الدكتور محمود محيي الدين
الدكتور محمود محيي الدين


محمود محيي الدين يكتب.. خارج الديار: مهاجرون ولاجئون ومهجرون

منصور كامل

الخميس، 15 سبتمبر 2016 - 02:47 م

قال الدكتور محمود محيي الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي، أن عدد المهاجرين زاد زيادة غير مسبوقة، فقد تجاوز عددهم 250 مليوناً في نهاية سنة 2015 منهم 21 مليوناً من اللاجئين، وفقا لدراسة حديثة للبنك الدولي عن المهاجرين و التنمية، والناس منذ بدء الخليقة بين حل وترحال وحراك عبر الحدود تعددت دوافعه.  

وقد لخصت قديماً هذه الدوافع في خمسة وضعت شعراً في بيت مشهور تجده في ديوان الإمام الشافعي، حيث حدد فوائد التغرب عن الأوطان في "تفرج هم، و اكتساب معيشة، و علم، و آداب، و صحبة ماجد".

وأضاف محيي الدين في مقال له على موقع البنك الدولي "في الزمن المعاصر قد يسبق أحد هذه الدوافع غيره أهمية عند بعض المهاجرين، لكن الأسباب الاقتصادية للهجرة تظل هي الأهم بين عوامل الجذب إلى بلدان المهجر والطرد من أوطان المهاجرين، فارتفاع معدلات البطالة و انخفاض الدخول و زيادة متطلبات المعيشة تكررت في مسوح الاستقصاء كأسباب للهجرة، ومع وجود هذه الفوارق الكبيرة بين متوسطات الدخل السنوي في الدول الأكثر فقراً التي لا تتجاوز600 دولاراً و متوسطات الدخل في الدول الأغنى التي تبلغ 43000  دولاراً، تزيد بشدة عوامل الجذب للهجرة.

وتابع: "تبالغ بعض التقارير المتداولة في تركيزها على الهجرة إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية، وحقيقة الأمر أن الهجرة بين دول الجنوب و بعضها أكبر من الهجرة إلى الشمال، ففي إفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال، يتجاوز عدد المهاجرين إلى دول القارة ثلثي إجمالي المهاجرين.

كما أن الأشد فقراً من الراغبين في الهجرة ينتهي الأمر بأكثرهم إلى هجرة داخلية في حدود أوطانهم، إذ لا يقدرون على تحمل تكلفة الهجرة الخارجية سواء كانت شرعية أو غير شرعية".

وحول دوافع الهجرة قال " لا تقتصر دوافع الهجرة على فروق الدخل بين الدول الأغنى و الأفقر، فتدني احتمالات تكافؤ الفرص وعدم العدالة الاقتصادية والاجتماعية والاختلالات السكانية، عدداً وعمراً و توزيعاً، والتأثير السلبي للتغيرات المناخية خصوصاً على المياه و الزراعة، أمست كلها من عوامل الطرد المتزايدة من الأوطان، وتيسر حركة الهجرة المتزايدة شبكات العلاقات الممتدة بين الساعين إلى الهجرة وذويهم ومواطنيهم في المهجر.

كما يسهم فيها الانخفاض النسبي لتكلفة الاتصالات والانتقال، ولا يبدو أن أياً من هذه العوامل الدافعة للهجرة إلى انحسار في المستقبل القريب. و عملياً، فإنه من المفيد مقارنة التكلفة و العائد على وطن المهاجر و دولة مهجره و اتخاذ التدابير لزيادة المنافع المتحققة من الهجرة و تحجيم آثارها السلبية.

وأضاف " تتركز الآثار الاقتصادية الإيجابية للهجرة على المهاجر و وطنه في زيادة الدخل وتخفيف حدة البطالة، وترتبط الهجرة بتحويلات مالية من العاملين بالخارج والتي بلغت تدفقاتها للدول النامية في عام 2015 حوالي 432 مليار دولار، بما يجعلها من أهم مصادر النقد الأجنبي، بل و المصدر الأول له في كثير من البلدان النامية المصدرة للعمالة، وتجد دولاً قد رأت في التحسن النسبي لأوضاع المهاجرين ما يبرر لحكوماتها فرض رسوم وضرائب استثنائية عليهم وعلى تحويلاتهم، وهي كلها إجراءات تتجاوز تكاليفها أي نفع مفترض لها، و باءت بالفشل في دول حاولت التدخل في تدفق تحويلات العاملين لأسرهم فأضرت بها ضرراً بليغاً، ولم تعد التحويلات لمسارها حتى ألغيت هذه الإجراءات التعيسة.

وتابع: "أما عن الآثار السلبية على وطن المهاجر، فيتمثل أهمها في خسارة العقول المهاجرة و ذوي الكفاءات و المهارات، وما يحققه وجودهم في أوطانهم من نفع عام يتجاوز مجرد قيامهم بأعمالهم وممارسة مهنهم.

هذا التصور يعود إلى آراء، انتشرت في السبعينيات من القرن الماضي، حول نزيف الأدمغة، و تسرب عائد استثمارات في التنمية البشرية إلى دول متقدمة، يقابل هذا آراء أخرى تعلي من شأن ما يتحقق للدولة من نفع من خلال التحويلات، والمعالجة، وإن كانت جزئية، لمشكلة ارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة إلى ما يمكن تحقيقه من خلال توثيق التواصل بين المهاجرين وأوطانهم و تحفيزهم بما يزيد من فرص عودتهم، أو زيادة الاستفادة من تواجدهم في محال هجرتهم، وهناك تجارب ناجحة في هذا الشأن منها تجربة الهند مع العاملين في الخارج من أبنائها في مجال تكنولوجيا المعلومات على سبيل المثال.  

وأوضح: ينزع الكثيرون في الدول المستقبلة للمهاجرين للاعتقاد، بالمخالفة لما تظهره دراسات أسواق العمل، بأن الهجرة تؤدي إلى ضياع فرص للعمل من المواطنين، ويرون كذلك أنها تلقي بأعباء على الخدمات العامة خاصة فيما يتعلق بالصحة والتعليم و المرافق الأساسية، فضلاً عن التأثير السلبي على تماسك النسيج الثقافي و الاجتماعي.

أما عن الأثر الإيجابي على دول المهجر فيتمثل في استقطابها لعناصر بشرية في مرحلة العطاء قادرة على العمل والاستثمار والابتكار والإبداع، فيسدون فجوات في سوق العمل ويزيدون الطلب الفعال والإنتاجية ويسهمون في إيرادات الدولة ويحسنون من ماليات نظم المعاشات التي تتعرض لضغوط بسبب نقص الاشتراكات وزيادة المستحقات المنصرفة، خاصة في الدول التي يرتفع فيها الوزن النسبي لشريحة كبار السن وأرباب المعاشات، لعل الأمر يحتاج إلى حوار مستمر وإيضاح الحقائق حتى لا تتدثر مشاعر العداء للوافدين باعتبارات ليس لها سند من الواقع، وتتخفى الانطباعات المعادية أصلاً للمهاجرين وراء حجج واهية.

وأكد أنه مع انتشار الحروب و الصراعات الأهلية وعمليات العنف والإرهاب، زادت تدفقات المهاجرين من اللاجئين إلى أماكن يأمنون فيها نسبياً على حياتهم، وكان ذلك بأعداد غفيرة ظن الناس أنهم لن يشهدوا لها مثيلاً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. و قد يفترض البعض أن المشكلات المرتبطة بالنزوح الكبير للاجئين من العوارض الطارئة التي ستزول فور زوال مسبباتها، لكن هيهات، فالأمر له مستتبعات معقدة في نطاق الاقتصاد السياسي.

كما أن له أبعاداً إنسانية حرجة. فالنازحون قسراً من ديارهم يبلغ عددهم 65 مليون إنسان، منهم ما يزيد على 40 مليونا من المهجرين داخل حدود بلادهم، وعلى خلاف ما يعتقد البعض، تتحمل دول نامية عربية و إفريقية و آسيوية، أعباء استضافة حوالي 86% من اللاجئين يشكل الأطفال أكثر من نصفهم عدداً، ولما كان متوسط سنوات مكوث اللاجئين في أماكن المهجر يتجاوز 17 عاماً في المتوسط، فإن الأمر يتطلب التعامل مع مجموعة متشابكة من الخدمات والمساعدات الإنسانية العاجلة دون تجاهل الاحتياجات الأساسية والتنموية والأمنية.

وأوضح في خلال أيام ستنعقد قمتان تحضرهما وفود الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وتتصدى القمة الأولى لتحديات الهجرة واللجوء بأعداد كبيرة، وقد أعدت لهذه القمة نصوص لتعهدات والتزامات لحماية الحقوق الإنسانية و القانونية للمهاجرين و اللاجئين، ضمها جميعاً إعلان ستعرض وثيقته لكي تعتمدها الدول في  القمة التي ستنعقد في يوم 19 سبتمبر.

ويدعو الإعلان أيضاً للتعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص للتعامل مع الأزمات الراهنة للحراك عبر الحدود بأعداد كبيرة ومسبباتها وما يترتب عليها ومواجهة مشكلات التمويل المرتبطة بها، وتتطرق القمة كذلك إلى مراجعة تنفيذ الاتفاقات والتعهدات الدولية والسياسات ذات العلاقة والاتفاق على آلية للمتابعة الدورية.  

و تسعى القمة الثانية، التي ستنعقد متزامنة مع اجتماعات الجمعية العامة في يوم 20 سبتمبر، لتنسيق الجهود الدولية لحشد التمويل اللازم لتطبيق البرامج و المبادرات الموجهة للتعامل مع أزمات اللاجئين.

كما تهدف هذه القمة لزيادة الأعداد التي يتم إعادة توطينها قانونياً من اللاجئين وزيادة التمويل المطلوب للمساعدات الإنسانية العاجلة بنسبة 30% وزيادة أعداد المقبولين من اللاجئين في المدارس وللالتحاق بسوق العمل.

وقال: "هناك اهتمام كبير بما ستسفر عنه أعمال القمتين، سواء للاعتبارات الإنسانية لأوضاع اللاجئين والمساعدات اللازمة لهم في الأجل القصير، أو للأبعاد التنموية للهجرة، وكذلك للتداعيات طويلة الأجل للأزمات الراهنة و تقليل احتمالات حدوثها  مستقبلاً، ومع الانشغال الواجب بالأوضاع الحرجة الراهنة، التي يرجا أن تكون مؤقتة، تلح على الأذهان احتياجات أساسية ومتطلبات تعليمية وصحية وترتيبات لسوق العمل لجيل من النازحين قد يقضي جل شبابه لاجئاً وكل عمره مهاجراً، فكما يقول المثل الإغريقي القديم "لا يوجد أكثر دواماً من الأمور المؤقتة"، وهو ما يستوجب التحسب له.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة