كروان في فيلم ورد مسموم
كروان في فيلم ورد مسموم


"ورد مسمود" و"لحم حي" بينهما  "صالح" وعشقه للمدابغ

منال بركات

الخميس، 06 ديسمبر 2018 - 09:35 ص

لم يكن الورد أبدا مسموما، فهو رسائل بين الأحباء بعضهم البعض، ودعوة للجمال والحب، لكن الورد لدي أحمد فوزي صالح له معاني آخرى، وتفاصيل كثيرة منقولة عبر صور متلاحقة و "Docudrama"، دراما وثائقية نقلها عبر فيلمه الأول "ورد مسموم".

ويبدو أن أحمد صالح مازال متأثرا بالبيئة التي قدمها في أحداث فيلمه القصير "لحم حي" "2011" عن منطقة المدابغ وقصة الطفلين اللذين اغتالت الأيام طفولتهما.  وله كل الحق.. فالمدابغ منطقة غنيه ومليئة بالأفكار التي يسهل على المبدع أن يلتقطها ويشكلها على شريط سينمائي في وقوالب منقولة عن الواقع المرير الذي يعيشه أهلي تلك البقعة،  ويعود بنا المخرج في "2018" إلى نفس الحي ولكن في إطار آخر وعلاقات مغايرة، نسجها من خلال شخصية تحية "مريهان مجدي" وصقر "إبراهيم النجاري" وكروان "محمود حميدة".

فيلم ورد مسموم

القصة تدور شأنها شأن كل الأحداث التي تجري في المناطق العشوائية، حول الفقر المدقع، وتجبر صاحب العمل الانتهازي، والأحلام الضائعة، ورغبة قاتلة في الابتعاد عن هذا الهوان بالهجرة الغير شرعية. تفاصيل مرتبطة كلها بالأوضاع الاقتصادية، قصة متكررة في مصر من القاهرة إلى أسوان بصور مختلفة. و"الورد المسموم" هنا يحمل في طياته الجرئ والجديد معا،  حتى وإن بدا بشكل غير مباشر ولكنه يقرأ بين السطور، فالعلاقة بين الشقيقين، تحية وصقر غير طبيعية، رغم وجود الأم "صفاء الطوخي" التي لم نسمع اسمها طوال أحداث الفيلم،  في رسالة صارخة من جانب المخرج إلى تهميش دور الأم في حياة الأبناء.

فيلم ورد مسموم

يبدأ الفيلم بحركة كاميرا لخطوات ثقيلة لجسد امرأة لا نرى منها غير "الخمار" الباهت، تسير وسط ركام من الطين ومياه المجارير وقوالب الطوب المتراصة، واستعراض بالكاميرا لحواري وأزقة منطقة سكنية عشوائية بحي المدابغ، لتكشف عن وجه "تحية" المنهك في الصباح الباكر، تسير أمام "كروان" الذي يبتسم ابتسامة ذات مغزى وهو جالس على قارعة الطريق أمام تدفق مياه المجارير،  كأنه يستمتع بمنظر لنهر النيل، ترمقه تحية بنظرة ازدراء و كره وتمضي في طريقها. 

فيلم ورد مسموم

ورد مسموم

هذا الكروان شخصية غامضة رسمها المخرج ببراعة شديدة وجسدها حميدة بحرفية بلا حوار علي الشاشة إلا بكلمات شحيحة، فهو شخصية مليئة بالتناقضات، يعتمر قبعة شمس في منطقة لا ترى أشعة الشمس، وبدله كاملة أكل عليها الدهر وشرب كأنه يحتسى القهوة في أفخم المطاعم، ويجلس متأرجحا على كرسي "صالون" قديم متهالك في الطريق، ويلعب بأصابعه بكروت  اللعب "كوتشينة" ينثر أوراق الورود في مياه المجارير . ويرمق القاصي والداني، ولسان حاله يقول أعرف جميع أسراركم.    
 
"الورد المسموم" فيلم غني بالتفاصيل ونادر الحوار اللهم إلا كلمات مقتضبة سريعة تجري على ألسنة الشخصيات،  والصورة هي الكاشفة لمسار الفيلم وأحداثه، نعرف من خلالها أسباب خروج "تحية" المبكر، فهي تعمل عاملة نظافة في حمام بمكان ما، ولها اليد العليا في مصروف البيت، "صقر" يتنقل في أعمال موسمية بمنطقة المدابغ، وكذلك الأم "صفاء الطوخي"، ونجح السيناريو أن يبرز مواصفتها بشكل كبير فهي أم أنانية لا يهمها من الحياة إلا نفسها، لا تتورع أن تخطف اللحم من أمام ابنها، أو تسعى بكل الوسائل للاستدانة لتسهيل مهمته للسفر الغير شرعي، في الوقت الذي تقاوم "تحية" وتهدد الجميع إذا اكتشفت مساعيهما - الأم والأخ –  في تسفيره. فنجدها تتلصص على مكالماته وتفتش أغراضه وتبحث عنه في الأزقة خشيه السفر، ليس هذا فحسب، إنما تلجأ إلى "كروان" الذي يكيد لأبناء الحي بألعابه السحرية، فستنجد بأعماله ليصرف عن صقر فكرة السفر".

ورد مسموم

الـ Docudrama" _ الدراما الوثائقية ذلك الفن الذي يجمع بين أحداث حقيقية وتوثيقها في قالب درامي _ ، برع أحمد فوزي صالح في نقلها بكل المقاييس الفنية السينمائية، ويؤكد على أن خلف الكاميرا مخرج مبدع لديه فكر و رؤية وقبل ذلك يملك أدواته بحرفيه شديدة، ويستطيع أن ينغمس في التفاصيل بسهولة وعين ثاقبة تؤكد معايشته لتلك الحياة من قبل. محمود حميدة قدم بلغة الجسد عملا جديدا يضاف إلى رصيده الفني الزاخر بالشخصيات المتعددة، صفاء الطوخي لم تساعدها مساحة الدور على إبراز قدرتها وإن كانت قد أدت دورها بفتور شديد ساعد شخصية الأم الأنانية، "إبراهيم النجاري" مازال في بداية الطريق ويحتاج الكثير من الجهد والعرق لتطوير أداءه أمام الكاميرا، مريهان مجدي أبدت كثير من التطور في أدائها، ولديها الكثير لتقدمه إذا ما عملت جهدا في تدريبات الصوت وتلوينه من مشهد لآخر.

 


  


 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة