د.هدى شامل
د.هدى شامل


حوار| حفيدة النقراشى: حسن البنا قتل جدى بأوامر من الإنجليز

عماد عبدالحميد- أمير لاشين

الأربعاء، 01 أغسطس 2018 - 09:59 م

- البنا احتقر المصريين ووصف الإخوان بأنهم «أطهر الناس على وجه الأرض»
- البنا ذهب باكياً للنقراشى وقال: «سنترك السياسة وأعتكف فى بيتى» ثم قتلوه بعد عشرين يوما
- بيان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» كذب.. والنقراشى طلب من البنا أسماء المتورطين فى أعمال العنف لكنه رفض
- مؤسس الجماعة مهدداً بالفوضى: «إذا تم الحل فالنتائج غير معروفة»

السابع من ديسمبر عام 1948 ذهب حسن البنا مرشد الإخوان إلى وزارة الداخلية طالبا لقاء النقراشى باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية وقتها..كان البنا مرتبكاً حزيناً يبكى بكاء مريرا ترجى وكيل الداخلية عبد الرحمن بك عمار أن يسمح له بالدخول إلى النقراشى باشا.. فقد علم البنا أن قرارا بحل الجماعة قد صدر وان الحكومة على وشك الإعلان عنه لكن اللقاء بين النقراشى والبنا لم يتم.

فى صبيحة اليوم التالى مباشرة صدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين وتفكيك شُعبها.. فقررت الجماعة أن تنتقم ولم يمر سوى عشرين يوماً فقط حتى قامت الجماعة باغتيال النقراشى باشا على يد عبد المجيد أحمد حسن عضو التنظيم الخاص للجماعة..مابين قرار الحل وما سبقه من أحداث متلاحقة ومتسارعة وحتى اغتيال النقراشى دار حوارى مع الدكتورة هدى شامل حفيدة النقراشى.. حوار دعمته الدكتورة هدى بوثائق تاريخية كثيرة خاصة بالنقراشى..

وصلنا إلى منزل د. هدى شامل حفيدة النقراشى باشا وجدناها غارقة فى مئات الوثائق التاريخية الخاصة بجدها.. ليست مجرد أوراق لكنها تدوين ورصد دقيق لأحداث فترة مهمة للغاية من تاريخ مصر معظم تلك الوثائق يتعلق بمفاوضات جلاء انجلترا عن مصر فى النصف الثانى من الأربعينيات وتطل منها شواهد لمقاومة سلمية عنيفة من المفاوض المصرى ضد المحتل الإنجليزى فضلا عن خطابات شخصية يرسلها النقراشى باشا إلى بناته لكنها لم تخل أيضاً من السياسة.. تفاصيل كثيرة وتاريخ يجهله كثيرون منا.

 كان الغوص فيه امراً صعبا رغم جاذبية تلك الوثائق.. قلبنا كثيرا فيها.. استمعت لشرح حماسى ومنطقى أيضاً من د. هدى لكثير من الوثائق التى تظهر وطنية النقراشى باشا وكيف ظلمه ومعه آخرون من كتبوا التاريخ بعد ثورة 1952 وسبقهم لذلك الإخوان المسلمون قتلا للرجل ثم نهشا وتزييفا وتشويها فى تاريخه.. لاحظت اهتماما خاصا من د. هدى بوثائق الإخوان فهى موجودة فى حافظة خاصة بعيدة عن كل الوثائق. إذن فلنتوقف لقراءتها. ه

كذا اتفقت مع د. هدى.. طلبت منى الاطلاع على تلك الوثائق قبل أن نتناقش فيها.. أخذت الملف وبدأت فى تقليب أوراقه سريعا.. توقفت كثيرا عند خطاب من مرشد الإخوان حسن البنا إلى الملك يحرض فيه على النقراشى باشا ثم وثيقة للقاء البنا بوكيل وزارة الداخلية والتى وصفت حالته بأنه يبكى بكاء مريرا ويمدح النقراشى بمبالغة شديدة راجيا إياه أن يوقف قرار حل جماعة الإخوان.

 بحثت فى تاريخ الوثيقتين فوجدت الفاصل الزمنى بين خطاب تحريض البنا على النقراشى وبين مدحه وتفخيمه وتعظيمه فى لقاء وكيل وزارة الداخلية ثلاثة أيام فقط.. . نقلت ملاحظتى للدكتورة هدى سألتها كيف يحرض البنا الملك على النقراشى ويطلب إعفاءه من الوزارة ثم يعود بعد ثلاثة أيام يتملقه وينافقه ؟.

بسرعة شديدة أجابتنى قائلة هكذا هو البنا ومنهجه وتفكيره الممتد فى عقول أتباعه حتى الآن.. فعندما أرسل خطابا للملك فاروق يهاجم فيه النقراشى باشا ويطلب إعفاءه من الوزارة ويحرض الملك عليه لم يتوقع أبداً أن هذا الخطاب سيصل إلى النقراشى باشا.. لذلك فقد ذهب مطمئنا بخطة خداع أخرى يحاول فيها أن يتملق النقراشى باشا وان يعبر كذبا عن حبه له وإعجابه بنزاهته. وقتها لم يكن يعرف أن خطابه التحريضى للملك قد وصل إلى النقراشى باشا.. وتواصل د. هدى حديثها قائلة هكذا هم الإخوان محترفون فى الكذب والتضليل والخداع ويصور لهم غباؤهم أنهم أذكى من الآخرين.


نفاق


استأذنت د. هدى فى إعادة قراءة الوثائق مرة أخرى بدأت بخطاب حسن البنا إلى الملك.. لفت انتباهى أن الخطاب يحمل تملقا ونفاقا فجا للملك وولاء تاما له فيبدأ البنا خطابه قائلا:
«حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك وادى النيل حفظه الله.. .. .. .. 


أحيى سدة جلالتكم المجيدة بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشفوعة بأصدق آيات الإخلاص واخلص معانى الولاء»


ثم يبرئ البنا الملك فاروق من هزيمة حرب فلسطين ويحملها كاملة للنقراشى باشا فيقول فى خطابه:


«يا صاحب الجلالة لقد حرمنا ثمرات جهادنا فى فلسطين أو كدنا لا لضعف فى جيشنا أو تخاذل فى شعبنا أو نقص فى عددنا أو جهل بواجبنا ولكن لتحكم السياسة المترددة فى الحرب الصارمة وتدخل رئيس الحكومة فى شئون القتال وتردده فى مواجهة المواقف بما تقتضيه».


وتفسر د. هدى هجوم البنا على النقراشى وتملقه للملك بأنها كانت محاولة يائسة من البنا للتخلص من النقراشى باشا بعد أن علم انه اخذ قرارا بحل جماعة الإخوان بسبب العمليات الإرهابية التى قامت بها فى تلك الفترة والتى كانت تخطط لها فهذا الخطاب سبق الحل بثلاثة أيام فقط.. لذلك والكلام على لسان د. هدى فقد ترك كل أسباب الهزيمة فى فلسطين واكتفى فقط بتحميل مسئوليتها للنقراشى باشا.


تحريض


ولان البنا لم يفطن إلى أن خطابه إلى الملك سيقع بين يدى النقراشى باشا فقد واصل تحريضه سرا على النقراشى باشا فألمح له انه لا يصلح لمنصبه فيقول فى خطابه «العالم كله الآن يا صاحب الجلالة تغلى مراجله بالأحداث الجسام ويبدو فى آفاقه كل يوم شأن جديد لا يقوى أبدا دولة النقراشى باشا على أن يضطلع بأعباء التصرف فيه بما يحفظ كرامة مصر.. والنزاهة وطهارة اليد لا تكفى وحدها لمواجهة هذه الغمرات المتلاحقة من أحداث الزمن ومضلات الفتن».. ومن خلال القراءة يتكشف وبوضوح لا يحتاج إلى تفسير الهدف الرئيسى من تحريض البنا على النقراشى فى الخطاب فالمسألة عنده لا علاقة لها بالوطن أو بفلسطين أو غيرهما لكن حقيقة الأمر هو الجماعة فقط لا شيء سواها ويعلن البنا عن نواياه صراحة فى الخطاب قائلا:


«وفى وسط هذه اللجة من الحوادث الجسيمة يعلن دولة النقراشى باشا الحرب السافرة الجائرة على الإخوان المسلمين فيحل بالأمر العسكرى بعض شعبهم»


ويعتقل بهذه السلطة نفسها بدون اتهام أو تحقيق سكرتيرهم العام وبعض أعضاء هيئتهم ويأمر الوزارات والمصالح المختلفة بتشريد الموظفين الذين يتصلون بالهيئة ولو بالاشتراك فى أقسام البر والخدمة الاجتماعية إلى الأماكن النائية والمهاوى السحيقة ولكن صدور هذه التنقلات فى هذه الصورة القاسية تحمل معنى الانتقام والاتهام تجرح الصدور وتثير النفوس وتسىء إليهم فى نظر رؤسائهم ومرؤوسيهم ويصدر الرقيب العام أمرا بتعطيل جريدتهم اليومية إلى اجل غير مسمى ويتردد على الأفواه والشفاه قرار حل الهيئة ووعيد الحكومة لكل من اتصل بها بالويل والثبور وعظائم الأمور».


تضليل


ثم يضع البنا مبدأ الخداع والتنصل من الجرائم والذى اتبعته الجماعة بعد ذلك إلى اليوم فيدعى انه لا علاقة لهم بجرائم العنف والتفجيرات والاغتيالات التى حدثت رغم ثبوت تورطهم بها.. يقول البنا فى وثيقة خطابه للملك:


«وأخيراً يحاول دولة رئيس الحكومة أن يلصق بالإخوان تهمة الحوادث الأخيرة ويلقى عليهم تبعات حادث مصرع حكمدار العاصمة الذى كان المركز العام للإخوان المسلمين أول من أسف له وتألم منه إذ كان رحمه الله معروفا بعطفه على حركتهم ودفاعه عن هيئتهم ومواقفه الطيبة فى ساعة المحن».


وكما يفعل الإخوان الآن فقد فعل مرشدهم من قبل فبادر باتهام الداخلية والنيابة العامة وكل الجهات بتلفيق اتهامات لأعضاء الجماعة فيقول:


«ويحاول دولة رئيس الحكومة أن يتذرع بهذه الحرب الشعواء لتحقيقات لم ينته أمرها بعد ولم يعرف البريء من المتهم إلى الآن وان كانت وزارة الداخلية فى بلاغاتها الرسمية قد خالفت امر النيابة وسبقت كلمة القضاء وأعلنت على رؤوس الأشهاد اتهام الأبرياء».


وهم


ثم يرسى البنا وهما عظيما فى عقول أتباعه بأنهم الأطهر والأنقى وأنهم ليسوا مثل بقية المصريين أو المسلمين بل هم الصفوة الأخيار الذين يقتربون من مرتبة الأنبياء، وهو الوهم الذى يعيشه الإخوان حتى الآن ويتملك عقولهم وجعلهم يعتقدون أنهم فوق الجميع وأنهم منزهون عن الخطأ، وان ارتكبوه فلا حساب لهم ولا عقاب لأنهم فوق البشر.. يقول البنا فى خطابه إلى الملك:
«.. يا صاحب الجلالة اسمح أن أتجرأ فى هذا المقام الكريم


فأقول أن هذه المجموعة من الإخوان المسلمين فى وادى النيل هى اطهر مجموعة على ظهر الأرض نقاء سريرة وحسن سيرة وإخلاصاً للوطن والجالس على العرش».. وكما تفعل الجماعة الآن فقد فعل مرشدهم فى السابق. فالبنا يهدد الملك بالفوضى إذا تم حل الجماعة فيقول. 


«وان تحطيم دعوتهم والقضاء عليهم وهو ما تستطيعه الحكومة.. فان نتائج هذا الموقف فى مثل هذه الظروف غير مضمونة ولا معروفة».


ثم يبلغ نفاق البنا للملك منتهاه ويقترب من أن يصفه بالإله فيقول فى محاول يائسة لتملق الملك كى يقيل النقراشى ويتوقف قرار حل الجماعة:


«يا صاحب الجلالة أن الإخوان المسلمين يلوذون بعرشكم وهو خير ملاذ ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة إلى نهج الصواب أو بإعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أجدر بحملها».


ثم يمهر خطابه إلى الملك بالمخلص حسن البنا المرشد للإخوان المسلمين.


خداع


انتهيت مع د. هدى شامل من قراءة خطاب البنا للملك ثم بدأنا فى قراءة وثيقة تتضمن تقرير عبد الرحمن بك عمار وكيل الداخلية عن لقائه بحسن البنا ليلة حل الجماعة فى مقر وزارة الداخلية.. وكان اللافت هو إعادة تأكيد د. هدى على أن الفرق الزمنى بين خطاب البنا للملك ولقائه بعبد الرحمن عمار كان ثلاثة أيام فقط.


وفى هذا التقرير يصف عبد الرحمن عمار حالة البنا بأنه جاء باكيا بكاء مريرا وأعلن انه سيفعل أى شيء يطلب منه مقابل ألا يتم حل الجماعة وانه لن يشتغل بالسياسة نهائيا بل سيعتزل ويعتكف فى بيته وانه يحب النقراشى ويدين له بالولاء والإخلاص.


يقول التقرير:


«حضر الليلة الشيخ حسن البنا إلى ديوان وزارة الداخلية وطلب مقابلتنا بحجة الإفضاء إلينا بأمور هامة يرغب فى إبلاغها فورا إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء لما قابلناه حدثنا بأنه قد علم بأن الحكومة قد أصدرت قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين أو هى فى سبيل إصدار هذا القرار وانه يريد أن ينهى إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد عول نهائيا على ترك الاشتغال بالشئون السياسية وقصر نشاط الجماعة على الأمور الدينية.. . وانه يود من كل قلبه التعاون مع دولة الرئيس تعاونا وثيقا مؤيدا للحكومة فى كل الأمور كما أعرب عن أسفه لكل ما وقع من جرائم ارتكبها أشخاص يرى أنهم اندسوا على الإخوان المسلمين وراح يترحم على سليم زكى باشا قائلا انه كان صديقا حميما وكان بينهم تعاونا وثيقا ثم تكلم مادحا دولة النقراشى باشا قائلا انه كان على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته فى كل الأمور.. .. ثم قال انه إذا قدر الامر إلى الحكومة فيما اعتزمته فى حل الجماعة فانه يؤكد انه ورجاله سوف لا تبدر منهم بادرة تعكر صفو الأمن إذ لا يقدم على مثل هذا العمل إلا مجنون. كما أكد أن الحكومة لو تعاونت معه لضمنت للبلاد أمناً شاملا.. وختم حديثه بقوله انه على استعداد للعودة بجماعة الإخوان المسلمين إلى قواعدها بعيدا عن السياسة والأحزاب متوفرا على خدمة الدين ونشر تعاليمه، بل انه يتمنى لو استطاع أن يعتكف فى بيته ويقرأ ويؤلف مؤثرا حياة العزلة ثم جعل يبكى بكاء شديدا». 


اغتيال


تعلق د. هدى على ما جاء بالخطاب مؤكدة أنها كانت محاولة من البنا للخداع ورغبة فى وقف قرار الحل وأن وعده باعتزال السياسة لم يكن سوى خطوة تكتيكية مكشوفة للجميع.. وتضيف المشكلة الأساسية التى يعانى منها الإخوان أنهم يعتقدون أنهم أذكى من غيرهم فكان يظن انه يمكنه إقناعهم كذبا بأنه سيعتزل السياسة.. وهذا لم يكن ليحدث لان هدف الإخوان منذ نشأتهم هو السلطة فقط وبأى وسيلة .. واكبر دليل على رغبة البنا فى الكذب والخداع انه قال كما جاء التقرير انه إذا قامت الحكومة بحل الجماعة فلن يقوم أعضاؤها بما يعكر صفو الأمن وبعد هذا التقرير بعشرين يوما فقط قام الإخوان باغتيال النقراشى باشا الذى اصدر قرار الحل وبأمر مباشر من البنا، بل الأكثر من ذلك أنهم اغتالوا عبد الرحمن عمار نفسه كاتب هذا التقرير والذى إلتقاه البنا. 

 

 اسأل د. هدى شامل.. البنا قال أن من قام بالتفجيرات اندسوا على الإخوان وبعد مقتل النقراشى باشا اصدر بيانه الشهير الذى يتبرأ فيه من القتلة، وقال: «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين».. هل البنا برئ من قتل النقراشى؟


- بالطبع لا.. البنا لا يمكن أن يكون بريئا من دم النقراشى.. البنا هو من أعطى الأوامر مباشرة لقتل النقراشى ولا اعتقد أن يعمل النظام الخاص المسئول عن الاغتيالات فى الجماعة دون إرادة البنا ورغبته وتعليماته، وكما رأيت وثيقة خطاب البنا الذى يحرض فيه الملك على النقراشى ويتمنى إقالته حتى لا يصدر قرار الحل، ثم محاولته مقابلة النقراشى باشا ليلة صدور قرار الحل، واذكر واقعة ثالثة فى هذا السياق حيث ذهب البنا إلى جدى لوالدى الدسوقى باشا أباظة وكان وقتها وزيرا فى الحكومة واستعطفه البنا ليتدخل لدى النقراشى لوقف الحل وقال انه على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة للغاية، وعندما ابلغ جدى الدسوقى باشا النقراشى بكلام البنا رد النقراشى إذا كان البنا جادا يعطينا أسماء المتورطين فى العمليات الإرهابية التى حدثت وقتها لكنه رفض.. إذن بيان ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين كان مجرد ستار للخداع والتلاعب.. واذكر أننى شاهدت جمال البنا شقيق حسن البنا فى قناة الجزيرة عندما سأله المذيع عن اغتيال النقراشى بدا غاضبا، وقال: «هو من بدأ وحل الجماعة والبادئ اظلم».. فى إشارة إلى انه يستحق القتل.. واعتقد أن جمال البنا كان يدعى الاعتدال وهو جزء من الإخوان لكنها لعبة توزيع الأدوار للتغطية على قناعاته العميقة الداعمة للاخوان.. 


 الإخوان يعتبرون أن قتل النقراشى عمل فدائى لأنه حسب اعتقادهم ضرب «الفئة المسلمة» التى تقاوم اليهود فى فلسطين وانه احد أسباب هزائم 48.. ما ردك على ذلك؟


- النقراشى كان يرى أن مصر ليست مستعدة للحرب فى تلك الفترة ولا يريد أن يشغل الجيش المصرى أثناء المفاوضات مع الانجليز كان يفضل أن تبدو مصر قادرة على الدفاع عن نفسها بجيشها والحقيقة أن الحكومة شجعت دعم فلسطين بفرق غير نظامية واستغل الإخوان ذلك فتدربوا وحصلوا على أسلحة  لكن الحقيقة أنهم اغتالوا النقراشى ليس لموقفه من حرب فلسطين ولكن لأنه تصدى لعملياتهم الإرهابية ورغبتهم فى نشر الفوضى من خلال التفجيرات والاغتيالات. 


تزييف


< لكنهم قالوا أيضاً أن النقراشى كان مقربا من الانجليز؟


- ليس الإخوان فقط من زعموا ذلك حتى بعد ثورة 1952 طمست أجزاء كبيرة من التاريخ وتم اعتبار ما قبل 1952 عهدا بائدا.. وكنت وقتها بالمدرسة واذكر أن التركيز فى الدراسة كان فقط على ثورة 52ورجالها وعلى الزعيم احمد عرابى.. والحقيقة أننا هنا أمام سؤال هام ويحتاج إلى تفكير ودراسات عميقة وهو من يكتب تاريخ مصر ومن يشوهه.. على سبيل المثال لم يكن النقراشى باشا محبا للانجليز ولم يكن الانجليز يحبونه.. وقالت الوثائق البريطانية: «أن النقراشى باشا يخفى خلف ابتسامته كرها شديدا للانجليز».. كما انه يشارك فى ثورة 1919 وكان من الوفديين وطالب فى الأمم المتحدة بجلاء الانجليز عن مصر.. لكن الإخوان وكتاب ما بعد الثورة زيفوا الكثير من الحقائق وتركوا تاريخ النقراشى وركزوا فقط على أسطورة فتح كوبرى عباس على الطلبة أثناء مظاهرتهم ضد الإنجليز عام 1946.


 وهل واقعة فتح كوبرى عباس على الطلبة المتظاهرين أسطورة؟


- ليست أسطورة لكن النقراشى لم يأمر بفتح الكوبرى كما يصور البعض.. وهذا الكلام غير منطقى بالمرة ففتح الكوبرى عملية تحتاج إلى وقت كبير.. وان تم فتح الكوبرى فبالتأكيد سيرى الطلاب ذلك ويبدأوا فى التراجع.. لكن ما حدث هو أن الكوبرى كان مفتوحا لمرور بعض السفن وطلب الطلاب من المهندس المسئول غلقه وبالفعل أغلقه المهندس على عجل بطريقة خاطئة.وحدثت مناوشات بين الطلاب والشرطة وقذف الطلاب الشرطة بالحصى والحجارة وردت عليهم الشرطة بعنف شديد.. وعندما ذهبت لاستيضاح المزيد عن تلك الواقعة من د. يونان لبيب رزق أعطانى نسخة ميكروفيلم لجريدة الأهرام فى اليوم التالى للواقعة وذكرت الجريدة أن ما حدث كان اشتباكات بين الشرطة والطلاب. 


وقابلت المستشار شوقى الفنجرى وكان احد المشاركين فى المظاهرة وألقى بنفسه فى النيل وسمى» الشهيد الحي»، وقال أن النقراشى باشا لم يصدر أوامره بفتح الكوبرى لكن مسئول الأمن الإنجليزى هو من أعطى الأوامر والحقيقة أننى اعتبرت ذلك أمرا غير مقبول لان الشرطة المصرية كانت تأخذ أوامرها من الحكومة المصرية.


ثم تخرج د. هدى وثيقتين إحداهما خطاب من «الليدى كيلرن» زوجة المندوب السامى البريطانى للنقراشى باشا تقول فيه أنها طلبت منه منح الجنسية المصرية لشخص انجليزى عزيز عليها لكنها لم تتلق ردا.. فرد النقراشى بخطاب أن هذا الشخص لا تنطبق عليه شروط منح الجنسية المصرية وأن ذلك يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء فقد رفض النقراشى طريقتها فى التدخل وكان يرى ان الجنسية المصرية شرف لا يمنح لأى شخص.


أما الوثيقة الثانية فهى خطاب من النقراشى لابنته صفية أثناء وجوده فى جلسة الأمم المتحدة بنيويورك قال فيه: «حبيبتى صفية أرجو أن تكونى علمت أننى خطبت اليوم فى مجلس الأمن لأطالب بجلاء جميع الجنود الإنجليزية عن بلادنا ولابد ان تكوني مسرورة من أن خطابى كان واضحا وقويا فإننى دائما اذكر قولك لى أن الانجليز لا يسمعون كلامى وأنهم لا يخرجون من البلاد فأحب أن تعلمى أننى لما وجدت أنهم لم يخرجوا إلا من مصر والإسكندرية ذهبت إلى اكبر محكمة فى العالم وشكوت انجلترا إليها وأنى أرجو أن تحكم المحكمة لمصلحتنا أننى الليلة سأنام مرتاح البال لان دفاعى أمام المجلس كان قويا وواضحا».


وتعلق د. هدى قائلة إذن الأمور واضحة وتشويه التاريخ معضلة كبيرة. 


< من خلال قراءتك وتحليلك للوثائق.. هل وجدت علاقة بين الانجليز والإخوان ؟


- بالطبع لا يخفى على احد الدعم المالى الذى قدمه الانجليز للإخوان فى بداية نشأتها وكان دعما كبيرا فى ذلك الوقت وبلغ حوالى 500جنيه.. فضلا عن أننا لدينا اعتقاد كامل بأن البنا أمر بقتل النقراشى باشا بإيعاز من الانجليز فقد أراد الانجليز التخلص منه لأنه كان شديد المقاومة فى مفاوضات الجلاء وهذا مذكور فى الوثائق.


استغلال


فى تصورك لماذا عاد الإخوان مرة أخرى بعد قرار الحل فى الأربعينيات؟


- الإخوان عادوا بعد ثورة 1952فى حماية جمال عبد الناصر واعتقدوا أنهم من الممكن أن يستخدموه للوصول إلى السلطة حتى وقعت الخلافات بينهم وبين عبد الناصر.. وفى عهد الرئيسين السادات ومبارك استغلوا حاجة البسطاء للمال والظروف الاقتصادية والاجتماعية وانتشروا بينهم لذلك فنحن نحتاج تحصين قرار حل الإخوان الذى صدر مؤخرا حتى لا تعود الجماعة مرة أخرى.


 وكيف يمكن تحصين القرار لضمان عدم العودة؟


- لاشك أن الرئيس السيسى اتخذ قرارا تاريخيا وشجاعا بوقوفه مع الشعب المصرى لاقتلاع الجماعة والتى كانت ستأخذ مصر إلى الهاوية لكننا نحتاج أيضاً إلى الاستكمال وهذا يتأتى بتوفير تعليم جيد ونشر ثقافة حقيقية بين المواطنين ودعم برامج الحماية الاجتماعية ونحن بالفعل بدأنا فى ذلك. 


تخوف


 هل تتخوفين من عودة الإخوان مرة أخرى ؟


- بالطبع لدى تخوفات من أن يكونوا قد تعلموا من أخطائهم المتكررة ليعودوا لنا مرة أخرى.. صحيح أن التاريخ يكرر نفسه وهم لا يتعلمون ولا يستوعبون لكن أخشى من عودتهم وعلينا أن نكون يقظين لذلك.


 لماذا قررتم تسليم وثائق النقراشى باشا إلى دار الكتب والوثائق الآن ؟


- هذه الفترة شعرنا باطمئنان شديد على هذه الوثائق.. كان من الصعب أن نسلمها فى العهد الناصرى وما تلاه لوجود كراهية شديدة تجاه حقبة ما قبل 1952 لكن بعد 25 يناير الأمر اختلف وخرجنا لنصحح جزءا من تاريخ قد تم تشويهه خاصة ما يتعلق بجدنا النقراشى باشا.. والحقيقة قررنا أن يستفيد الباحثون والدارسون من هذه الوثائق فسلمناها لدار الكتب والوثائق ووجدنا اهتماما كبيرا من الدار.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة