زواج الأطفال يهدد المجتمع بظاهرة التفكك الاسرى
زواج الأطفال يهدد المجتمع بظاهرة التفكك الاسرى


تحقيق| زواج.. «سـاقـط قيد»

محمد قنديل

الثلاثاء، 22 يناير 2019 - 08:55 ص

117 ألف طفل بين متزوج ومطلق.. وأبناؤهم ضحايا «لعب العيال»


علم الاجتماع : ظاهرة خطيرة


فقيه دينى: لا يجوز شرعاً


خبراء: غياب الوعى القانونى وتدنى المستوى الثقافى أبرز الأسباب

 

تخلت عن ضفائرها واللهو مع رفيقاتها فى فناء المدرسة.. ترك هو الآخر طفولته واغتيلت براءته وألقى بألعابه الصغيرة بعيدًا، ليضع على كاهله مهمة صعبة وهى تكوين أسرة و»فتح بيت» رغم أنه لايزال طفلًا «شكلًا ومضمونًا».

 

هذا هو حال 117 ألف طفل، أعمارهم من 10 إلى 17 عامًا، أوضاعهم مأساوية ما بين متزوجين ومطلقين، حسب آخر الإحصائيات الرسمية ـ آخر هذه الوقائع الغريبة لزواج الأطفال، هو الفيديو المنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعى والخاص بحفل خطبة طفلين أعمارهما لا تتجاوز 15 عامًا بمحافظة كفر الشيخ.

 

هذه الواقعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، هذه الوقائع باتت ظاهرة مجتمعية ذات خطورة كبيرة تهدد أطفال مصر، خاصة بعد التقرير الأخير الصادر من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء والذى كشف أن عدد الأطفال أقل من 18 عامًا فى مصر 39 مليون طفل، بينهم 117 ألفاً فى الفئة العمرية من 10 إلى 17 عامًا متزوجون ومطلقون.

 

موضحًا أن محافظات الصعيد سجلت أعلى نسبة فى زواج الأطفال وطلاقهم، إذ بلغت نسبة الزواج 50.8%، فى حين بلغت نسبة الطلاق 51.6%.. والنسبة فى زيادة مستمرة مما يعمل على ارتفاع معدلات الطلاق التى بلغت فى عام 2018 وفقاً لتقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء، مليون حالة، وهو ما يهدد المجتمع بظاهرة التفكك الأسرى.. وهو ما يتناقض مع نص الدستور فى المادة رقم 80 من أن سن الطفولة هو سن 18 عامًا.

 

«الأخبار» تناقش فى هذا التحقيق ظاهرة زواج الأطفال، وما هى تداعياته وخطورتها على المجتمع، وترصد عددًا من الحالات التى خاضت هذه التجربة القاسية..

 

أفراح وسعادة عارمة بين الأهل والأصدقاء، إنها الليلة التى ينتظرها الجميع.. لكن لم تدرك الفتاة الصغيرة صاحبة الـ17 عامًا كم المعاناة التى تنتظرها، بعد أن وافقت «م.ح» على الزواج من نجل عمها صاحب الـ 18 عامًا بعد إقناع وإلحاح من عائلتها.


عاشت الفتاة ابنة محافظة الشرقية عدة أشهر فقط فى سعادة ورخاء، إلى أن بدأت المشاكل مع زوجها تعصف بحياتها.. ونظراً لقلة خبرتها فى التعامل مع مثل هذه الأزمات كانت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ على الرغم من حملها.. رزقت «م.ح» بطفلها الأول وبعدها بعام فقط جاء إلى الدنيا مولود آخر، واستمرت فى حياة زوجية تعيسة لا تخلو من المشاكل إما بسبب تصرفات زوجها الطائش، أو تحكمات حماتها التى تتعمد إرهاقها وإهانتها، حتى طفح الكيل بها وطلبت الطلاق.


سنوات تعيسة


بصوت مليء بالحسرة والمرارة على سنوات طفولتها التى ضاعت هباء تقول: «تحملت الكثير من المتاعب على أمل أن تتحسن طباع زوجى بعد أن أصبح أبا لطفلين، إلا أن مشاعر الأبوة لم تتحرك بداخله، واستمرت أفعاله المراهقة تظهر على أطفاله كما كان يحدث معى.. فذهبت إلى منزل والدى بعد أن قام زوجى بضربى وإهانتى أمام والدته وشقيقته، وهى ليست المرة الأولى، فأصبحت حياتى لا يمكن احتمالها، ولذلك أصريت على الطلاق وهو ما حدث بالفعل بعد فشل كافة محاولات الصلح».


وتتابع: «قضيت ثلاث سنوات تعيسة، لم أر فيها أى مشاعر أو تحمل للمسئولية على الرغم من حالته المادية الميسورة، ولكن يبدو أن قرار الزواج من البداية كان خاطئاً، فكنا مجرد مراهقين لا نفقه شيئاً فى الحياة الزوجية».


عادات وتقاليد


فى الآونة الأخيرة ظهر فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى لحفل خطبة طفلين يبلغ عمرهما 15 عاما فقط، وهو ما أثار موجة من الغضب والانتقادات، الواقعة حدثت فى مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، للطفلين فارس وندى فى الصف الثالث الإعدادى.


يقول شريف، والد الطفل فارس، إنه يعمل فى تجارة الخضار والفاكهة، ونجله يعمل معه بجانب الدراسة ويحرص دائما على المذاكرة والنجاح فى الامتحانات، ويشير إلى أن القصة بدأت منذ حوالى 5 أشهر بعد أن طلب منه نجله الموافقة على خطبته من فتاة يرغب فى الزواج منها، فلم يجد أى مانع من الموافقة خاصة أن مسألة الارتباط فى سن مبكرة هى عادة بالنسبة لهم.


ويضيف أن فارس نجله يعمل معه فى التجارة ويجنى الكثير من المال، حتى أنه أصر على دفع نصف ثمن «الشبكة» للعروس من الأموال التى يدخرها، ولذلك لا يوجد مانع على الإطلاق من إقدامه على هذه الخطوة. وتضيف والدة الطفل فارس، أن ما حدث يعد من العادات والتقاليد ولا توجد به أزمات، فالجميع كان يرغب فى أن تعم الفرحة والسعادة بين الأسرتين. وتتابع أن نجلها ليس بصغير على الزواج فهو فى المرحلة الإعدادية ويعمل مع والده ويستطيع بسهولة الاعتماد على نفسه وإعالة زوجته.. كما أن أسرة الفتاة لم تمانع هى الأخرى من إتمام الخطبة.

 

وفى محافظة بنى سويف تم تداول صور لطالبين بالصف الثانى الثانوى أثناء الاحتفال وسط زملائهما وعائلتهما، داخل قاعة أفراح بكورنيش النيل بالمدينة.. إلا أن والد الفتى نفى كونها حفل زفاف، وإنما فقط قراءة فاتحة وتقديم الشبكة لعروسته وابنة خالته، فى حفل عائلى.


ويضيف حمادة الفيومى أنه اتفق مع نجله شهاب الذى يعمل فى معرض للأغراض المنزلية بجانب دراسته، بأن يكون الزواج بعد انتهائهما من الدراسة وأن حفل الخطبة تهدف إلى التحفيز والتشجيع فقط، وإنما الاهتمام بالدراسة هو الأهم خلال الفترة المقبلة.


امتداد تاريخى


التربية والتنشئة السليمة عليهما عامل كبير، وللأسرة دور رئيسى فى المعالجة، فما هى أسباب الظاهرة وكيف يمكن التصدى لها هذا ما حاولنا التوصل له مع عدد من الخبراء المختصين..


فى البداية يؤكد د.محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعه عين شمس، أن الزواج عموما يحتاج للعديد من المتطلبات البيولوجية والنفسية والعاطفية، فلابد من أن تتوافر هذه المتطلبات لأى شخص مقدم على الزواج ولكن فى الفترة الأخيرة انتشرت ظاهرة زواج الأطفال، وهى مشكلة لها امتداد تاريخى لعقود داخل المجتمع المصرى خاصة الريفى.

 

ويشير عبد العزيز أن انتشار هذه الظاهرة يرجع إلى تدنى المستوى الثقافى والعلمى لدى الأبوين اللذين لا يعلمان المراحل الطبيعية لنمو النشء وما هى العواقب الوخيمة التى قد تنتج عن هذا الجهل فضلا عن أن العادات والتقاليد لبعض العائلات فى الأرياف وفى صعيد مصر تجبر الأبوين على ستر الفتيات كنوع من العفة وفى اعتقادهم أن ذلك سيحميهم من الأقاويل داخل هذه القرى.. ويضيف أن ميول الأطفال يتغير عند وصولهم مرحلة الشباب مما يسبب مشاكل عائلية وعواقب تضر كثيرا بمصالح الروابط العائلية..

 
ويشدد أن الاتفاق بين العائلات على عقد خطبة أو ارتباط مؤقت لحين وصولهم للسن القانونية سيعجل بزواجهم فى سن مبكرة مما يسبب حرمان القاصر من تكملة مشوار تعليمها ومن حقوق الطفولة التى من المفترض أن تعيشها فى هذه المرحلة العمرية بالإضافة إلى فقدانهم الحنان والدفء الأسرى من والديهما لتصبح بين يوم وليلة زوجة رغما عنها.

 

ويشير إلى أن هناك صراعا نفسيا قد يصيب الطفلين ينجم عن بعض المشكلات النفسية كالهيستريا والفصام والاكتئاب والقلق والاضطرابات الشخصية واضطرابات فى العلاقة الزوجية والخوف وفقدان الشعور بالأمان وهذا يؤكد أنك أمام أسرة حتميا ستكون مفككة لأنها لم تبن على أسس ومتطلبات صحيحة من البداية.


شروط وأحكام


أحيانا يتخذ البعض ستارا بأن الزواج فى سن مبكرة أمراً محبباً شرعاً ويحث عليه الدين، ولكن ما حكم الدين فى ظاهرة زواج الأطفال..
يجيب إبراهيم محمود، الداعية الإسلامى، بأن القرآن عظم الزواج وأسماه بالميثاق الغليظ وخصه بالعديد من الشروط والأحكام لإتمامه، أولى هذه الشروط أن يكون قادرا، حيث أكد الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى حديثه الشريف «من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، والباءة هنا فى الحديث معناها القدرة وهذه القدرة لا تأتى للأطفال القصر بكل تأكيد لأن الطفل لا يستطيع تحمل مسئولية زوجته وأولاده ولا يقدر على إعالة نفسه.


ويشير محمود أن العلماء وضعوا شروطا للزوجة أهمها أن تكون مطيقة، وتعنى قدرتها على تحمل الحمل والإرضاع وتحملها لأعباء الزواج، فالطفلة الصغيرة فى حكم العرف لا تطيق الزواج فى هذه السن، وإن إجبارها على الزواج يعتبر عبثا بكتاب الله وسنة رسوله. ويرى الداعية الإسلامى، أن مراعاة الشرائط والأحكام التى تحكم هذا العقد المقدس هو الحل الأسلم لتجنب المشاكل النفسية والجسدية التى تترتب على مثل هذه الزيجات.


من جانبها تقول داليا صلاح، مديرة المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، أن هناك مشاكل عديدة تترتب على زواج الأطفال منها أن الطفلة لا تضمن حقوقها كاملة فى حالة إنجابها للأطفال، حيث يولد طفلها ساقطا للقيد مما يضطرها للجوء للمحاكم لرفع دعوى قضائية لإثبات النسب والتصديق على عقد هذا الزواج الذى يعتبر عرفيا لأنه يكون قبل السن المحددة للزواج بالإضافة إلى أنها قد تتعرض لمشاكل مختلفة، فعلى سبيل المثال فى حالة وفاة الزوج قبل إتمام الطفلة السن القانونية يكون طفلها مجهول النسب.


وتؤكد: «تلقينا العديد من الحالات على خط نجدة الطفل بالفعل فنقوم بالتدخل فى الحال من خلال عمل بلاغات فى الأقسام بهذه الحالات حتى نستطيع السيطرة على هذه المشكلة وذلك فى حالة ما إذا لم يتم الزواج، ولكن فى حالة إتمام الزواج فيعتبر والد القاصر شريكا فى الجريمة طبقا لقانون الطفل 126 لسنة 2008 لموافقته على زواج ابنته موضحة أن هناك بعض الآباء يقومون بإخفاء العقد لحين إتمام الزوجة العمر المناسب ثم يتم التصديق عليه فى المحكمة.


ثقافة العقوبة


اجتماعياً تعتبر ظاهرة زواج الأطفال من أخطر المشاكل، فكيف يفسر علم الاجتماع هذه المشكلة؟ وما هى الحلول التى من الممكن الاستفادة منها..
يوضح د.طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع، أن الأزمة الحقيقية تكمن فى غياب الوعى القانونى لدى قطاع كبير من المواطنين مهما كانت العقوبات مشددة، وتتزايد الأزمة عندما يكون هذا القطاع هو المتهم الأول فى انتشار تلك الظاهرة.

 

مشددا على ضرورة إقامة حملات إعلامية وثقافية ودينية واسعة، ولابد من تدخل الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف ليحرموا هذا الزواج حيث إن العقوبات وحدها غير كافية.


ويضيف أن المواجهة الشاملة والصارمة لكل من تسول له نفسه تأييد هذه الثقافة كفيلة بأن تجعل مصر خالية من زواج الأطفال فى وقت قصير، ولكن تحقيق ذلك يتطلب نشر الوعى بثقافة العقوبة على أوسع نطاق، بالإضافة إلى ضرورة توعية الأسر الريفية التى تزداد بينهم ظاهرة زواج الأطفال أنهم مهددون إذا تمت هذه الزيجات.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة