ياسر رزق يكتب : السيسي إذا وعد

يــاســر رزق

الإثنين، 30 مايو 2016 - 09:04 م

يــاســر رزق

تستطيع أن تغلق عينيك فلا تري إلا الظلام.تستطيع أن تقفل النوافذ فتحجب عنك النسمات.تستطيع أن تدهس الزهور وتسحقها تحت قدميك.لكنك لن تستطيع أن تمنع عن الآخرين سطوع الشمس، ونسيم العصاري، وحلول الربيع.أحياناً أشعر مما أطالع وأشاهد وأسمع، أن هناك من يعيش في حالة إنكار، لما يجري ويعلو ويمتد ويُثمر علي أرض مصر.أعرف أن بيننا خارجين علي الوطنية. لا يريدون للبلد خيراً، ولا يتمنون له سوي الخراب. تَسْوَد وجوههم، كلما ارتفع بناء، واخضرت أرض، وابتسمت وجوه.أولئك لا أمل فيهم ولا رجاء.لكن ما بال آخرين، وكأنهم يستكثرون علي بلدهم أن ينهض وينطلق، وعلي أنفسهم أن تفرح وتبتهج، ويضنون علي زمانهم بالجود، فلا يصدقون أن يومهم صار أسعد وأزهي من أمسهم.دواء هؤلاء في رأيي أن يروا غيرهم يفرحون، فالفرحة عدوي، وإذا لم يلحقوا بالقطار في محطة الانطلاق، فالمحطات القادمة كثيرة، وعربات القطار لا تضيق بمن يريد الركوب.عن نفسي، لا أستطيع أن أمنع صدري من الانشراح لما رأيت خلال الأسابيع الماضية، وبالذات يوم أمس. ولماذا أحجب السعادة عن قلبي، ولم أنعم وجيلي منها إلا بأيامٍ معدودة في الطفولة والشباب والمشيب، تحديدا في السادس من أكتوبر، والخامس والعشرين من أبريل، والحادي عشر من فبراير، والثلاثين من يونيو، والثالث من يوليو، ثم الثامن من يونيو قبل ٢٤ شهراً.أحس أن بلدي يكتب تاريخاً لمستقبل أكاد أراه. صورة مصر التي عشنا نتمناها تتضح معالمها.. إلا قليلاً.يوم أمس بالذات، كان له وقع خاص في نفسي، عن أيام افتتاح ازدواج قناة السويس، وتدشين مشروع المليون ونصف المليون فدان، وتشغيل المصانع ومحطات الكهرباء العملاقة، وتشييد المدن الجديدة وشبكات الطرق الممتدة، وغيرها من مشروعات، لم يكن أشد المتفائلين منذ عامين يتوقع إنجازها في أقل من مائة أسبوع.!كنت حتي صباح الأمس، برغم ما جري من زيادة للحد الأدني للأجور بحفز من الفريق أول السيسي، ومن زيادة لمعاش التضامن بِدفعٍ منهُ، وبرغم ما جري علي يد الرئيس السيسي من استحداث لمعاش تكافل وكرامة لكبار السن والمعوقين والأسر الفقيرة التي تعول تلاميذ مدارس، وبرغم قوافل السلع ومنافذ محاربة الجشع والغلاء، كنت أظن العدالة الاجتماعية فريضة مؤجلة لنظام الثلاثين من يونيو لم يحن موعدها.!فالعدالة الاجتماعية التي سمعت اللواء السيسي يتحدث منذ ٦٥ شهراً عن آماله في أن يراها تتحقق علي أرض مصر، كانت آفاقها أوسع من كل ذلك وأرحب بكثير.وأذكر أنني كثيراً ما أزعجته بمقترحات قلقة ومتعجلة قولاً وكتابة، وكان في كل مرة يرد بهدوء قائلاً: «ما أيسر ذلك وأسهله وأوفره، لكن الذي أريده للبسطاء والغلابة من أبناء هذا الشعب الصابر مختلف»... نعم مختلف الذي رأيته بالأمس رأي العين في مدينة «تحيا مصر» بمنطقة الأسمرات في المقطم، وما شاهدته علي الشاشات خلال الاحتفال بافتتاح المرحلتين الأولي والثانية للمدينة، عما جري في قري ونجوع بالريف والصعيد، وفي أحياء منسية بمدن ومراكز المحافظات.مختلف ما وجدته وسمعت عنه، من أجل تغيير حياة ملايين من المصريين يعيشون حياة البؤس علي مدي عقود طويلة، في عشش من صفيح وأكواخ بلا أسقف ولا مراحيض، ولا مياه شرب، يَعُضّهم برد الشتاء وتجلدهم شمس الصيف، كأنهم يقيمون في قبور ذات نوافذ.!ومنهم من يسكن في بيوت من طوب أو حجارة لكنها تحت رحمة القدر أو تصاريفه، مهددة بالانهيار من حافة جرف هضبة، أو بالدفن عند أقدام جبل.كنا نألفُ وجود عزب الصفيح وأحياء العشش وبيوت الموت المرتقب، واعتدناها، وكانت حكومات متعاقبة تتجاهلها، بأعذار من قبيل ضيق ذات الموازنة، أو بتوجيه اللوم لقاطنيها الذين وفدوا إلي العاصمة من محافظاتهم.!وحين همَّت حكومات بالنظر إلي تلك المناطق التي تسمي بـ «العشوائيات الخطرة أو غير الآمنة»، أنفقت أكثر من ١٥ عاماً علي مسكِّنات كإدخال المرافق، أو التطوير علي ما هو قائم، دون علاج جذري فعال.هذه النوعية من العشوائيات المهددة للأرواح، تحتل ٤٣٣ منطقة في أرجاء بالبلاد، ونسبة ٦٠٪ منها تستحوذ عليها القاهرة.دون ضجيج أو إعلام، تم في غضون عامين تطوير ٨٢ منطقة منها، ويجري الانتهاء من ٧٢ منطقة قبل نهاية العام، وسيتم إنجاز الباقي في ٢٧٩ منطقة خلال عامين.عمل هائل تم علي أرض هذا البلد من أجل أبنائه الأكثر معاناة وفقراً.بعد عامين من الآن ستختفي تماماً كلمة عشوائيات خطرة أو غير آمنة من القاموس المصري، وستكون العشوائيات غير المخططة قد شارفت علي التَبَدُّل إلي مناطق لائقة بساكنيها.في غضون ٢٤ شهراً مضت تم إجلاء ٣٠٠ ألف مواطن من سكان العشوائيات الخطرة إلي مساكن مؤقتة، ثم نقلهم إلي مساكنهم الجديدة بتكلفة ٣٫٢ مليار جنيه.ومن الآن وحتي ٢٠١٨ سيتم إجلاء وتسكين نحو ٧٠٠ ألف مواطن بتكلفة ١٤ مليار جنيه.أي أن مليون مواطن من قاطني العشش والأكواخ وبيوت الصفيح منزوعة السكني ومنازل الموت، سينتقلون إلي شقق كريمة في أحياء جديدة قرب مناطقهم التي سَتُزال، أو داخل مناطقهم بعد تحويلها إلي أحياء يقيم بها أحياء حقاً ينعمون بِدِفءِ أحضان بلدهم. والتكلفة إجماليها ١٧٫٢ مليار جنيه، من موازنة المحليات وصندوق تطوير العشوائيات وصندوق تحيا مصر.في مدينة «تحيا مصر» التي افتتح الرئيس السيسي مرحلتيها الأولي والثانية أمس، ١٨ ألفا و٤٢٠ شقة منها ١١ ألف شقة انتهت وبدأ تسليم العقود لسكانها، و ٧٥٠٠ وحدة ستنتهي في غضون عام. المستفيدون هم أبناء العشوائيات الخطرة في الدويقة ومنشأة ناصر وعزبة خيرالله، التي كانت مضرب الأمثال علي سوء حال البسطاء، وهدف التصويب لمن يريد الإضرار بمصر والإساءة لصورتها.٧٠ ألف مصري يتسلمون هذه الأيام عقود وحداتهم في مدينة تحيا مصر بالأسمرات، ونحو ٤٥ ألفاً سيتسلمون عقودهم قبل مُضي عام.لن يدفع السكان أي مقدمات للحصول علي الشقة، ولن يزيد الإيجار الشهري عن ٢٥٠ جنيهاً لكل وحدة مساحتها ٦٥ متراً.لعلك شاهدت صوراً لعمارات مدينة تحيا مصر علي الشاشات أمس، أو طالعتها علي غلاف جريدة «الأخبار» أو صفحاتها الداخلية اليوم.هذه العمارات، كنا نُصنِّفُها علي أنها إسكانٌ فاخر. وهي كذلك بواجهاتها ومداخلها وسلالمها ومرافقها، وتشطيب شققها رفيع المستوي.أمام العمارات وبجوارها، حدائق خضراء مُنَسَّقة وملاعب، ومجمعات خدمات، ووحدات صحية، ومدارس مجهزة.فعلاً مدينة متكاملة.. تليق باسم «تحيا مصر».حياة أخري، سينعم بها مليون مصري بعد معيشة أذي وضنك!.كان الرئيس يستمع إلي ما يعرف بالقطع، وهو يتابع كلمة الرجل الخلوق الدءوب المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، وشرح وزير الإسكان الهُمام الكفء الدكتـــور مصطفي مدبولي، وعرض رجـــــل الإنجاز اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية، وكان بجــــــواره نخبـــــة من خيرة رجال مصر هم: المهندس إبراهيم محلب مساعد الرئيس للمشروعات الكبري، والقائد العام الفريق أول صدقي صبحي الذي يتأهب للسفر ورفع علم مصر علي حاملة الهليكوبتر الأولي «ميسترال» ورئيس الأركان الفريق محمود حجازي الذي عاد لتوه من زيارة لأمريكا.ثم جاء دور اللواء ممدوح شعبان مدير عام جمعية الأورمان، وشرح كيف تقوم الجمعية بالتعاون مع متبرعين آخرين وصندوق تحيا مصر بتطوير ١٢ ألفا و٧٠٠ منزل ريفي في ٥٥٥ قرية بمختلف المحافظات كلها تقريباً كانت مُعرَّشَة بدون أسقف وربعها بدون حتي دورة مياه بلدية. وأوضح أن كل منزل يتم تطويره مع تزويده بأثاث وأجهزة قيمتها في حدود ٨٩٠٠ جنيه.وهنا قال الرئيس : «سنساهم معك».. ثم أمر بتوفير أثاث لائق لمساكن مدينة «تحيا مصر» بتكلفة في حدود ١٠ آلاف جنيه تساهم فيها القوات المسلحة والشركات ويسلم الأثاث والأجهزة للأُسَر.إذن.. ستحصل الأسر التي كانت تقيم في العشش وبيوت الموت، علي شقق كريمة وأثاث لائق وأجهزة منزلية من خير بلدهم، بفضل إرادة وعزم ورؤية قائدهم.صندوق «تحيا مصر»، ورد ذكره في أكثر من موضع خلال يوم أمس، وكان رئيسه التنفيذي الرجل المنجز الهادئ اللواء محمد أمين رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة، حاضراً في الاحتفال مفضلاً كعادته عدم الظهور.. والصندوق ساهم بمبلغ ١٠٠ مليون جنيه في مشروع جمعية الأورمان لتطوير المنازل الريفية في القري الأكثر فقراً.ثم هو ممول المرحلتين الثانية والثالثة لمدينة «تحيا مصر» بالأسمرات بتكلفة ١٫٥ مليار جنيه.وألمح الرئيس السيسي في إشارة ذات مغزي عن دور صندوق «تحيا مصر»، قائلاً : «إنه كان يتمني أن تبلغ حصيلته مائة مليار جنيه».. ثم أشار إلي مدينة «تحيا مصر» وهو يقول : «لمن يتساءل عن الغرض من الصندوق، أقول له إنه يمول مشروعات كهذه المدينة وغيرها».لست وحدي الذي لاحظ تأثر الرئيس السيسي وهو يستمع إلي تعليقات بريئة لأطفال صغار عن حياتهم في بيوت الصفيح، ثم سعادتهم بالشقق الجديدة.ولست وحدي، الذي تابع الرئيس وهو يؤكد في ختام الاحتفال علي الانتهاء من المساكن البديلة للعشوائيات الخطرة كلها خلال عامين ويقول: «صدقوني.. نحن عندما نعد، ننفذ».وأظن الملايين ردوا عليه: «إذا لم نصدقك، فمن نصدِّق؟!»