المخرج عاطف الطيب
المخرج عاطف الطيب


عاطف الطيب .. مخرج « الغلابة »

أخبار النجوم

الأحد، 29 ديسمبر 2024 - 01:17 م

محمد‭ ‬كمال

لقب جيل الثمانينيات في السينما بـ”الواقعية الجديدة”، حتى وإن كان المصطلح نفسه مستمد من التجربتين الإيطالية والفرنسية، إلا أن التجربة المصرية لم تكن واقعيتها مجرد اسم منقول، بل كان إسهامًا بارزًا وحقيقيًا وملموسًا ويعد الأكثر تأثيرا على مستوى تاريخ السينما المصرية، هذا الجيل من المبدعين الذين عاصروا فترات التغييرات السياسية والتحولات الاجتماعية والثقافية والإقتصادية منذ نهاية الأربعينيات وصولا لفترات الركود السياسي بداية التسعينيات، وإذا تحدثنا بشكل خاص عن أحد أهم الرجال المخلصين لتلك الفترة، بالتأكيد سيأتي اسم المخرج الراحل عاطف الطيب في مقدمة صفوف مخرجي هذه الفترة، عاطف الطيب الذي تأتي اليوم ذكرى ميلاده في26  ديسمبر 1947.

يعتبر عاطف الطيب أكثر مخرجي تلك الفترة شهرة وقربا إلى الجماهير، ومن ينسى شخصية المجند “أحمد سبع الليل” التي قدمها أحمد زكي في “البريء”، أو مرافعة “مصطفى خلف” في “ضد الحكومة”، أو محاولات “منتصر” أمام المجتمع في “الهروب”، وكذلك أزمة “أمينة” في “إنذار بالطاعة”، ومساندة القضية الفلسطينية في “ناجي العلي”، كلها تفاصيل خلقها الطيب لتظل عالقة في الوجدان حتى يومنا هذا.

لكن هناك 3 أسباب رئيسية جعلت الطيب المخرج المفضل لدى الجماهير، الأول أسلوب السرد المباشر في الطرح الذي إرتكز الطيب عليه في معظم أفلامه، وإن لم يكن جميعها، فلم يلجأ إلى الرمزية أو التعبيرية لنقل الواقع، بل سعى إلى تقديمه بنفس شكله المتواجد عليه، والسبب الثاني والثالث مرتبطان ببعضهما، ولنكون أكثر دقة مرتبطان بمدينة القاهرة “العاصمة البائسة” في تلك الفترة، حيث التعبير عن هذه الحقبة بكل دقة وواقعية وحس سينمائي عال.

هذه التجارب تحديدا، جعلت الطيب يلقب بمخرج الشارع، وهذه التسمية جاءت لأن البسطاء والمهمشين هم أبطال أفلامه، فقد كان المواطن هو الهم الأول والشغل الشاغل للطيب، والسبب الثالث أن الشارع نفسه كان بطلا فى تلك الأفلام على مستوى الصورة وعلى مستوى شريط الصوت أيضا، وهناك ثلاث تجارب يمكن أن تحمل رؤية أوسع للإجابة على مصطلح لماذا عاطف الطيب مخرج الشارع، ولماذا أحبت الجماهير أفلامه ؟ .. فخلال هذه التجارب الثلاث كان الجنوح بين أمرين منغصات الطبقة المهمشة، والثانى علاقة المواطن بالسلطة وتأثيرها عليه من خلال رحلات بالكاميرا فى شوارع قاهرة الثمانينيات، من خلال ثلاث رحلات يمكن تلخيصها من بعض أفلامه، تشترك فى تفاصيل وتختلف فى أخرى لكن جميعها عبرت عن المهمشين والعاصمة.

الرحلة الأولى فيلم “كشف المستور” الذى قدمه الطيب عام 1994 من خلال المسار الذي اختارته سلوى شاهين “نبيلة عبيد”، في البحث عن الضابط “طلعت الحلواني”، حتى تكشف حقيقة عملها في جهاز أمني كبير لإيجاد الضابط المسئول عن تدريبها وتوكيل المهام لها، وبرغم أن قصة الفيلم أو الشخصية الرئيسية لا تمثل الكثير من النساء المصريات اللاتي هم أكثر تحفظا وتدينا، إلا أن بذكاء شديد نجح الطيب في جعل “سلوى شاهين” شخصية درامية تمثل نساء مصر، ليس في المهنة بالطبع، بل في الأزمة التي تعانى منها، وهي القهر والخداع، رحلة خاضتها “سلوى” بسيارتها حيث التنقل بين الأماكن حتى تجد ضالتها، فيلم “كشف المستور” تأليف وحيد حامد وبطولة نبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي ويوسف شعبان وشويكار ونجوى فؤاد.

الرحلة الثانية يتلامس فيها إثنين من الأبطال كلاهما سائق سيارة أجرة “تاكسى”، الأول “الدنيا على جناح يمامة”، والثاني “ليلة ساخنة”، وبالطبع يمكن أن نضع معهما “سواق الأتوبيس” الذي يعتبر ثاني فيلم قدمه الطيب في مشواره السينمائي عام 1992.

يشترك كلا من رضا “بطل الدنيا على جناح يمامة”، وسيد “بطل ليلة ساخنة” في انتمائهما للطبقة الدنيا أو المهمشين الغير مرئيين ليس فقط للحكومات، لكن أيضا للطبقات الأعلى، وكل منهما يتحول إلى بطل في حدود الموقف الذي يحدث له، ويشتركا أيضا في موقف كلا منهما يرتبط بوجود سيدة الأولى “إيمان”، السيدة الأرستقراطية القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، والثانية “حورية” العاهرة التائبة التي تحاول جمع المال لتنكيس المنزل، وبما أن كلا من “رضا” و”سيد” سائقا تاكسي كانت العاصمة حاضرة بقوة في هذين الفيلمين بكل ما تحتويه من شوارع وطرق ومحلات تجارية وأشخاص، فيلمان عبرا عن القاهرة في تلك الفترة بمنتهى الواقعية والجمال في إظهار القبح.

فيلم “الدنيا على جناح يمامة”، من تأليف وحيد حامد وبطولة محمود عبدالعزيز وميرفت أمين ويوسف شعبان وعبدالله فرغلي، أما فيلم “ليلة ساخنة” تأليف رفيق الصبان وسيناريو وحوار بشير الديك وبطولة نور الشريف ولبلبة وسيد زيان وعزت أبوعوف.

الرحلة الثالثة لم ترتكز على جولات بالسيارات مثل الرحلتين السابقتين، بل اعتمدت على أمرين، الأول أن الجولات كانت عن طريق المشي سيرا على الأقدام، والثاني المكوث لفترات طويلة في المحلات التجارية الشهيرة بوسط القاهرة، وهنا نتحدث عن فيلم “ملف في الآداب” الذي قدمه الطيب عام 1986، ذلك الفيلم الذي يعتبر من أكثر أفلام تلك المرحلة تعبيرا عن الطبقة العاملة والتنبؤ بأنهم في طريقهم للسحق حيث أنهم يعملون طوال اليوم في دوام و اثنين و أكثر، حيث الاعتماد على هؤلاء الموظفون يخضون وقت الفراغ البسيط بين الدوام والآخر لتناول وجبة الغداء سريعًا قبل العودة من جديد للدخول في دوامة العمل التي لا تنتهي.

كان الشارع المصري بطلا في أفلام عاطف الطيب، وحاضرا بقوة بكل تفاصيله ومؤثراته الخارجية على غرار حرص الطيب احتواء شريط الصوت على الأغنيات التي حققت شهرة واسعة خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات، مثل ”لولاكي” لعلي حميدة، أغنية ”الأساتوك” لحمدي بتشان، وأغنية ”قوللي” لمحمد فؤاد، وغيرهم، تلك التفصيلة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكن في طياتها تحمل عمق وفهم من عاطف الطيب لطبيعة المشاهد المصري وأيضًا اعتماده على اغنية “أول مرة” لعبد الحليم حافظ في تتر وشريط صوت فيلم “كشف المستور”.

تخرج عاطف الطيب من معهد السينما عام  1970،وظل مخلصا للسينما على مدار مشواره القصير الذي لم يتجاوز الـ15  عاما، حيث قدم21  فيلما، ولم تكن له أي تجارب أخرى خارج حدود معشوقته السينما، سوى تجربة وحيدة في الفيديو كليب الذي كان وقتها نوعا جديدا ظهر على الساحة، وقدمه الطيب بأسلوب سينمائي بحت، حيث أنه في الظاهر أخرج أغنيتين، كل أغنية منهما تعتبر فيلما قصيرا، حيث تحتويا على حكاية سينمائية شيقة، الكليب الأول هو ”كتبتلك” للطيفة، والثاني وهو الأشهر ”شنطة سفر” لأنغام، والذي ظهر فيه الممثل طارق لطفي.

في عام 1998قدم الطيب آخر أفلامه “جبر الخواطر” وهو الذي أكمل عمليات لمونتاج بمفرده المونتير أحمد متولي بعد رحيل الطيب، والفيلم من بطولة شريهان و أشرف عبد الباقي وعلاء ولي الدين وتأليف عبد الفتاح رزق وسيناريو وحوار بشير الديك، وعرض الفيلم في افتتاح مهرجان الأسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في نفس العام.

اقرأ أيضا: فيديوجراف| عاطف الطيب.. أيقونة السينما الواقعية في مصر

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 

 

 

 

 

مشاركة