سوزان أبو الهوى
سوزان أبو الهوى


الكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى: إسرائيل خطر على الإنسانية

أخبار الأدب

الأحد، 29 ديسمبر 2024 - 02:03 م

بكلمات مبعثرة تحاول الكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى وصف ما شاهدته فى رحلتها الأخيرة إلى قطاع غزة: «من الصعب فعلا الحديث عن ذلك.. العنف والرعب، الفظاعة، الحرمان».

وبعد هذه الرحلة الأليمة بعدة شهور، تحتفل أبو الهوى بصدور الترجمة الإسبانية من روايتها (الصباح فى جنين) الصادرة عن دار نشر (بولد ليترز)، والتى صدرت للمرة الاولى عام 2006 وترجمت إلى 32 لغة وبيع منها أكثر من مليون نسخة حول العالم. 

تدور الرواية حول مأساة أسرة فلسطينية تعرضت للطرد من قرية عين هود (بالقرب من حيفا) عام 1948 على يد القوات الاسرائيلية، تلك الملحمة التى جعلت من كاتبتها، التى تنتمى لأسرة من اللاجئين، الكاتبة الفلسطينية الأكثر قراءة فى العالم.

وفى حوار مع صحيفة «البريوديكو» الإسبانية، تؤكد الكاتب الفلسطينية أن أحداث روايتها يمكن أن تنطبق على الكثير من عائلات اللاجئين الفلسطينيين: «أنا فى الحقيقة لا أتحدث عن أشخاص محددين.. أنا روائية وهذه القصص هى أحداث معتادة فى حياتنا جميعا. عندما أكتب فإن ولائى يكون للشخصيات والقصة وأسلوب سرد حقيقى وموثوق». 

هل كان الأدب الغربى يفتقر لمثل هذا النوع من القصص؟
بالتأكيد.. كان هذا العمل هو الأول من نوعه فى الأدب الغربي.. لم يكن هناك من تناول مثل هذه الأمور حينذاك.. رواية تتناول أحداث قصة فلسطينية متعددة الأجيال، وأعتقد أنه ربما لهذا أصبحت من الكلاسيكيات على الفور.. أنت تعلم أن دور النشر الغربية لم تكن تهتم بمثل هذه الموضوعات. إنهم لا يهتمون بالقصص الخاصة بنا إلا أذا كانت تؤكد الصور النمطية السائدة حولنا فى الغرب، أنا أثق أن هناك العديد من الكتب التى تتحدث عن سيدة فلسطينية مسكينة ضحية لعنف وممارسات رجل عربى أو قصص آخرى تتناول موضوعات مماثلة وتغذى مفهوم «الرجل الأبيض المنقذ» أو «الإرهابيين العرب»..حتى الكتب التاريخية ذات الشهرة النسبية، نادراً ما يكتبها فلسطينيون، غالبا ما يكتبها إسرائيليون أو كتاب غربيون. 

فقد والداك جميع ممتلكاتهما فى فلسطين بعد حرب 1967، وكان عليهما اللجوء والتنقل بين عدة دول، كيف كان تأثير ذلك على حياتك؟
إن أبى وأمى من القدس.. وكما حدث لجميع الفلسطينيين فإن الاحتلال الإسرائيلى لأرضنا هو الذى تحكم فى مسار حياتنا. لم يستطع والداى البقاء فى فلسطين وتم طردهما بينما نجح بعض أفراد العائلة فى الاختباء والبقاء.كل ذلك دمرنا..دمر حياتنا..هدم عائلات بأكملها وفرقها فى الوقت الذى كنا ننتمى فيه لثقافة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأرض والترابط الاجتماعى وتقوم على نظام العائلات والقبائل. إن هناك الكثير من الإسرائيليين الذين يقولون إنه ينبغى على اللاجئين الفلسطينيين أن يتقبلوا الأمر الواقع ويكفوا عن الشكوى وينسوا حق العودة.

ولكن فى الحقيقة إن الاسرائيليين هم من عليهم أن يتقبلوا حقيقة أنهم مستعمرون للأرض وأن عليهم أن يعودوا إلى الدول التى جاءوا منها أو أن يتعلموا كيف يتعايشون فى مساواة على الأرض التى وفدوا إليها. غير ذلك هو أوهام فى مخيلة كل مستعمر. إنهم جميعا يقولون:  «فلتقبلوا الأمر» ولكننى على ثقة من أنهم لن يقبلوا أن يقول لهم أحد: « لقد تمت إبادتكم فلا تحاولوا البحث عن تعويض أو اعتراف.. ببساطة عليكم تقبل الأمر».

 فى رأيك ما هو التشابه بين ما حدث فى النكبة عام 1948 وما يحدث الأن؟
خلال النكبة استطاعت إسرائيل طرد أكثر من 80 % من السكان الأصليين لفلسطين، وذلك كان أيضا عن طريق العنف والمذابح الدموية، ولكن على الأقل فإن هؤلاء الذى نجحوا فى الهرب تمكنوا من الحصول على الأمان فى أماكن أخرى ونجحوا فى إعادة بناء حياتهم. أما ما يحدث فى غزة الآن فهو غير عادى وغير مسبوق. لا يوجد مكان للهرب.

الناس يهربون من مكان لآخر داخل نفس الفضاء المغلق بينما تتساقط عليهم القنابل من كل اتجاه. إنها إبادة جماعية. إن كثافة السكان، وصغر المساحة، وقوة النيران تجعل من هذه المجزرة اليومية شيئًا لا مثيل له.

لماذا فى رأيك يتم السماح بحدوث مثل هذا الأمر فى القرن الحادى والعشرين، خاصة أنه يتم متابعته ونشره بشكل مكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
إن إسرائيل نجحت فى السيطرة على الساسة الغربيين. لا أعلم كيف فعلوا ذلك. إن لم يكن بالأموال والرشاوى فبالفضائح. بالتأكيد هؤلاء الساسة لا يتصرفون وفقا للقيم والمبادئ التى يروجون ويدعون لها، كما أنهم لا يعبرون عن إرادة شعوبهم. إن غالبية الإنسانية ترى ما يحدث وترغب فى إنهائه.. حتى فى الولايات المتحدة فإن 70% من الأمريكيين يرغبون فى فرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل. لكن هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص يتحكمون فى وسائل الإعلام والاقتصاد والسياسة ويتصرفون ضد إرادة الأغلبية. 

نعرف أنك زرت غزة قبل عدة أشهر، كيف كان وقع الزيارة عليك؟
فى الحقيقة كان الأمر أسوأ مما يمكن أن يتخيله أى شخص.. من الصعب حقا الحديث عن ذلك.. أنا لم أر شيئا كهذا فى حياتى من عنف ورعب وحرمان وإذلال. أنا حتى لم أقرأ عن أى شيء كهذا فى كتب التاريخ. إن ما يشاهده العالم على الشاشات هو مجرد قمة جبل الثلج، وإن كان مرعبا على نحو كاف.

هناك يوجد أناس يقضون أياما يحفرون وينبشون الأرض بأيديهم العارية بحثا عن أشخاص آخرين يحتضرون بين الأنقاض، الجميع يمكنهم سماعهم ولكن أحدا لا يستطيع إنقاذهم، والمأساة أن معظم هؤلاء من الأطفال.. إن وضع الأطفال يتدهور على نحو مرعب.

فبعد أن كانوا يتحمسون لاختيار الزى لأنهم سيذهبون إلى المدرسة أو درس الموسيقى، ترى الآن نفس الأطفال الذين لا يتجاوز عمر بعضهم 3 سنوات يحملون الدلاء بحثا عن المياه.. إن الجميع يبحثون عن المياه أو الطعام بينما يتعرضون للقصف من كل اتجاه.

 فيم تفكرين عندما تسمعين بايدن أو نتنياهو يقولون إن الحرب تهدف للقضاء على حماس أو القضاء على الارهاب فى المنطقة؟
إنها محض أكاذيب.. فحتى لو أن هناك ما يمثل أى تهديد فلا يمكن أن يتم قصفه على هذا النحو.. إن إسرائيل هى مصدر التهديد ليس للفلسطينيين فحسب وإنما للإنسانية وللقانون الدولى والنظام الدولى الذى يدافع عنه الغرب. 

فى رأيك ما هو الهدف النهائى لإسرائيل فى غزة؟
لقد عبروا عنه هم أنفسهم.. منذ عام 1948 وهم يتذمرون لأن 20% من الفلسطينيين نجحوا فى البقاء ومنذ ذلك الحين وهم يسعون إلى التخلص منهم وطردهم. وقد حاولوا ذلك بطرق متعددة.. والآن ها هم يعودون للحديث بشكل صريح وواضح للغاية «علينا أن نقتلهم جميعا»، إن الخطاب العام لديهم مهووس بأطفالنا بشكل خاص فهم يقولون إننا نمثل تهديدا ديموغرافيا بالنسبة لهم.. وزاد هذا الهوس مع اكتشاف حقل الغاز الطبيعى أمام سواحل غزة. لقد حاولوا وضع يدهم عليه ولكنهم لم يتمكنوا لأنه كان خارج إطار سلطتهم، وفى كل مرة حاولوا فيها، تتلقى شركات النفط دعاوى قانونية وتنتهى بالتخلى عن المشروع.
 
إن التعاطف مع الولايات المتحدة لم يكن يومًا سهلاً. فقد تم طردكِ من شركة أدوية منذ 20 عامًا بسبب المقالات التى كنتِ تنشرينها حول هذا الموضوع فى صحافة البلاد. هل تغير شيء خلال هذه العشرين سنة؟
انظر إلى الطلاب.. يتم توجيه تهم خطيرة ضدهم، مع عقوبات محتملة بالسجن، لمجرد احتجاجهم ضد الإبادة الجماعية. للمرة الأولى فى تاريخ الولايات المتحدة، تم طرد أستاذ جامعى دائم من عمله بسبب معارضته للإبادة الجماعية. كانت تحديدًا أستاذة يهودية فى جامعة كولومبيا. إنه أمر مرعب. 

ماذا تنتظرين من ترامب؟
ترامب أمر لا مفر منه ولكن الفريق الذى عينه للشرق الأوسط لا يبشر بالخير.. إننا لا نعلق عليه أية آمال. وبالنسبة لى فإننى لا أنتظر أن يأتى الخلاص على يد أى من الساسة الغربيين. 

هل تعتقدين أنه لا يزال هناك أمل؟
بالتأكيد.. يمكنك أن تستشعر ذلك بالنظر إلى مقاتلينا الذين يقاتلون من أجل تحرير شعبنا غير عابئين بالموت.. بالنظر إلى جميع النشطاء والحلفاء والطلاب والدول التى تدعمنا. إن العالم بدأ يدرك الرعب الذى عانيناه على يد إسرائيل وبدأ الكثيرون يتحدون الصور النمطية العنصرية التى تم وصمنا بها على مدار سنوات. إننى أعول أيضا على المثقفين، فعاجلا أم آجلا، تلك الدول الظالمة القائمة على التفوق المزعوم ستسقط ولهذا فإننى لازلت متمسكة بالأمل. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 

 

 

 

 

مشاركة