الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم


نقطة فوق حرف ساخن

عمرو الخياط يكتب: أسطورة الواحات

عمرو الخياط

الجمعة، 03 نوفمبر 2017 - 08:47 م

بأنوارها الساطعة وأشعتها الدافئة انعكست الشمس المصرية علي بشرته فتدفق دفؤها علي ملامحه وأكسبها سمارا مصريا خالصا بلون الأرض الطيبة، ومن صلابة الأرض استمد جسده قوة إرادته وبنيته، وخلف ملامحه الطيبة تتواري أسطورة الإرادة المصرية علي أرض الواحات كان البطل الظاهر علي موعد مع قدره الذي اختار أن يواجهه بإرادته، مخزون كبريائه ووطنيته أبي عليه أن يدير ظهره إلي معركة وطنه، البطل الظاهر الظافر ظل صامدا طوال ثماني عشرة ساعة وجراحه تنزف بينما جثامين رفقاء الكفاح ممن استشهدوا تحيط به علي أرض المعركة بعدما ارتقت أرواحهم الطاهرة إلي بارئها مع النبيين والصديقين..  الجريح عاد إلي حضن وطنه بإرادة المولي عز وجل، لا تفارقه صور الشهداء ولاتزده إلا إصرارا وكبرياء علي مواصلة الرسالة المقدسة.

الشهيد الحي ظل طوال ثماني عشرة ساعة تعانق أنفاسه رائحة الدماء الزكية لشهداء الوطن، الشهيد والشاهد الوحيد لتفاصيل ماجري علي أرض الواحات عاد بإرادة المولي عز وجل إلي أهله بعدما عاش تجربة الموت كاملة وهو علي قيد الحياة لا تمر امام عينيه سوي صور أطفاله ووطنه بخلفية أرواح الشهداء التي ظلت محلقة حوله ليستمد من استشهادهم طاقة جديدة للحياة والأمل والعمل، شاهد العيان الوحيد الذي ظل متحملا لآلام جراحه بعدما كان بينه وبين الموت قيد أنملة لكن إرادة المولي شملته برعايتها ليعود سالما حاسما أمره بأن يستكمل مسيرته في رعاية وطنه، والمدهش أنه كما لو كان عائدا من نزهة الموت فلم يتخل عن كبريائه أو ثباته ولم تفارقه ابتسامته.

البطل الأسمر عائدا من أرض المعركة لايسيطر عليه إلا الإصرار علي الثأر لشهداء الوطن، عزيمة استكمال الجهاد في سبيل الله والوطن أنسته آلام إصاباته المتفرقة في جسده، لن تعرف طاقة العزيمة بداخله إلا اذا التقيته شخصيا، لن تصدق حجم الصلابة بداخله إلا اذا استمعت اليه يروي تفاصيل مهولة لن تتخيل كيف تحملها، وعندما تغادر غرفته التي يزاحمك بداخلها طاقة التحدي ستكون علي موعد جديد مع نفسك ومع المحيطين بك وسيتغير وجه الحياة بداخلك، وفي طريق عودتك من حيث أتيت ستظل ولفترة ليست بالقليلة أسيرا لأسطورة هذا البطل الذي ظل حيّا بعدما عاش تجربة الشهادة كاملة بكل تفصيلاتها، ساعتها ستدرك معاني ومعادن الصلابة التي ربما سمعت عنها في الأساطير والدراما، والآن تعيشها واقعا مباشرا في تجربة فريدة متفردة تفرض علي الضمير العام ان تتناقلها الأجيال المتعاقبة.

بجسده القوي ظل ممدا علي ارض المعركة ومن حوله جثامين الشهداء الطاهرة، يسمع ويري، تسجل أذناه وتصور عيناه وجوه وقسمات وحركات وكلمات المجرمين التي انتقلت بكامل تفاصيلها الي ارشيف ذاكرته، وفي الوقت الذي كان فيه الموت علي بعد خطوات منه كان الامل في العودة للحياة لاستكمال المسيرة في سبيل الوطن، قد استقر في قلبه وزاده يقينا انه كان ومازال في طريق الحق المبين.
وبفضل المولي عز وجل فرضت إرادته من بين أيديهم ومن خلفهم سدا وعلي قلوبهم غشاوة فلم تصل إعينهم إليه وهو أمامهم حتي رحلوا عن مسرح جريمتهم بعدما اعتقدوا انهم ظفروا بالنصر لكنهم كانوا علي موعد جديد مع الوطن.

طوال ليلة ظلماء ظل الشهيد الحي لايفكر سوي في العودة لصفوف المعركة صحبة زملاء المسيرة والكفاح، رائحة الموت من حوله ودماؤه تختلط بدماء الشهداء علي أرض الواحات، وروحه تعانق أرواحهم، وانوار ارواحهم الطاهرة التي ارتقت الي بارئها أضاءت ما حوله، وسط الظلام سطع ضياء مجد الشهداء يملأ النفوس والقلوب والعقول، ومن رحم الموت ولدت حياة جديدة ومن الظلام أخرجت عزيمة الرجال أنوارا ساطعة علي ارجاء الوطن، لو انك التقيت البطل الظافر لربما تستوعب هذه الحالة التي ستترك في وجدانك طاقة هائلة وستنقلك إلي حياة أخري قائمة علي اكتاف رجال يقدمون أرواحهم يوميا الي الوطن رصيدا لحياة وراحة من لايعلمون شيئا عن هذه النماذج الأسطورية.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة