التى كان لها السبق فى دعم الدعوة بلا حدود.
زيارة لمكتبتنا القديمة..
مر ما يقرب من ثلاث سنوات.. لم أذهب إلى هذا المكان الذى يحوى بعضا من أثاث شقتنا القديمة ومكتبتنا ولعب أولادنا حينما كانوا أطفالا، كتبهم..أقلامهم.. ألوانهم.. ملصقات ميكى وماجد وعلاء الدين والعربى الصغير وسمير و Teen Stuff، صورهم، الكاميرا القديمة.. الآلات الموسيقية التى كانوا يعزفون عليها.. ريموت كنترول التليفزيون القديم وقد قضمت ابنتى بعضا من أزراره فى فترة التسنين.. حقائب السفر الكبيرة والصغيرة، ومازالت أسماؤنا مكتوبة عليها، وملصقات المطارات التى توقفنا فيها أو سافرنا منها أو استقبلتنا، كل شىء تقع عينى عليه أو ألمسه يتكلم يذكرنى بكل التفاصيل.. على هذه الأريكة كنا نجلس.. هنا كنا نأكل.. ننام.. نذاكر.. إلخ.. تداع حر وحار وهادر لكل تلك الذكريات يغمرنى.. وفى القلب من كل هذا مكتبتنا القديمة..
أمهات الكتب.. الموسوعات.. السلاسل العلمية.. مقررات المواد الدراسية التى كنت أدرسها منذ ما يقرب من ربع قرن.. مددت يدى لتلتقط بعضا منها.. تفحصتها.. دارت فى رأسى أسئلة كثيرة.. كيف كنت أدرس هذا الكم وهذا الكيف من الموضوعات فى كل مقرر؟ كيف كان الطلاب آنذاك يتلقون ذلك فى دأب ومثابرة لا تجدهما الآن حتى لدى طلبة الدراسات العليا الذين يتذمرون إذا ما درسوا نصف ما كان يدرسه طلبة الليسانس.. على سبيل المثال، كنت أدرس فى مقرر القواعد معظم مدارس النحو طوال السنوات الأربع بدءا من المدرسة التقليدية إلى التحويلية عروجا إلى الوظيفية.. الآن يصعب جدا تدريس كل هذا.. عليك أن تختار أو أن تمر على هذه المدارس مرورا عابرا.. لا أدرى ما السبب فى ذلك.. مازلت أتعجب. ربما التكنولوجيا الحديثة التى سرقتنا من كل شىء.. من أسرنا من أصدقائنا.. من حياتنا.. وأحالت كل شىء إلى عالم افتراضى خيالى مصطنع..
الدراسات تقول إن التكنولوجيا قد أثرت على التركيب الكيميائى لأدمغتنا، ومشاهدة الفيديوهات القصيرة أو ما يعرف بالريلز وقراءة المنشورات الخالية من أى دسم معرفى قد جعلتنا نضيق ذرعا بأى جرعة جادة من المعارف، نتخطاها.. نهرب منها.. لا نريد أن نتكبد أى جهد ذهنى أو ننفق أى وقت فى فهمها أو نقدها أو البناء عليها. فى ذات الحين تضيع أعمارنا ونحن أسرى شاشات نتصفح محتوى عاقرا لا تولد منه سوى الكراهية والتفاهة.. أجدنى ألتمس العذر لطلابى من هذا الجيل المسكين.. لابد للإنسانية أن تبحث عن حل..
انتقلت إلى ركن آخر من المكتبة.. يا إلهى! مسودات بحوثى بخط يدى.. التصويبات العديدة التى كنت أجريها على كل مسودة منها.. كل بحث كان مغامرة.. رحلة من العذاب الحلو كنت أقدم عليها بجسارة وجرأة أحسد نفسى عليهما الآن.. حبال لا نهاية لها من الصبر والأناة والمثابرة والدأب.. بعض البحوث كانت تستغرق سنوات لعدم امتلاكى أدوات الدراسة، وكان ذلك يتطلب وقتا واطلاعا إضافيا، بعضها كان يتطلب جهد فريق بحثى كبير، ولما لم يكن ذلك متيسرا، ولكونى مسكونة بهذا العشق أعاننى الله وسخر لى من يساعدنى.. فى كل خطوة.. كان عون الله تعالى.. حقول من زيت الشغف لا تنطفئ شعلته فى عقلى وقلبى.. بنيان يعلو كل يوم.. كانت مشكلتى هى الوصول إلى الكمال وهو غاية يستحيل إدراكها.. ولهذا أجد مسودات كثيرة لكل بحث..
يا الله.. زيارة كتجربة آلة الزمن.. نسيم الماضى يداعب عقلى ويرصف فى جنباته مسارات وثيرة تفترشها الذكريات وتمضى ينادى بعضها بعضا وتوقظ من نام منها فى سبات الزمن البعيد.. أو تاه فى مغارات الذاكرة قبل أن يبتلعه ثقب أسود بها حفرته يد الزمن والوهن..
الثعلب.. المجنى عليه..
ألاحظ من خلال استماعى لأغانى الأطفال هجوما شرسا وغير مبرر على الثعلب.. المسكين دائما سيئ السمعة.. ما من نقيصة إلا وقد ألصقوها به.. خد عندك، الثعلب الكذاب، المكار، الحرامى، المراوغ، وغيرها الكثير.. وفى لغتنا اليومية الصورة الذهنية للثعلب سيئة للغاية.. عبارات مجازية تشبه الأشخاص ذوى الخصال السلبية بالثعلب، عبارات جاهزة يتم استدعاؤها دونما تفكير وقد استقرت فى عقل ووجدان الكبار والصغار على حد سواء، وأصبحت جزءا من المعرفة ورؤية العالم.. لم أجد أغنية أو مثلا أو قصيدة أو حدوتة أو قصة تنصف الثعلب.. أو تحاول أن تغير صورته فى العقل الجمعى.. الكل لا يشب عن هذا الطوق.. ويحاول إنصاف هذا الكائن وبيان أهميته فى حفظ التوازن البيئى على الأرض.. الله سبحانه وتعالى لم يخلق مخلوقا بلا وظيفة أو دور لا ينهض به غيره..
لم نسأل أنفسنا ماذا لو اختفى الثعلب والثعبان والحشرات وكل الحيوانات التى لا تروق لنا؟
والإجابة هى حتما سيلحق بالحياة على الكوكب خطر بالغ قد يؤدى إلى انتفاء الحياة به.
تخيل عزيزى القارئ أن اختفاء البعوض وحده، وكلنا نحارب البعوض ونتمنى القضاء عليه قضاء مبرما، قد يفضى إلى نتائج كارثية.. إن فى الأرض متسعا لنا جميعا، ونحن فى حاجة لبعضنا البعض.. لنحترم هذا النظام الذى خلقه الخالق سبحانه.. ولا ننصب من أنفسنا أوصياء على هذا الكوكب وعلى مخلوقاته خارج ما أباحه الله لنا..
استاذ اللغويات بآداب كفر الشيخ
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة