الكاتب الصحفي ياسر رزق
الكاتب الصحفي ياسر رزق


يــاســر رزق يكتب من بودابست: كلمة السر بين السيسي وأوربان.. وقمة »ڨي 4+ مصر«

ياسر رزق

الأحد، 02 يوليه 2017 - 07:23 م

في قصر «أورساك هاز» المنيف، الذي يطل على نهر «الدانوب» أطول أنهار أوروبا، يلتقي الرئيس عبدالفتاح السيسي اليوم للمرة الثالثة في غضون عامين، مع رئيس الوزراء المجري ڨيكتور أوربان.
 هذه هي الزيارة الثانية للرئيس السيسي إلى بودابست. وبين الزيارتين، حل رئيس وزراء المجر ضيفا على مصر والرئيس منذ 13 شهراً.
 بين البلدين، علاقات قديمة عمرها 80 سنة، لكنها في السنوات الأخيرة، اكتسبت زخماً هائلاً، دشن فصلا جديداً في التعاون المصر المجرى.. له ما يبرره.
 وبين الزعيمين، صداقة وطيدة، أساسها تقدير وعرفان سبقا اللقاء الأول.. ولهما ما يبررهما!
كلمة السر.. في التعاون الأرحب بين البلدين، وفى الصداقة الشخصية بين الرجلين.. هي: «الثالث من يوليو».
وللمفارقة.. أن لقاءهما الثالث يحل في ذكرى هذا اليوم.

***
منذ 4 سنوات بالضبط، كان رئيس وزراء المجر ڨيكتور أوربان يتابع على شاشة التليفزيون بيان وزير الدفاع المصري الفريق أول عبدالفتاح السيسي ، ثم نظر إلى معاونيه وقال: هل سمعتم ما قاله الرجل؟... لقد أنقذ بلاده من مصير مظلم.
 بعدها بدقائق.. أصدر أوربان بياناً يعلن تأييد بلاده لإرادة الشعب المصرى، لتكون المجر هي أول دولة في أوروبا تعترف بثورة 30 يونيو.
 مضى أحد عشر شهراً.. والتقى الرجلان لأول مرة يوم 8 يونيو عام 2015 خلال زيارة دولة قام بها السيسي إلى بودابست، وهى أرقى أشكال زيارات قادة الدول.
 كان يوم اللقاء يوافق مرور عام على تولى السيسى منصب رئيس الجمهورية.
في هذا اليوم.. ظل أوربان ملازما السيسي 6 ساعات كاملة، وفى أعقاب جولات مطولة من المباحثات، رافقه إلى منتدى رجال الأعمال المصريين والمجريين المنعقد بأحد فنادق بودابست.
وهناك.. ارتجل أوربان كلمة أمام الحاضرين في المنتدى قال فيها: «فكروا ماذا لو لم يكن هناك هذا الجيش في مصر؟.. ماذا لو لم يكن هناك رجل شجاع هو السيسي؟.. ماذا كان سيحصل لو لم يأت السيسي من بعد مرسى؟.. ماذا لو عمت الفوضى العالم العربي؟.. كيف سيصير حال أوروبا؟».
ثم أضاف: إن عبارة «ماذا لو» لا نتعامل بها في السياسة.. لكن تلك الأسئلة تحتم علينا التفكير لتقييم ما جرى في مصر. إن هذا الرجل أنقذ بلاده، وتحمل المسئولية، واتخذ أصعب القرارات لتحقيق الاستقرار في مصر».

 بدا الخجل على الرئيس السيسي من عبارات الإطراء التي سمعها من أوربان في العلن بعدما سمعها منه في المباحثات المغلقة.. فقال له: «المرة القادمة أرجو أن أسبقك في الحديث».
 وفي ختام اللقاء الأول بين السيسي وأوربان.. قال رئيس الوزراء المجرى للرئيس: «أود أن أقول شيئا لكم، ليس بنصيحة، فأنا أصغر منك سنا ودرجة، وبلدي دولة صغيرة لا يتعدى سكانها نصف سكان القاهرة، لقد حصلنا على نصائح كثيرة من الخارج، ولو اتبعناها لما حدث نمو وما تحسن اقتصادنا، ولو لم نبحث عن طريقنا بأنفسنا لما كنا حققنا شيئا. إنني أثق أن مصر لها مستقبل باهر إذا مضت على طريقها الذي اختطته لنفسها، وأعدكم أنكم ستجدون فى المجر أصدقاء وشركاء حقيقيين».

*** 

بعد عام جرى اللقاء الثاني بين الزعيمين.. جاء ڨيكتور أوربان إلى القاهرة بدعوة من الرئيس السيسي وكان ذلك في أول يونيو من العام الماضي.
في هذه الزيارة، وقع البلدان 5 مذكرات تفاهم في مجالات النقل والطيران والتعاون الإعلامي والتعاون الاقتصادي والتعاون العسكري.
 وتركزت مباحثات السيسي وأوربان بجانب التعاون بين البلدين، على قضيتى الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وعلى أزمات الشرق الأوسط وتأثيراتها على أوروبا.. وانصب الحديث وقتها على الوضع في ليبيا، وأبدى أوربان اتفاقه مع رؤية السيسي الداعية إلى إيجاد حكومة موحدة ووقف الدعم المادي والعسكري للجماعات المتطرفة ودعم الجيش الليبي.
 
وعبر رئيس الوزراء المجرى عن سعادته بالمشروعات القومية الجديدة في مصر.. وقال: «إننا بلد لا يملك تاريخا استعماريا، ولا يعيش على حساب دول أخرى، ولن يقوم بمشروع في مصر لا يتناسب مع التطلعات المصرية» وأضاف: «إن نجاح مصر ورئيسها يصب في مصلحة المجر وأوروبا. وعلاقات البلدين ممتدة منذ 70 عاماً ولم تشبها شائبة».

***
 
مساء أمس.. حل الرئيس السيسي ضيفاً على رئيس الوزراء المجري للمرة الثانية.
واليوم يلتقي الرجلان في اللقاء الثالث بينهما خلال 25 شهراً.
نصف عمر أوربان الذي يناهز 56 عاماً أمضاه في قلب الحياة السياسية المجرية. في سن الثالثة والثلاثين، فاز حزبه «الحزب القومى المحافظ» بأغلبية مقاعد البرلمان، وصار رئيساً للوزراء عام 1998، وخسر الانتخابات بعد أربع سنوات، ليظل زعيما للمعارضة مدة ثماني سنوات. وفي عام 2010 فاز حزبه بثلثي المقاعد، ليعود رئيساً للوزراء، ثم حقق في انتخابات عام 2014 فوزاً كاسحاً وحصد أكثر من ثلثي المقاعد بعد أن حقق في الدورة السابقة معدلات نمو لبلاده كانت هي الأعلى في أوروبا.
 لا يعد أوربان من الزعماء ذوي الشعبية في صحف غرب أوروبا، لأكثر من سبب، أولها اتجاهاته المحافظة تجاه الاتحاد الأوروبي الذي تتمتع بلاده بعضويته لكنها خارج منطقة اليورو وتحتفظ بعملتها الوطنية، وثانيها علاقاته الوثيقة مع روسيا، وثالثها موقفه المتشدد من قضية اللاجئين، ورابعها نسب التأييد الشعبي العالية التي يحققها في الانتخابات والتي لا تعرفها الديمقراطيات الأوروبية الغربية، إلى حد وصف النظام في المجر بأنه «ديمقراطية غير ليبرالية»!
 وفي مبارزة كلامية حدثت منذ عامين، واحتلت الصدارة في تعليقات المعلقين الأوروبيين.. رفع جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية يده على طريقة التحية الهتلرية، وهو يستقبل ڨيكتور أوربان في قمة الاتحاد الأوروبي بـ«لاتڨيا»، قائلا: «أهلا بالدكتاتور»! ورد أوربان على يونكر الذي سبق له أن تولى منصب رئيس وزراء لوكسمبرج قائلا: «مرحبا.. بالدوق الأكبر».. وهو وصف يطلق على عاهل لوكسمبرج، في إشارة من أوربان إلى أن يونكر يظن أنه ملك لأوروبا ويريد أن يتحكم فى كل دولها!
 
*** 

زيارة الرئيس السيسي لبودابست هذه المرة لها شقان:
الشق الأول ثنائي: من خلال سلسلة من المباحثات واللقاءات تتم اليوم، وتشمل بجانب أوربان، رئيس الجمهورية يانوش أدير، ورئيس البرلمان لاسلو كوفير. ثم يلتقي السيسي وأوربان مع رجال الأعمال المشاركين في المنتدى المصري المجرى.

 مباحثات القمة بين السيسي وأوربان تتناول استعراضا لما تم فى مجالات التعاون المشترك خلال العامين الماضيين، وآفاق هذا التعاون فى مجالات الطاقة والنقل والسكك الحديدية وزيادة التبادل التجاري.
 وفي هذا الإطار.. يحمل أعضاء الوفد المصري المرافق للرئيس السيسي، عدداً من المشروعات المحددة من بينها مشروع لتجديد قضبان السكك الحديدية لمسافة 1200 كيلومتر، وإنشاء المرحلة الأولى لخط حديدي جديد يربط العين السخنة بالعلمين، وتشمل هذه المرحلة ربط العاصمة الجديدة بالإسكندرية، وكذلك مشروع مشترك لتصنيع عربات القطارات الخاصة بهذا الخط في مصر.
 على الجانب السياسي.. تتركز المباحثات على قضايا إقليم الشرق الأوسط، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التشاور والتنسيق وتبادل المعلومات في مجال الأمن والتصدي للإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

***
 
أما الشق الثاني للزيارة، فهو يتعلق بمشاركة الرئيس السيسي غداً في قمة «ڨيشجراد» التي تترأس المجر دورتها الحالية.
«ڨيشجراد» هو تجمع أنشئ عام 1991 يضم 3 دول هي المجر وبولندا وتشيكوسلوڨاكيا، خلال اجتماع قمة لقادة هذه الدول عقد بمدينة «ڨيشجراد» المجرية، التي اكتسب التجمع اسمه منها.
الغرض من إنشاء الدول الثلاث الجارات في وسط أوروبا، كان التنسيق فيما بينها وتعزيز التعاون الثلاثي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي النيتو، بعد تفكك الاتحاد السوڨييتي وانهيار الكتلة الشرقية وزوال حلف وارسو، وفى عام 1993 أصبح التجمع يضم 4 دول، بعد أن انقسمت تشيكوسلوڨاكيا إلى دولتين هما تشيكيا وسلوڨاكيا. وبحلول عام 2004 أصبحت الدول الأربع جزءاً من الاتحاد الأوروبي.
بجانب التطلعات الأوروبية لهذه الدول، فهناك أسباب أخرى دفعتها لإنشاء التجمع هو أنها تنتمى لحضارة واحدة وجذور عرقية مشتركة، مما يعزز رغبتها العمل معاً داخل الإطار الأوروبى فى توطيد أواصر التعاون بينها فى مجالات الثقافة والتعليم والعلوم وتبادل المعلومات.
وقد صدر عن هذا التجمع 4 إعلانات سياسية، آخرها إعلان براتسيلاڨا عام 2011.

***
 
يبلغ عدد سكان دول تجمع «ڨيشجراد» الذي يعرف اختصاراً باسم «ڨى -4» 64.3 مليون نسمة أى قرابة ثلثى عدد سكان مصر، ومعظمهم في بولندا التى يقطنها 38.5 مليون نسمة. وتصل المساحة الإجمالية لهذه الدول 518 ألف كيلومتر مربع أى ما يزيد قليلا على نصف مساحة مصر، وأكبرها بولندا بمساحة 304 آلاف كيلومتر. ويبلغ إجمالي الناتج المحلى لهذه الدول 1.8 تريليون دولار، مما يجعل من هذا التجمع خامس أكبر اقتصاد فى أوروبا بعد ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وتستحوذ بولندا وحدها على أكثر من تريليون دولار كناتج محلى لها، مما يجعلها بمفردها سادس اقتصاد في أوروبا.
بينما تتفوق مصر على الدول الأربع في معدل النمو الذي وصل في عام 2016 إلى 3.8% بينما يصل أعلى معدل لهذه الدول في بولندا إلى 3.1%.

***
 
منذ إنشاء هذا التجمع الذي يعقد اجتماع قمة في منتصف كل عام، لم تشارك فيه أي دولة طيلة 26 عاماً من عمره سوى ألمانيا واليابان، لتكون مصر الدولة الثالثة التي تشارك في أعماله، والأولى على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا ودول المتوسط.
 دعوة رئيس الوزراء المجرى، للرئيس السيسي للمشاركة في أعمال قمة دول «?يشجراد»، لا ترجع فقط إلى تقديره الشخصي للرئيس السيسي والعلاقات الوطيدة التي تربط بلاده بمصر، إنما تعود أيضا إلى العلاقات التاريخية التي تربط هذه الدول الأربع بمصر وإيمانها بدور مصر المحوري في إقليمها وسياساتها الخارجية المتزنة، وموقفها من قضيتي مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وأيضا للخطوات التي تنتهجها على صعيد التنمية الاقتصادية، بما يبشر بآفاق أوسع للتعاون مع هذه الدول بصورة جماعية أو ثنائية.
 عندما تلقت مصر الدعوة للمشاركة في أعمال هذه القمة، رحبت بحضورها لأسباب عديدة، منها فتح نوافذ مع مجموعة داخل الاتحاد الأوروبي تتفهم مواقف مصر وتدافع عنها، وقد ظهر ذلك في أعقاب ثورة 30 يونيو من جانب الدول الأربع دون استثناء.
 أيضا توسيع آفاق التعاون مع هذه الدول، سواء في تطوير مصانع قطاع الأعمال العام، التي شاركت في إنشائها في سنوات الستينات، والاستفادة من التكنولوجيات الحديثة بهذه الدول، وتشجيع حركة السياحة من هذه الدول وجذب استثماراتها لإقامة مشروعات بمصر في مجالات متنوعة، كذلك استغلال موقع مصر والاتفاقات التي تربطها بالتجمعات العربية والأفريقية، في تحويلها إلى مركز للتجارة بين دول تجمع «ڨيشجراد» والمنطقة العربية وقارة أفريقيا.
 ومن المقرر أن يلقى الرئيس السيسي كلمة أمام القمة يتناول فيها فرص الاستثمار بمصر، وإجراءات الإصلاح التي تنتهجها للنهوض باقتصادها، والمشروعات القومية الكبرى الجاري إقامتها، ومجالات التعاون الرحبة بين مصر ودول التجمع.
 وينتظر أن يصدر عن القمة بيان مشترك يتناول مجمل آفاق التعاون ورؤى مصر وهذه الدول تجاه أزمات الشرق الأوسط وقضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

***
 
من قمة العشرين بمدينة هانغجو الصينية في أغسطس الماضي ، إلى القمة الألمانية الأفريقية في برلين الشهر الماضي ، إلى قمة مصر ودول «ڨيشجراد» ببودابست غدا، ثم إلى قمة دول البريكس الخمس بمشاركة مصر و8 دول نامية في سبتمبر المقبل بالصين.. تجني مصر حصاد علاقات دولية متوازنة، وسياسة خارجية رشيدة منفتحة خلال ثلاث سنوات مضت، بمشاركة واسعة متعددة فى المحافل الدولية، تعمق التشاور السياسي حول القضايا الإقليمية والعالمية وتعزز جهودها لتوسيع التعاون مع مختلف الدول والتجمعات لدفع مشروعها الوطني في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية.
 
ولعل نظرة العالم إلى مصر، تلخصها عبارة الزعيم المجرى أوربان للرئيس السيسي في لقائهما الأول: «لا استقرار في العالم العربي بدون مصر، ولا استقرار في أوروبا بدون بقاء مصر مستقرة».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة